رحيق المنابر 24

رحيق المنابر

(24)

أهمية الأخوة الأشقاء

الحمد لله الذي جعل لأنبيائه أزواجا وذرية ، وجعل لنا بنين وحفدة ورزقنا من الطيبات ، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا ، ونصلي ونسلم على النبي الأكرم الذي اكرمه الله بأزواج وذرية ، فعلمنا - عليه الصلاة والسلام- كيف نربي أبنائنا؟ وكيف نعامل إخواننا ؟، وكيف نحترم والدينا ؟ .

أما بعد:

صحيح ان نبينا عليه -  الصلاة والسلام - كان وحيد الأم والأب ، ولكنه كان له اخوة من الرضاعة ، وقد فارقهم - صلى الله عليه وسلم -  بعد فترة الرضاعة في بني سعد  ، وعندما انتصر المسلمون في معركة ( هوازن ) راى اخته ( حذافة بن الحارث ) الشيماء رضي الله عنها ، رآها في السبي وقد كبر سنها ورق عزمها ، وهي التى كانت تحدوا له وهو صفير فتقول :

اللهم ابق لنا محمدًا       حتى اراه يا فعا وامردا

ثم اراه سيدا مسودا         وأكبت اعاديه معا والحسدا

وأعطه عزا يدوم أبدا.

فما كان من حبيبنا – محمد عليه الصلاة وأزكى التسليم – الا ان يرحب بها ترحيبا حارا ويبالغ في اكرامها فيبسط لها رداءه الشريف فيجلسها عليه وتنهمر عيناه بالدموع ثم يقول لها: (  إن أحببت فأقيمي عندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك فارجعي إلى قومك، فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها وردها إلى قومها. ولم يتوقف إكرام النبي -  صلى الله عليه وسلم -  للشيماء عند هذا فحسب، بل شمل ذلك بني سعد جميعهم).

أكرم أخ على أخيه :

سيدنا موسى - عليه الصلاة والسلام - كليم الله ورسوله ، يقول له الله سبحانه وتعالى : ( إذهب الى فرعون إنه طغى ) ما اصعبها من مهمة فيها الموت والجماجم والخوف والرعب ، فتوجه الى ربه بأدعية يحتاجها كل مسلم فقال : (رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي اشدد به ازري واشركه في امري .... الخ )   فقد سأل الله أن يشرح صدره للثواب فيلزمه ويشرح صدره لإتخاذ القرار فيلهمه ، ويشرح صدره بالرضى لما مال اليه واحبه ، وسال الله كذلك إذا مضى في قراراته أن ييسر له تنفيذه وتطبيقه  ، وسأل الله ان يجعل له لسانا فصيحا يشرح به مقاصده وأفكاره ، وسأل الله أن يرزقه معاونا ومساندا في طريق الحق اللآحب والمحاط بالمكاره ، فإذا برب الأرباب يقبل دعوة موسى فيرفع هارون - عليه السلام - من انسان عادي الى مرتبة الرسالة والنبوة  ، فكان سيدنا موسى -  عليه الصلاة والسلام -  اكرم اخ على اخيه.  ونحن نعلم جميعا سيرة الأنبياء مع إخوانهم وما اروع قصة سيدنا ( يوسف عليه الصلاة والسلام ) مع إخوانه!!

وكان سلفنا الصالح أحرص الناس على إخوانهم ، ولم يكن حرصهم عليهم فقط لحمايتهم من المكاره ، ونجدتهم عند الإستغاثة ، ومناصرتهم عند الإعتداء ،  ومددهم عند ضيق اليد بل كان حرصهم عليهم قبل كل شيئ لهدايتهم الى طريق الخير ، وإرشادهم الى سبيل السلام والنجاة . ونذكر قصة أبو موسى الأشعري  رضي الله عنه( انه توضأ في بيته ثم خرج فقلت لا لزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومى هذا قال فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا خرج ووجه ههنا فخرجت على اثره اسأل عنه حتى دخل بئر أريس فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر فقلت على رسلك ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه ثم رجعت فجلست وقد تركت اخى يتوضأ ويلحقني فقلت ان يرد الله بفلان خيرا يريد أخاه يأت به...... ) انظر حرصه على اخيه تمنى له لو جاء حتى يبشر بالجنة كما بشر ابوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين .

التهاجر والتخاصم بين الأشقاء :

إن من الأمور التى يدمى لها القلب وتنفطر لها الأكباد أن يسمع الإنسان بالهجر والتخاصم بين الأخوة الأشقاء ، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - :  (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظرا هذين حتى يصطلحا) والشحن هو أن يمتلأ القلب بالعداوة والبغض فإذا كان وقع هذا بين إخوة غير أشقاء ، فكيف يكون الحال إذا كان المتخاصمان إخوة من رحم واحدة ؟ .

إن من سعادة الأسرة وبركات الله عليها أن تبنى على المودة ، والرحمة ، والتعاون، والتناصح ، والتناصر، والتآزر.

كعب بن مالك يتألم لهجر بن عمه له :

قصة الثلاثة الذين خلفوا وكان منهم - كعب بن مالك - عندما امر النبي المسلمين بهجرهم وعدم الحديث معهم دخل كعب يوما على إبن عمه ( قتادة )  وهو احب الناس إليه فسلم عليه فلم يرد عليه فناشده بالله : ألاتعلم أني احب الله ورسوله ؟ فلم يرد عليه ففاضت عيناه بالدموع ، فإذاكان هجر بن العم مؤلما فكيف بهجر الأخ الشقيق ؟

القابيليون مستمرون :

يقول الله تعالى وهو يحكي لنا قصة أخوين قتل أحدهم أخاه : ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين) خلد الله قصتهم في كتابه العظيم ليس للتسلية والسمر ولكن لنعتبر بما حدث بينهم من نزاع وخلاف ادى الى قتل الأخ لأخيه ، وتعترينا الدهشة وتتملكنا الحيرة كلما سمعنا بخصام وشقاق بل وغرس السكين في الفؤاد واطلاق الرصاصة في القلب ، والرمي من شاهق ، ليس بين الأعداء ولكن للأسف بين اخوة أشقاء ضمتهم رحم واحدة .

ايها المسلمون بين أيديكم كنز يبحث عنه العالم :

إن مما حباكم الله به وانتم تعيشون في(  الغرب ) التماسك الأسري والنظام الإسلامي القويم الذي جعل رابطة الأخوة من اعلا الوشائج وارفعها واعظمها ، ينظر اليكم الإنسان الغربي وهو وحيدا يبحث عن الدفئ والصداقة والحنان مع كلب او قط او بغبغاء ، ينظر اليكم وانتم تجتمعون مع أفراد اسرتكم ، ينظرون اليكم وأنتم تجتمعون على طعامكم ، ينظرون اليكم وانتم ترحمون بعضكم بعضا ، ينظرون اليكم وانتم تتكافلون وتتعاونون بل وتضحكون وتسعدون ، رسالتكم أن تهدوا لهم هذا النظام الرباني ، ليس بالكلام ولكن أن ينظر اليكم الغرب وانتم تنفذون منهج ربكم في تعاملكم مع بعضكم بعضا ، اسعدوا في بيوتكم يسعد بكم مجتمعكم.