العيد السعيد

العيد السعيد

بقلم: فتح الله كولن

(حينما تُقبل الأيام على بلدي...

يكون ذلك اليوم عيدنا...)

العيد يوم فرح وسرور، ولا سيما للذين يدركون معناه، ويبدو الناس في الأعياد وهم سعداء ومطمئنون، لكونهم أصبحوا مظهرا للعفو الإلهي، وتخلصوا من تبعات أخطائهم وذنوبهم، ولكونهم يعيشون الماضي والمستقبل معا بشكل متداخل.

كل عيد يبث في الأرواح اطمئنانا، وتتداعى سلسلة من ذكريات البشر والسرور على سيماء الوطن، ليصل إلى الكمال. والسعادة التي تنبعث من تداعي هذه الذكريات في القلوب في الأعياد قد تفوق بألوانها وعمقها بشر هذه الأيام وسرورها وزينتها.

في مثل هذه الأيام نضع الماضي والمستقبل معا في خيالنا... نقبِّل أيدي آبائنا وأجدادنا العظام... والوجوه النيرة الحلوة لأحفادنا... فنشعر في قلوبنا بسعادة لا توصف للماضي وللمستقبل. ومع أن أصحاب الأنفس المتشائمة، والقلوب السوداوية لا يفهمون معنى هذا فإن جميع ألوان غبطة الماضي المجيد، وكل الآمال العريضة للمستقبل تشكل بكل ألوان الطيف إكليلاً فوق رؤوسنا ونحن نعيش احتفالات هذه الأيام.

أجل!.. فأي سعادة يمكن أن تضاهي سعادة تأمل لوحة الماضي بكل عظمته، مع المنظر الأخاذ للمستقبل في إطار واحد ؟!.

إن روح الإنسان -من ناحية المشاعر والفكر- يستطيع الإحساس بنشوة الأذواق القلبية العائدة للماضي وللمستقبل ويعيشها مثلما يعيش لحظات أذواقه الحالية، فيتجاوز الزمن ويدرك العيد ويحس به كأنه طار بأجنحة إلى أبعاد أخرى. ويختلف العيد المُدْرَك بهذا المعنى تماما عن بيانات التهنئة والمعايدات الروتينية المذاعة في هذه الأعياد. فالعيد عند أصحاب هذه المعايدات يوم باهت بعيد عن الحياة ومعزول ومنبتّ عن الماضي وعن المستقبل، وكأنه مجرد يوم توزع فيه الحلويات على الصغار.

يأتيني كل عيد بزينة المستقبل الملونة بأنواع الألوان، ويعكس في قلبي -قبل رحيله- أحلى لوحات الماضي وأروعها. فكم تملأني النشوة عندما أشاهد بعين الخيال الأجيال السعيدة القادمة التي وصلت إلى مرتبة العرفان من الناحية المادية والمعنوية، ورهفت مشاعرها، وتوحدت مع أرواحها، وتعانقت بعضها مع البعض الآخر... أتخيل جيلا ملأ العلم عقله... وملأ الإيمان بالخالق العظيم وحبه قلبه... وامتلأ بحب الوجود... ووصل إلى ساحل الاطمئنان. هذه المشاعر التي تسكبها هذه الخواطر في قلبي أحسها في أعماق وجداني، فأعيش دقائق لا مثيل لها. وفي ذلك الإقليم والجو الخيالي أرى الكهول وقد ارتقوا إلى مستوى الإنسانية الحقة... والشباب وقد ألجموا أهواءهم ... ووجوه الصغار - الشبيهة بزهرة الشمس- وكأنها تنورت بسنا ألوان وأنوار منهمرة عليهم من فوق... والنساء اللائي هيأن كل هذا الجو الساحر... أتخيل هذا فأحس بالسعادة وهي تسري في كل مفصل من مفاصلي، وفي كل عرق من عروقي.

في ذلك الجو أتخيل إدارة الدولة وكأنها مودعة في أيدي أحكم الأشخاص وأكفئهم، الذين يتناولون كل شيء بدقة وبحساسية من يقوم بالتطريز... إدارة ترى فيها الرعايا والرعاة المرشدين العارفين في صف واحد في تلاؤم وتناغم... هذا هو ما أتخيله لسيناريو المستقبل... وقد تفتحت ورود العدالة في كل مكان. أما الظلم فضعيف هزيل لا حول لـه ولا قوة... لا ترى لظالم صولة أو جولة، ولا تسمع أنينا لمظلوم.

تمر المدارس في خيالي في العيد وقد أصبحت مختبرات لحل أسرار الكون وطلاسمه، حيث أرى هناك أساتذة عمالقة يهيئون طلابهم لفكّ أسرار ما وراء السماوات... أساتذة ترى الوضاءة في وجوههم، والإخلاص في قلوبهم، والاستقامة في تفكيرهم.

في الأعياد أتخيل كأني أسمع طبول الغزو في الثغور... وتطرق سمعي أصوات جيوش الفتح وأصوات مدافعها... أصوات جيوش الفتح التي تصدت للأخطار لتأسيس توازن بين الدول، وضحت بأسباب الراحة والدعة وكل مباهج الحياة.

يتفتح في قلبي في كل عيد جميع ألوان الأناشيد والتكبير. وفي كل عيد ينتشي روحي بإلهاماته وبالذكريات التي يحييها في قلبي، فأحس وكأنني قد تطهرت وتجددت تماما، حتى أتمنى لو أن كل الأيام كانت أعيادا.

قد يبدو هذا للبعض ضربا من الخيال. بينما يرى فيه البعض الآخر مُثُلا سامية سبق وأن كانت لها آلاف الأمثلة، وتفسيرا موجزا لحقيقة أزلية خالدة ظهرت بوادرها في أفقنا منذ زمن.