اهدنا الصراط المستقيم

اهدنا الصراط المستقيم

عبد الودود يوسف*

حكايات عن القرآن الكريم

للفتيان والفتيات

- 1 -

"حكايات عن القرآن الكريم للفتيان والفتيات.

* هي سلسلة من القصص الشائق تعمل على توضيح معاني القرآن الكريم بلغة مبسطة وصور معبّرة تجتذب إليها القارئ.

* وهي باب طريف في الأدب الإسلامي ولون جديد من التفسير العريق.

* وهي ثمرة خيرة طويلة وتجارب سابقة في مخاطبة الجيل الناشئ والتجاوب مع ذوقه، جزى الله مؤلفها أعظم الأجر.

* يحتاج إليها الجدّ الكبير والطفل الصغير، فالكل يستطيعون قراءتها وفهمها.

* تتناول تفسير سور القرآن بالترتيب ابتداء من نهاية الجزء الثلاثين".

بسم الله الرحمن الرحيم

عالم البحر والأسماك ما أعجبه

مل حمودة من اللعب طوال النهار.. كان يشعر بالسرور أن أيام العيد قد انتهت.. اشتاق جداً لمدرسته وأساتذته..أحس بالتعب، فأسرع إلى شجرة الجوز الكبيرة في حديقتهم... فطلع عليها وجلس ينتظر غياب الشمس ليتفرج على ألوان الأفق الجميل.

هبت عليه نسمات الهواء الحلوة.. فأغمض عينيه ونام..

ما هذا..؟!! دهش حين شاهد أسماكاً عجيبة تسبح حوله في بحرٍ عميق..

أسرعت سمكة قرشٍ كبيرة ودخلت بين رجليه. حملته على ظهرها وهي تضحك. قالت له:

- أين تريد الذهاب يا حمودة؟.. سآخذك إلى أي مكان تريد..

أجابها: أريد أن أعرف كل أنواع السمك في هذا البحر الكبير.

أسرعت سمكة القرش تطوف بحمودة ليتفرج على أنواع السمك كما يريد..

رأى سمكاً صغيراً مثل أصابعه.. وسمكاً مدوراً وطويلاً.. كما رأى سمكاً ملوناً بألوانٍ عجيبةٍ تسر الناظرين قال في نفسه: إن عالم الأسماك عالمٌ كبير.. مثل عالم الناس الكبير..

توقفت سمكة القرش.. قالت له: أما تعبت يا صديقي حمودة ... أما شعرت بالجوع؟!!..

أجابها: نعم.. نعم.. أريد أن أرجع إلى بيتنا..

رأى سمكة لطيفةً مملوءةً باللحم تسرع إليه.. صاحت به: أرجوك خذني معك إلى بيتك.. ما أسعدني حين يأكل لحمي مسلمٌ صالحٌ مثلك..

فرح حمودة بالسمكة اللطيفة.. فلما وضعته سمكة القرش على شاطئ البحر وودعته.. حمل السمكة اللطيفة على كتفه.. وأسرع مسروراً إلى بيته الجميل.. فجأة سقطت السمكة من بين يديه..

فتح عيونه.. فوجد نفسه على شجرة الجوز. عرف أنه كان في منامٍ جميل..

عالم السماء ما أروعه؟!

اصفرت الشمس وكادت تغيب.. همس: يا ألله.. ما أجمل تلك الألوان حول قرص الشمس الجميل.

غابت الشمس.. فتلألأت السماء بأضواء النجوم.. تعجب جداً من كثرتها عد منها مئةً.. لكن النجوم كانت أكثر من ذلك بكثير..

إنها بعيدة.. جداً.. وكبيرة جداً.. جداً.. همس: ما أروع عالم السماء العجيب.. خلقه الله جميلاً.. وعظيماً.. يا ليتني أطير بين النجوم كما سبحت في عالم البحر الكبير. سمع نداء أمه:

- حمودة.. حمودة.. قفز من فوق الشجرة وهو يصيح: أنا هنا يا ماما..

حملته بين ذراعيها.. حكى لها حكاية عالم البحر.. وعالم السماء.. فرحت بحكايته.. سألها: هل هناك عالمون أخرى يا أماه؟..

قالت له وهي تبتسم: طبعاً طبعاً يا بني.. أما تفرجت اليوم على النمل في الحديقة؟.. إنه عالم وحده.. وكذلك النحل والدجاج.. والنباتات..

أجابها: نعم.. نعم.. لكن لماذا خلق الله كل هؤلاء العالمين يا ماما؟..

أجابته: خلقها الله من أجلنا يا بني.

همس: الحمد الله رب العالمين..

ابنة القطة تحرق ذيلها

دخل حمودة البيت مع أمه.. سمع قطتهم "حنان" تملأ البيت بالمواء.. هجمت عليه.. سألها: أين ابنتك الصغيرة يا قطتي حنان؟!

عضت على طرف كمه.. وسحبته.. سار معها مسرعاً حتى وصلا إلى مطبخ البيت.. رأى القطة الصغيرة قد علقت النار بذنبها... كانت تصيح من شدة الألم واللهيب.. يا ويحها لقد مرت من فوق فرن الغاز المشتعل!!! أسرعت أمه وصبت الماء على القطة حتى انطفأت النار. حملتها أمها وجلست تلحس لها ذنبها المحروق.. وترضعها من حليبها الكثير..

همس حمودة متعجباً: ما أرحم قطتنا يا أماه.. هل يرحم الناس بعضهم بعضاً مثل قطتنا؟..

أجابته ضاحكة: نعم يا بني.. ألا تراني أحبك جداً.. وكذلك كل الأمهات..

همس: وهل ربنا يرحمنا يا ماما؟..

أجابته بسرعةٍ: طبعاً طبعاً يا بني.. الله هو الذي وضع الرحمة في نفوس الأمهات... وهو أرحم من الأمهات بكثيرٍ.. إنه الرحمن الرحيم..

صاح حمودة: الرحمن الرحيم..؟!!! إن هذه الآية مكتوبة في سورة الفاتحة يا ماما..

ضحكت أمّه وضمته إلى صدرها يغمرها فرحٌ عظيم..

أبو محمود ماذا فعل؟

أتى الصباح فأسرع حمودة إلى مدرسته مهرولاً.. إنه يحبها جداً.. جداً.. سمع أصواتاً من بعيدٍ.. رأى الناس أمام دكان جارهم اللحام.. يتخاصمون.. أسرع ليرى ما الخبر؟!!.. علم أن جارهم أبا محمودٍ كان يصلي الصبح.. فنسي باب بيتهم مفتوحاً.. فجأة رأى جاره سمعان أمامه في غرفته يغني صرخ به: ما الذي أتى بك إلى بيتنا يا سمعان؟!

صرخ سمعان: هذا بيتنا!!

عرف أبو محمودٍ أن سمعان سكران.. لا يعرف بيته من بيت جاره.. جمع أبو محمودٍ أهل الحي، وحملوا السكران إلى المختار، وطلبوا منه أن يجبر سمعان على ترك الحي.. خافوا أن يتعلم أبناؤهم السكر من سمعان فيغضب الله عليهم فيدخلهم يوم القيامة في النار...

اللص ألا يخشى عذاب الله؟؟

كان الناس يتخاصمون مشغولين.. وكان اللحام أبو سعيدٍ خارج الدكان... ما هذا...؟.. رأى حمودة منظراً عجيباً.. رأى الصبي موشي يمد يده إلى قطع اللحم في دكان أبي سعيدٍ.. ويأخذ قطعة كبيرة منها.. ثم يركض بعيداً... أسرع حمودة إلى أبي سعيدٍ.. وناداه: يا عم.. يا عم.. انظر لقد سرق لك موشي قطعةً كبيرةً من اللحم..

طار أبو سعيدٍ خلف موشي وهو يصرخ: هات اللحمة يا حرامي..

دخل موشي إلى بيتهم وأغلق الباب. طرق أبو سعيدٍ الباب وهو يصرخ: يا أبا موشي.. هات قطعة اللحم..

خرج أبو موشي مع ابنه.. ووجهه أصفر، قال:

- أهلاً بك يا أبا سعيدٍ خذ هذه قطعة اللحم.. لا تؤاخذنا من فضلك..

ضرب أبو موشي ابنه ضرباً مؤلماً.. وهو يصرخ به:

- كيف تسرق اللحم من دكان جارنا؟!!

بكى موشي من الألم وصرخ: ألم تأمرني يا بابا أن أسرق اللحم؟!!

فوجئ اللحام بكلام الصبي موشي واصفر وجه أبي موشي.. حين انفضح أمره..

التفت اللحام أبو سعيدٍ إلى حمودة.. وقال له: إن هؤلاء يا بني لا يخافون من الله..

سأله حمودة: يا عم ألا يعلم هؤلاء الناس أن الله سيعذبهم يوم القيامة إن سرقوا أموال الناس..؟! إن الله هو مالك يوم الدين؟؟؟!

إياك نعبد

ابتسم اللحام أبو سعيدٍ وأخذ بيد حمودة وقال له: مساكين هؤلاء الضالون يا بني.. إنهم يخالفون أمر الله فيحقرون أنفسهم.. ويغضب الله منهم... سمعان يسكر.. وموشي يسرق.. وأبوه يأمره بسرقة أموال الناس.. ظن أننا لن نراه وهو يسرق قطعة اللحم..

صاح حمودة: يا عم.. إن سرق موشي قطعة اللحم ولم تره أنت.. فإن الله سيراه.. وهو إن أفلت من عقابك.. فلن يفلت يوم القيامة من عقاب الله..

همس أبو سعيدٍ: الحمد لله يا بني لقد هدانا الله.. وأمرنا أن لا نفعل مثل هؤلاء الضالين..

رفع رأسه إلى السماء وصاح: يا رب إياك نعبد.. نعبدك وحدك ولن نطيع غيرك أبداً لأنك لا تأمرنا إلا بالخير.

إياك نستعين

ما كاد أبو سعيدٍ يصل إلى حانوته حتى وجد شرطياً يدخل إليه.. رآه حمودة.. فأسرع ليعرف ما الخبر.؟!!

صرخ الشرطي: تعال معي إلى المخفر.. إنك أخذت المال من أبي موشي ولم تعطه لحماً.. هكذا قال..

صرخ أبو سعيدٍ: يا ويله ما أكذبه.. تعال معي إليه..

سارا معاً.. قال حمودة لنفسه.. يا رب أعن أبا سعيدٍ وأنقذه من هذه الورطة إنه صادق.

دخل أبو سعيدٍ المخفر مع الشرطي.. صاح رئيس المخفر: لماذا أخذت المال من أبي موشي ولم تعطه لحماً؟..

صاح أبو سعيد: إنه كذاب يا حضرة العريف.. سرق ابنه قطعة لحمٍ من دكاني.. فأخذتها منه..

صرخ العريف: أنت الذي تكذب.. سأضعك في السجن فوراً..

همس حمودة لنفسه: يا لطيف.. أبو سعيدٍ سيوضع في السجن؟!!.. هذا ظلم.. أنا الذي أستطيع أن أخلصه إن شهدت معه.. لكن الشيطان قال له: إياك أن تفعل.. قد يسجنك رئيس المخفر.

توجه حمودة إلى السماء.. وقال: يارب أعني حتى أنقذ جارنا العم أبا سعيدٍ.

منعه الشرطي من الدخول إلى المخفر فغافله ودخل مسرعاً.. وقف أمام رئيس المخفر.. وصاح به:

- أبو سعيدٍ صادقٌ.. وموشي هو الذي سرق اللحم..

فوجئ موشي وأبوه بحمودة.. صرخ حمودة بموشي:

- ألم تسرق قطعة اللحم من دكان أبي سعيد؟

خاف موشي وهمس: أبي أمرني بذلك..

ارتجف أبو موشي وصاح رئيس المخفر:

- الويل لك يا أبا موشي إنك سارق وكذاب.. ألا تخاف من غضب الله أيها الضال؟..

ضم أبو سعيدٍ حمودة إلى صدره وانطلقا من المخفر ضاحكين مسرورين..

اهدنا الصراط المستقيم

سمع حمودة صوت جرس المدرسة يقرع. أسرع ودخل المدرسة.. كان يفكر ويقول في نفسه:

"هؤلاء الناس الضالون.. يخالفون أمر الله فيجزيهم الله.. أما المؤمنون فيطيعون أمر الله والله لا يأمرهم إلا بالخير"..

رفع رأسه وشعر بالعزة.. لأنه لا يفعل إلا خيراً.. سمع من خلفه صوتاً يناديه:

- لماذا لا تدخل إلى الصف يا بني؟!

التفت فرأى أستاذه يناديه.. فحكى له حمودة حكاية السكران سمعان، والسراق أبي موشي.

أخذ الأستاذ بيد حمودة ودخل معه الصف.. قال له: أخبر رفاقك بالقصة يا حمودة..

فلما حكى لهم القصة.. قال لهم الأستاذ: هل تعرفون ما هي أعظم نعمةٍ أنعمها الله علينا..؟..

قال حمودة: أنا أعرف يا أستاذ..

إن أكبر نعمةٍ أنعمها الله علينا: أنه علمنا أن لا نفعل إلا الخير.. وهدانا إلى الطريق المستقيم.. إلى الصراط المستقيم..

صفق التلاميذ لحمودةٍ وصاح بهم الأستاذ: قولوا معي يا أحبابي الصغار:

- يا رب اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين..

فهتف التلاميذ جميعاً.. كما هتف الأستاذ.. وصاح حمودة:

- آمين.. آمين..

              

* أديب ومفكر وكاتب أطفال سوري معتقل منذ 31/3/1980