تفسير سورة النساء 4

العلامة محمود مشّوح

تفسير سورة النساء

12 / 5 / 1978

( 4 )

العلامة محمود مشّوح

 (أبو طريف)

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

 نتابع معكم الكلام على سورة النساء ، وقد سبق أن تعرفّنا على أوائل السورة في الدروس الماضية ، قال تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) فهذه الآية الكريمة جرى الكلام عليها من قبل إلا ما يتعلّق بتوجيه قراءة ( الأرحام ) فالقراءة المشتهرة والتي عليها معظم القراء هي النصب ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ ) وإنما تعيّن النصب في هذه القراءة بنية تكرير ، طبعاً هذه مباحث نحوية ولكن لا بأس من بسط بعض الأمور المتعلقة بالآيات بين وقت وآخر ، ونية تكرير العامل تعني تأويل القراءة على النحو التالي : اتقوا الله الذي تساءلون به أن تشركوا به شيئاً واتقوا الأرحامَ أن تقطعوها . فتكرير العامل أي تكرير الفعل ، وهناك قراءة أخرى بالجر ( واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحامِ ) وهذه قراءة قرأ بعض القراء ولها في العربية وجه ، ولكنه ليس الأفصح وليس الأشهر ، فعند جماهير أهل اللغة لا يجوز عطف الظاهر على المضمر ، ولاحظوا أن الأرحام إذا قرئت بالجر معطوفة على ضمير عائد على لفظ الجلالة هو ( به ) وعطف الظاهر على المضمر قبيح في اللغة إلا بتكرير العامل أيضاً كأن نقول : اتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام . يعني لا بد لكي تكون القراءة وجيهة من تكرير الحرف العامل ، أما بهذا الشكل فمشكلة من جهة اللغة وإن كان لها وجه من التخريج إلا أنه وجه لا يُعدّ ، ومعلوم أنه ينبغي لنا أن نحمل كلام الله تعالى على الأفصح وعلى الأشهر وأن لا نتبع به شواذ الكلام .

 وهناك قراءة أخرى بالرفع ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامُ ) برفع الأرحام ، فهنا الأرحام محلها من الإعراب مبتدأ خبره محذوف وتقدير ذلك : والأرحامُ كذلك ، أو : والأرحامُ حقها أن لا تقطع . فهـذا ما يتعلق بتوجيه قراءة ( الأرحام ) شرحناه على وجه الاختصار كي يكون عند الإخوة معرفة بكلام الله تعالى .

 نأتي إلى الآية الأخرى وهي موضوع درسنا اليوم إن شاء الله ، قال الله تعالى ( وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنـه كان حوباً كبيراً ) الإيتاء هـو الدفع والإعطاء ، وفي القرآن الكريم ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ) ( وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) إلى آيات كثيرة في القرآن الكريم جاء فيها لفظ ( الإيتاء ) بمعنى الإعطاء . ( فآتوا اليتامى أموالهم ) أي أعطوا اليتامى أموالهم وادفعوها إليهم حين يستحقون شرعاً هذا الإيتاء وهذا الدفع .

 ( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) وهذا الأمر بإيتاء أموال اليتامى إلـى اليتامى ، والنهي عن أن يتبدل الإنسان الخبيث بالطيب مشعر بحالة كانت عليها الجاهلية قبل الإسلام ، وهي ما كان يتعرض له الأيتام من ضيعة في مجتمع لا يرحم الضعفاء كالمجتمع الجاهلي ، بل إن اليتم كان في عرف الجاهليين منقصة يُعيّر بها ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يُعيّر بأنه يتيم أبي طالب ، فجاءت هذه التوجيهات القرآنية منزلة على رسول الله عليه الصلاة والسلام لتهدم خليقة من خلائق الجاهلية لا تمت إلى الإنسانية بصلة ، ولتقيم مكانها قانون التعاطف والتراحم والتكافل والتضامن . وتوجيهات القرآن الكريم وتوجيهات الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم مليئة بالشواهد التي تكشف عن مقدار عناية الإسلام بالأيتام ، ولعل من حكمة الحكيم تبارك وتقدس أنه اختار اليتم لخير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم لكي يعرف الناس كلهم أن اليتم ليس عيباً وليس منقصة ، وقد يكون اليتم نعمة من نعم الله الكبرى على الإنسان . ولا شك أن نبينا عليه الصلاة والسلام لولا ما عانى من مرارة اليتم لما أحسّ بالحاجة الماسة إلى أن يعبّر عن ضرورة كفالة الأيتام وحياطتهم ورعايتهم ، ويُعبّر عما أعدّ الله لكافل اليتيم من الأجر والفضل العميم بهذه الحرارة التـي جاءت في كلام النبي صلى الله عليه وسلم . فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول : أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين . يعني هو جاري يوم القيامة ، ورغّب النبي عليه الصلاة والسلام بملاطفة اليتيم وجعل مسح رأس اليتيم على سبيل الملاطفة والتحبب مما يحط الله به من الخطايا عن الإنسان ، واعتبر الشر من بيوت المسلمين بيتاً فيه يتيم يُساء إليه ، واعتبر الخير من بيوت المسلمين بيتاً يُحسن فيه إلى اليتيم .

 فهذه الحرارة في التعبير عن ضرورة كفالة الأيتام ، وعما أعدّ الله لكافل اليتيم من الخير العظيم والفضل العميم شيء جديد على المجتمع الجاهلي الذي خاطبه القرآن بهذا الكلام ، فإذا أردنا أن نتعرف على بعض الوقائع التي كانت يتعرض لها الأيتام فنحن لسنا محتاجين إلى مزيد من البحث ، ففي أمثال العرب ، والأمثال طبعاً هي خلاصة تجربة أمة من الأمم وأنت تستطيع من الأمثال أن تكتشف الاتجاهات النفسية والعقلية لأمة ما ، في أمثال العرب يقولون : فلان أضيع من الأيتام على مائدة اللئام . أي أن الأيتام حينما كانوا يحضرون الولائم والموائد التي تقام في بيوت الآخرين ولا سيما إذا كانوا غير معروفين بالكرم وسماحة الأنفس كانوا يُطردون طرداً ويُدفعون دفعاً ولا يُنظر إليهم بهذا العطف والإشفاق الذي عُرف بعد نزول القرآن الكريم .

 وفي الوقائع المتخلفة عن العصر الجاهلي نجد أن عادة العرب الجاهليين هي أن يخلطوا أموال الأيتام الذين هم في كفالتهم مع أموالهم ، ويتعجلون أكل أموال الأيتام قبل أن يبلغوا سن الرشد ويبلغوا مرتبة الأمور ويطلبوا أموالهم ، حتى إذا بلغ اليتيم وطلب ماله قيل له : إنك أكلت مالك قبل أن تبلغ . فجاء القرآن الكريم آمراً بتوفير مال اليتيم على اليتيم ، أمر القادر أن يستعفف ، وأمر الفقير أن يأكل بالمعروف من مال اليتيم بحيث أنه وصي . فهذه التوجيهات أيضاً جديدة على المجتمع الجاهلي الذي خوطب بآيات القرآن الكريم . لكن لا غرابة في ذلك إذا نحن تذكرنا أن الإسلام جاء يبني مجتمعاً جديداً ومغايراً كل المغايرة مع المجتمع الجاهلي . ويتعجلون أكل أموال الأيتام قبل بلوغه .

 فالمجتمع الجاهلي الذي كان مسبعة يعتدي فيها القوي على الضعيف والغني على الفقير وما أشبه ذلك ، قد يستغرب مثل هذه التوجيهات ، لأنه لا يُقيم أساسه الاجتماعي على عاتق الأخوة الإنسانية ، ولكن الإسلام يقيم المجتمع على أساس هذه العاطفة كما رأيتم في الآية الأولى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) فالإسلام يلفت نظر الناس إلى وحدة الأصل والوحدة الجامعة في هذين الأبوين اللذين تفرعت منهما هذه البشرية ولفت على الأرض آدم عليه السلام وحواء . فالمجتمع المسلم يقوم على هذه الآصرة التي تجعل المجتمع البشري كله كأنه أسرة واحدة ، وهي بالفعل أسرة واحدة كما أنه يتفرع من أم واحدة وأب واحد . فحين جاء الإسلام وجّه هذا التوجيه ( وآتوا اليتامى أموالهم ) وفي التعبير هنا بإضافة الأموال إلى اليتامى دلالة واضحة يُقصد منها لفت نظر الأوصياء على الأيتام أنهم لا يملكون من مال اليتيم شيئاً ، علماً بأن الله جلّ وعلا أَضاف أموال السفهاء إلى الجماعة فقال في آية ثانية ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) وهي على الحقيقة أموال هؤلاء السفهاء ، ولكن لمّا كانوا يتصرفون فيها تصرفاً أخرق وينفقونها في وجوه لا ترضى الشريعة عنها اعتبر الله جلّ وعلا هذه الأموال مع أن السفهاء هم المالكين اعتبرها أموال الجماعة وأضافها إليهم وسلط الجماعة على هذه الأموال ، وأوجب الحجر على هذا السفيه ، وأوجب له النفقة بمعرفة القاضي . فهنا الإضافة مغايرة ( وآتوا الأيتام أموالهم ) كأنما تشعر الوصي بأنه لا يملك من هذا المال شيئاً ، وإنما هو مال اليتيم ، ولا يجوز له أن يخطر في باله أنه يملك فيه أي حق إلا بقدر الذي أجازته هذه الشريعة لا أكثر ولا أقل .

 ( وآتوا اليتمى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) فمـا الخبيث وما الطيب ؟ فـي اسـتعمالات القرآن الكريم جاء لفظة الخبيث وجاءت لفظة الطيب في مواطن متعددة وبمعاني متعددة ، لكن دائماً سياق الآيات يشعر بالمراد ، مثلاً قـال الله تعالى ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً ) واضح أن الله جلّ وعلا لا يتحدث عن النبات ، فكل إنسان يعرف أن الأرض السبخة لا تنبت وإذا أنبتت فإنها تنبت نباتاً معلولاً مريضاً ، وأن الأرض الطيبة التي تقبل الماء وتملك الغذاء للزرع تنبت النبات الطيب وتعطي الثمر والخير الكثير ، هذا شيء معروف ، لكن الأمر هنا ، يعني في هذه الآية جاء على التمثيل والتشبيه ، فكما أن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه فكذلك البيئة الطيبة تنبثق عنها شخصيات طيبة بإذن الله تعالى ، وكما أن الأرض الخبيثة تنتج نباتاً خبيثاً فكذلك المباءة الخبيثة تنتج شخصيات خبيثة ، فمعلوم أن الطيب والخبث مصروفان إلى الناس وصُرف الكلام ظاهراً إلى النبات من باب التشبيه والتمثيل والتخييل لا أكثر .

 أيضاً الله جلً وعلا يقول ( الطيبات للطيبين ) و ( الخبيثات للخبيثين ) وواضح من سياق الآيات أن الطيب والخبث هنا يتعلقان بالأخلاق ، لأن الآيات تتحدث عن فعل شنيع في واقعة معينة أراد الله جلّ وعلا أن يبين تعقيباً على هذه الواقعة وما أشيع من حولها أن الرجل الطيب لا يتخذ للنفسه حليلة إلا طيبة ، وأن الرجل الخبيث الفاسق لا يتخذ للنفسه حليلة إلا خبيثة وفاسقة . فالطيب والخبث هنا ينصبان على الأخلاق ولا ينصبان على الأشخاص ، ومعلوم أنها تنصرف إلى الفواحش أي الخبيثات للخبيثين أي الزواني للزناة ، والعفيفات للعفيفين . فهي قضية تتعلق بالأخلاق .

 فإذا ذهبنا نستعرض كل ما ورد في هذا الموضوع في كلام القرآن وفي كلام النبوة يمكن تحديدهما كالآتي : الطيب كل ما استطابه الشرع ومدح فاعله ، والخبيث كل ما استقذره الشرع وذمه وذم فاعله ، فالمدار والميزان للشريعة ، هي التي تحدد ما هو الطيب ، وتحدد ما هو الخبيث ، فهنا الأمر يتعلق بمال ، والمال منه طيب ومنه خبيث ، أيضاً فالمال الطيب هو ما اكتسب بقواعد الشرع ، والمال الخبيث ما احترشه الإنسان من كل حدب وصوب لا يبالي أصابه من حلال أو حرام ، وورد في ذلك صريحاً في كلام النبي عليه الصلاة والسلام ، فإن النبي عليه الصلاة والسـلام قال في حديث صحيح مشهور : إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً . وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً ) وقال ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) فالأمر للمؤمنين كالأمر للمرسلين سواء بسواء . ثم ذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر ويرفع يديه إلى السماء يقول : يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام فأنى يُستجاب لذلك . فواضح من كلام النبي عليه الصلاة والسلام أن الطيب من المال هو ما اكتُسب من الوجه الحلال ، وأن الخبيث من المال هو ما جاء من طريق الحرام . فالحل والحرمة أيضاً وصفان شرعييان ، والوصف الشرعي إنما يُستمد من كلام الله ومن كلام النبي عليه الصلاة والسلام ، وهنا إذ نعود إلى الآية فنسمع الله يقول ( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) فالذهن ينصرف بتأويل الآية إلى مصارف ، قد يذهب الذهن في تأويل ذلك إلى حرمة استعجال أكل أموال اليتامى قبل البلوغ كما سيجيء ذلك في الآيات التالية ، فيكون هذا أكلاً لمال الغير بغير وجه حق ، وهذا حرام ، والحرام خبيث ، فيكون التأويل بهذا الشكل : ولا تتبدلوا الخبيث وهو ما استعجلتم أكله من أموال اليتامى الذين هم تحت كنفكم وتحت وصايتكم بداراً أن يكبروا فيطالبوكم بأموالهم ، فأنت تأكل مال اليتيم وتترك مالك موفراً ، فإذا بلغ اليتيم وجد ماله هالكاً ذاهباً ، ووجد مالك أنت موفراً لأنك عشت بمال اليتيم ، فهذا من استبدال الخبيث بالطيب .

 أيضاً الذهن ينصرف مصرفاً آخر ، ففي وقائع الجاهلية نعرف أن من سلوك بعض الأوصياء على الأيتام أنه قد يكون هناك نقد لليتيم وقد يكون هناك أغنام وما أشبه ذلك ، فحينما يبلغ اليتيم ، النقد في الماضي عملة تُستعمل من النحاس أو من الذهب أو من الفضة ، ومعلوم أنها من المعادن ، والمعادن منها الجيد ومنها الرديء ، فكانوا يُعطون النقد الرديء في مكان النقد الجيد ، ويقولون ديناراً بدينار ودرهماً بدرهم ، وكانوا يضعون النعجة المهزولة في مكان النعجة السمينة ، ويقولون رأساً برأس وهكذا . فهذا أيضاً من استبدال الخبيث بالطيب فنُهوا عن ذلك لأنه نوع من التحايل من أجل أكل أموال الإنسان الآخر بغير وجه حق يعني بالباطل ، فهذا ما يتعلق بقوله تعالى ( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب )

 ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) وإلى هنا قد تقوم على بابها ، وإلا في أصل الوضع تستعمل للإضافة فيكون المعنى : ولا تأكلوا أموالهم مضيفين إياها إلى أموالكم ، وقد تكون بمعنى ( مع ) كما جاء في القرآن الكريم ( قال من أنصاري إلى الله ) بمعنى من أنصاري مع الله سبحانه وتعالى ، أي لا تأكلوا أموالهم مع أموالكم ، فالمراد إن شاء الله تعالى هو تنفير الأوصياء من إساءة الإتمان على أموال الأيتام الذين هم في كفالتهم وتحت وصايتهم . ( إنه ) يعني إن أكل أموال اليتامى إلى أموالكم ( كان حوباً كبيراً ) والحوب في أصل الوضع اللغوي كلمة تُستعمل لزجر الإبل ، تقول حوباً يعني تريد أن تزجر الإبل عن المرعى ، فاستعملت في الاستعمال الشرعي للدلالة على كل ما ينفّر من الذنب ، ثم توسع فيها فاستعملت للدلالة على الذنب ، يقال : تحوّب فلان إذا خشي أن يقع في الحوب الذي هو الإثم ، والحوب بهذا المعنى المتوسـع هو الإثم ، فقوله تعالى ( إنه كان حوباً كبيراً ) يريد والله أعلم إن أكل أموال اليتامى بغير حق يعد إثماً كبيراً ، ومما روي أن هذه الآية نزلت في رجل من غطفان ، غطفان قبيلة من قبائل العرب ، كان تحت كفالته ابن أخ له يتيم ، وكان ذا مال ، فلما بلغ طلب ماله من عمه فمنعه المال ، فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً ) فجاء الرجل الغطفاني الوصي بالمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا نبي الله نعوذ بالله من الحوب الكبير ، هذا مال اليتيم . أدى المال بالكامل ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : من يأتي به هكذا ومن يوقى شح نفسه يدخل داره . يعني يدخل جنة ربه ، فلما دفع الغطفاني المال إلى اليتيم ، قام اليتيم فأنفق المال كله في سبيل الله ، يعني من أجل الجهاد في سبيل الله ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ثبت الأجر وبقي الوزر . وتعجب الأصحاب قالوا ما هذا يا رسول الله ؟ قال : ثبت الأجر للغلام الذي أنفق ماله كله في سبيل الله ، وبقي الوزر على الوارث المورث لأنه مات مشركاً . ومعلوم أن المشرك إذا أنفق ملأ الأرض ذهباً لن يُقبل منه ، لأن الأساس في قبول الأعمال الإيمان ( قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يُتقبل منكم ) ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً ) والإنسان لو أنفق مثل أحد ذهباً ثم مات لا يؤمن بالله ورسله فإن الله جلّ وعلا لا يتقبّل منه هذه النفقة .

 فهذا ما يتعلق بهذه الآية الكريمة أتجتزئ به اليوم إن شاء الله ، وما في هذه الحدود وصل نصف ساعة تكفي إن شاء الله ، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.