الغيمة الباكية(5)

عبد الله عيسى السلامة

الغيمة الباكية

عبد الله عيسى السلامة

الفصل الخامس

السنابل الملونة

قال "كردوش" وهو يضع لقمة في فمه، وينظر إلى زميليه "لوصان" و "ملا قطيط"، نظرة ممازحة متظاهراً بالغضب المفتعل، ويهمهم: هم.. هم.. هم.. أنا كردوش أبو طباع.. أنا راعي الحمراء.. ألا تعرفني يا لوصان.. يا زمام.. ألا تعرف فعالي ومراجلي يا ملا قطيط.. يا مسبوع الأب..!؟ هم.. هم.. هم..

ضحك الثلاثة.. ثم قال لوصان وهو يبتلع بقايا لقمة كانت في فمه: أحسنت يا عزيزي كردوش أحسنت.. إنك تتقدم تقدماً ملحوظاً في بداوتك.. إلا أن همهماتك فوق الحد المطلوب.. كانت تكفيك "هم" واحدة..

قال كردوش وهو يرشف شيئاً من البيرة: وما المانع من كثرة الهمهمة؟ ألا يقول أساتذتنا البدو "زيادة الخير خير"؟

قال لوصان مبتسماً: ومن قال لك يا عزيزي إن كثرة الهمهمة هي زيادة في الخير؟ كان عليك أن تعلم أنها دليل عجز وإخفاق.. ألم تسمع بالحكمة التي يرددها أساتذتنا البدو على امتداد الصحراء: "الكلب الذي ينبح كثيراً لا يعض"!؟

قال ملا قطيط، وهو يرتشف بعض البيرة من كأس أمامه، وينظر إلى كردوش: إن ملاحظة الشيخ لوصان في محلها يا شيخ كردوش.. فكثرة التهديد دليل على ضعف التصميم، أو العجز عن ممارسة الفعل.. والمثل الذي ذكره الشيخ لوصان عن الكلب النباح، مثل عالمي في حقيقته، وليس مقصوراً على بدو الشام.. وأكبر دليل على ذلك، أنك أكثرت الهمهمة بقصد إخافتنا، فاهتزت أوصالنا طرباً، بدلاً من أن ترتعد خوفا وذعراً..

ضحك الثلاثة.. وتابعوا طعامهم وشرابهم..

كان الباحثون الثلاثة، يتناولون طعام العشاء، في بيت فسيح واسع الأرجاء، مبني على الطراز العربي القديم، في حي جميل من أحياء مدينة حمص، المدينة العريقة، القريبة من البادية.. وكان فناء البيت واسعاً، وغرفة واسعة، وأشجاره كثيرة.. وقد استأجروه منذ أن حطوا رحالهم في سورية، ليكون مقراً لهم، يأوون إليه بين آونة وأخرى، بعد كل جولة من جولاتهم في البادية.. يستريحون فيه من عناء السفر، ويعيدون صياغة أفكارهم ومشاهداتهم في البادية، ويضعون نقاطاً جديدة لدراستها ميدانياً بين البدو.. ويتبادلون فيما بينهم بعض المعلومات والطرائف والأحاديث والنكات والمقترحات والآراء حول العمل.. ما كان منه، وما يتوقع أن يكون..

أما المترجم "حنا" أو "اللقلق" كما لقبه البداة، فكان بعد نهاية كل جولة من جولات البعثة في البادية، يذهب إلى اللاذقية لزيارة أهله، والمكوث عندهم، حتى يبدأ وقت الجولة الجديدة، فيمر بالرجال الثلاثة في بيتهم، لينطلقوا من ثم إلى العمل في البادية، وفق مواعيد يرتبونها له حسب مقتضيات الأحوال.

وكما كان هذا البيت، موئلاً للباحثين الثلاثة، ومقر عمل وراحة واستجمام.. كان نقطة التقاء بينهم وبين أصدقائهم من الأجانب أو من الباحثين الآخرين العاملين في مناطق أخرى من البلاد.. ممن يحبون أن يزوروهم أو يلتقوا بهم لقاء مودة أو استشارة أو نحو ذلك.. وكان ممن يتردد أحياناً على البيت بعض كبار الضباط الإنجليز والفرنسيين، ومن أبرزهم لوفنتال وشوفان.. وكان تردد هذين الأخيرين على البيت، في أغلب الأحيان، إنما يتم بقصد التنسيق والتفاهم والتعاون، حول نقاط بعينها تتعلق بعمل الأطراف جميعاً في البادية. فالضباط بحاجة إلى نتائج الدراسات الدقيقة التي يتوصل إليها الباحثون، لتساعدهم في التعمق بمعرفة نفسيات البدو وأحوالهم.. والباحثون بحاجة إلى خبرة الضباط في شؤون القبائل، ومعرفة من يشترى من سادتهم بالذهب، من يشترى بالفضة، ومن لا يمكن شراؤه لكن يمكن إرضاؤه بكلام معسول يثير أريحيته، فيصبح أطوع من تنفيذ الأوامر من عبيد الذهب.. كما أن سلطة الضباط، تساعد الباحثين على تجاوز كثير من عقبات العمل، وتذلل لهم كثيراً من العقد، عقد العلاقات الاجتماعية المتشابكة، أو عقد النفوس التي يمكن أن توجد لدى بعض أبناء البادية..

ولقد أثمر هذا التعاون كثيراً، وقدم خدمات جلى، للضباط والباحثين على السواء.. فما لا يستطاع إدراكه بالسلطة، سلطة السوط والمسدس، أو سلطة الذهب والفضة، يمكن إدراكه بالسلطات الأخرى، سلطة العلم والخبرة والمعرفة والتحليل الهادئ العميق.. والعكس بالعكس..

وكان الباحثون بعد نهاية كل جولة، يقيمون في البيت، مدداً تتراوح بين أسبوع وأسبوعين، وقد تزيد أحياناً أو تنقص حسب الظروف.. كما قد يحدث أن يمر واحد منهم بالبيت أو اثنان عرضاً، وبلا اتفاق.. حسبما تكون جولاتهم وأعمالهم التي يقومون بها في مرحلة معينة، إذ ليس بينهم ارتباط وظيفي مباشر، يربط بين مهماتهم اليومية، فقد يزور أحدهم قبيلة معينة، فيمكث فيها أسابيع عدة، بينما يزور الآخر قبيلة أخرى زيارة قصيرة، في حين يكون الثالث في البيت، يرتب بعض موضوعاته وأفكاره وأوراقه.. وهكذا..

ولقد تكونت لدى الباحثين الثلاثة قناعة شبه ثابتة، بأن قبيلة المداعيس، التي هي أكبر القبائل في البادية وأوسعها نفوذاً وانتشاراً.. هي أهم القبائل بالنسبة لعملهم، وأكثرها خصوبة من حيث المعلومات التي يحرص الباحثون على جمعها.. لذا، فقد ركزوا جل اهتمامهم على هذه القبيلة.. واعتبروا القبائل الأخرى عناصر إضافية متممة.. وكان تركيزهم في دراساتهم، منصباً على العناصر الأساسية الثابتة في كيان القبيلة، والمكونات البارزة في وجودها وشخصيتها، وعدم إغفال التطورات المثمرة والتفاعلات المتلاحقة داخل القبيلة، وما يجد من أخبار هامة أو مثيرة في هذا الموقع أو ذاك، وفي هذه العشيرة، أو تلك، مما يمكن أن يساعدهم في رسم مسارات دقيقة للتغيرات الجارية فوق السطح، أو في البنى الأساسية لكيان القبيلة برمته..

ولقد كانت جعبة كل منهم، بعد هذه الجولة الأخيرة، ملأى بالسنابل، إذ كانوا يسمون حصيلة كل جولة من المعلومات والطرائف والأخبار بـ "حصاد الرحلة" ويقولون لكل منهم عند بداية قدومه من سفرته: انثر سنابلك يا هذا.. وغالباً ما تكون السنابل مختلفة الأنواع والأصناف والأحجام، ومختلفة الألوان كذلك، من حيث الجدة والطرافة والإمتاع، ومن حيث القدم والعراقة والجدية.. ومن حيث كونها خبراً أو حكاية أو نكتة أو مأساة.. ومن حيث كونها تتعلق برجل أو امرأة أو طفل أو شيخ أو فرس أو جمل أو حر أو عبد.. لهذا كله كانوا يطلقون على سنابلهم هذه، اسم "السنابل الملونة".

وكانوا في كثير من الأحيان، يتقمصون أدواراً معينة لأشخاص معينين من مشايخ القبائل ووجهائها، أو عامتها وعبيدها.. ليمثلوا أدواراً بدوية، يسرون بها عن أنفسهم، ويلطفون أجواء مناقشاتهم وسهراتهم.. فيضحكون ويمرحون.. فضلاً عما يحققونه من تصحيح لفظ ملغوط، أو معلومة غير دقيقة، أو علاقة لم يدرك أحدهم أبعادها تماماً..

ولقد كانوا مسرورين بألقابهم التي لقبهم بها البدو، ويتندرون بها فيما بينهم.. كما كانوا مسرورين لأنهم لم يصادفوا كثيراً من العقبات التي توقعوها عند مباشرة مهماتهم، وأبرز هذه العقبات، انكماش البدو عنهم والتوجس منهم، وإخفاء بعض المعلومات الأساسية التي يحرص الباحثون على معرفتها.. وكذلك تظاهر البدو بطباع وعادات ليست لهم ليظهروا أمام الباحثين بمظهر مثالي، مما يفقد أبحاثهم الكثير من قيمتها العلمية.. إلا أنه لم يحصل شيء من هذا كله؛ إذ استخف البدو بشأن البعثة، وبشأن مهماتها، وصاروا يعتبرون أشخاصها مجرد مخلوقات عجماء لها شكل البشر.. ولا ترقى إلى أن تحظى بشيء من اهتمامهم إلا ما كان من رعاية حقوق الضيافة وضرورة عدم إيذاء الغرباء المساكين.. أما التحفظ أمامهم، من إظهار سلوك قبيح أو خلق ذميم فلم يكن وارداً في حساب البدو.. وهل يخجل الإنسان من بهيمة عجماء..!؟

كان الباحثون مسرورين لهذا كله.. وكانوا كثيراً ما يتندرون به فيما بينهم، إذ يعتبر أحدهم نفسه بدوياً والآخرين "بواحيث" أو "صفر الشوارب" أو "روم" كما يسميهم بعض القبائل.. ويمثلون أدواراً طريفة على هذا الأساس..

 وكان عشاؤهم هذا، الذي بدأ فيه كردوش يقلد بعض كلام البدو، هو العشاء الأول لهم، بعد جولة واسعة ومضنية وغنية بالطرائف والأخبار.. إذ كانوا قد حضروا بعد عصر هذا اليوم، ولم يتسن لهم نثر سنابلهم الملونة للتأمل فيها، لانشغالهم بالتماس الراحة وإعداد العشاء..

وبعد أن أنهوا عشاءهم في جو طريف من الدعابات.. وجلسوا لنثر السنابل.. أراد نوبار لوسوان "لوصان" التكلم، فنهره جورج كاردوج "كردوش" ممازحاً.. هس.. هس اسكت "يا ولدي".. ومن أنت يا "غليم" حتى تبدأ بالسوالف من قبل شيخنا "ملا قطيط"؟ أما تعرف يا غلام السوء أن شيخنا هذا هو عمود الدنيا..!؟

قال لوصان: إر.. ر.. ر.. أنا راعي السوداء..!

ضحك الثلاثة.. وعقب زوكريت كوتيت "ملا قطيط" قائلاً: إذا كان أحدكما راعي الحمراء.. والثاني راعي السوداء.. فمعنى ذلك أني راعي البنية..

ضحكوا مرة أخرى.. وتابع ملا قطيط قائلاً: بحكم قلادة الشرف التي قلدتني إياها حكومة الفاتيكان من خلال مكتب الاستشراق، وهي أن أكون المسؤول الأول في هذه البعثة، لأني أكبركم سناً.. فإني أرجو منكما التكرم بالسماح لي بالتحدث أولاً.. ومن شاء منكما أن يسبقني في الحديث فأرجو أن يطلب الإذن بذلك.. حرصاً على سير العمل.. مع خالص شكري لكما..

قال لوصان بعد أن أخذ إذناً بالحديث: أنا أحب أن أسأل: أكلما أراد أحدنا الكلام بكلمة، وجب عليه الاستئذان بشأنها؟

ابتسم ملا قطيط قائلاً: لا شك أنك تمزح يا عزيزي.. فقد تعاملنا طويلاً خلال وجودنا في هذه البعثة.. وتعرف العادة.. هناك حالات معينة.. مواقف معينة.. ينبغي الاستئذان فيها.. أما ما عدا ذلك، فأنت تعلم أن كلامنا كثير جداً، يدخل فيه الحوار والمناقشة والطرائف.. وغير ذلك.. ولا يعقل الاستئذان في كل هذا..

قال لوصان: حسناً.. طمأنتني,, وأريد أن أسأل عن أمر آخر، هو: أن ثمة مصطلحات كثيرة مرت معي في هذه المرحلة، لم استوعب معانيها.. وما أدري إن كان قد مر بكما مثلها، أو سبق لأي منكما الاطلاع على معانيها..

قال قطيط: مثل ماذا؟

قال لوصان: مثل هذا الذي رددناه قبل قليل "أنا راعي الحمراء.. والسوداء.." هذه واحدة.. وواحدة أخرى أحب أن استفسر عنها، هي غرابة الأسماء وأقصد أسماء الأشخاص.. فهم يسمون أبناءهم، والذكور منهم غالباً بأسماء غريبة، لا يعرف أهل المدن الكثير منها، وفوق ذلك يصغرون بعضها أحياناً، فتبدو غاية في الغرابة، مثل عريفج.. محيدير.. وغير ذلك..

قال قطيط: حسناً يا عزيزي نرجو أن نتعاون على إيضاح هذه النقطة.. لكن نحب أن نتأكد مما إذا كان ثمة نقاط أخرى..

قال كردوش: الحق أنني كنت أود طرح هذه النطة لا للاستفسار عنها، بل لإيضاحها.. فقد اهتممت بتتبع هذه الأمور في جولتي الأخيرة هذه لمعرفة صلتها بمكونات الشخصية البدوية وسأجيب عنها بعد قليل..

قال قطيط: عظيم.. عظيم.. أما أنا فأرجو أن أسمعكم بعض الأخبار اللطيفة من أخبار قبيلتنا العزيزة التي نتشرف جميعاً بالانتماء إليها: قبيلة المداعيس.. أليس كذلك..!؟.

ضحك الثلاثة، وقال كردوش: كان علينا أن نحضر أمهاتنا معنا، ليتعلمن فن طبخ البرغل وأكل الثريد..

تضاحكوا قليلاً وقال قطيط: ولكنهم هنا لا يأكلون لحم الضفادع، ويحرمون أكل الخنازير.. وما أظن أمي وأمك تستطيعان الصبر يوماً واحداً، دون أن تأكلا من هذه الوجبات الشهية الدسمة يا عزيزي..

قال لوصان: إنهم يركضون وراء هذه الخراف المسكينة، ويتركون أفخاذ الخنازير التي تقطر دسماً ولذة..

قال كردوش: مجانين.. يزعمون أن الله حرمها على لسان نبيهم محمد.. وهم يعظمون زعيم قبيلتهم أكثر مما يعظمون أنبياء الله جميعاً..

قال قطيط جاداً: هذا أحد مظاهر التناقض بين حسهم الديني وسلوكهم الاجتماعي، ونرجو أن يتاح لنا المجال لمناقشة هذه الظاهرة الخطيرة في حياة أقاربنا الأعزاء هؤلاء.. وأرجو ألا يشغلنا هذا عن سماع الأخبار الهامة والخطيرة والطريفة التي سأرويها لكم.. فما رأيك يا شيخ كردوش في أن تريحنا من حكاية الحمراء.. والزرقاء الآن فتحدثنا عنها بسرعة..

قال كردوش: لا بأس.. الأمر غاية في البساطة.. أما غرابة الأسماء، فهي قضية طبيعية منسجمة مع حياة البداوة.. فالبدوي يعرف مجموعة من موجودات الصحراء التي يتعامل معها، لذا ليس أمامه إلا انتقاء أسمائه من هذه الموجودات.. وعلى سبيل المثال: عريفج، تعني العرفج، وهو نوع من الشجر.. ودلوان، اسم مستمد من الدلو، وأضافوا إليه ألفاً ونوناً.. وكذلك: عقاب.. صقر.. ظبية.. كلها أسماء صحراوية. وإن كان لديهم أسماء مشتركة، مثل: نهار.. جوزة.. بارع.. فهذه الأسماء ملك مشاع.. أما الأسماء التي تفيد الفعل والحركة، مثل: طراد من المطاردة، وغزوان من الغزو، ومسعر من اسعار نار الحرب، فهي مستمدة من أفعالهم التي يمارسونها في حياتهم البدوية.. وأما تصغير الأسماء مثل: محيدير الذي أصله محدار، فقد يكون للتعظيم مثل اسم محيدير هذا.. أي أنه كثير الانحدار إلى القتال.. وقد يكون للتحقير وقد يكون للتحبب كذلك.. وهذا شائع كثيراً في كلام العرب القدماء، كما أنه من الشائع في كلامهم أيضاً، التحوير في نطق بعض الحروف مثل نطق القاف كافاً مخففة، كما يلفظ المصريون الجيم في لهجتهم العامية. وأما راعي الحمراء.. والزرقاء يا عزيزي لوصان، فهو كناية عن شجاعة القائل، وفي الوقت ذاته تذكير بأهمية الفرس المذكورة أو الناقة الموصوفة..

قال لوصان ضاحكاً: أرجو إيضاح هذه النقطة يا عزيزي كردوش، فأنا كما تعلم أحد هؤلاء الرعيان، ولا أريد أن أرعى حمراء ولا خضراء إلا أن أعرف ما هي!

قال كردوش: معك حق يا عزيزي.. والأمر بسيط.. فقد يكون هناك ناقة حولاء مثلاً لأحد وجهاء البدو، فيغير عليهم قوم، ويسلبون بعض نياقهم ومنها الحولاء، فيتبع أصحاب الإبل إبلهم، وتدور معركة حامية بين الطرفين، ويبلي صاحب الناقة الحولاء بلاء حسناً في استرداد ناقته، ويقتل عدداً من رجال الغارة، ويستعيد ناقته.. وفي هذه الحالة يكون لصاحب الحولاء أن يفخر بفعله، ويظل يذكر بشجاعته من خلال التذكير بناقته الحولاء.. وذلك ليهابه الناس.. وقد تصبح الحادثة فخراً لأقارب البدوي جميعاً، فينتخي كل منهم قائلاً: أنا راعي الحولاء.. أما لو ظفر الغزاة بالحولاء.. فالذي يسلبها، ويفوز بها، يحق له الفخر بأنه راعي الحولاء.. لأنه تجرأ واغتصب هذه الناقة رغماً عن أنف صاحبها، وبالتالي يجب ألا يبادر أحد إلى اغصابه.. وهكذا.. فقد تكون هذه فرساً أو ناقة.. حولاء.. أو عمياء.. أو عرجاء.. أو صفراء.. أو حمقاء.. لا عبرة في ذلك.. العبرة في شجاعة من يظفر بها.. هل وضح الأمر يا عزيزي لوصان، وحلم الطلسم!؟"

لوصان باسماً: أجل أشكرك يا عزيزي كردوش.. واسمح لي أن أقول لك: يبدو أن لك أجداداً مدفونين بين تدمر ورصافة.. أو أن أبا لهب عم نبيهم محمد قد بعث حياً من جديد فخلفك ومات.. وقد سماك لهباً وسماك أهلك جورج، من قبيل التمويه..

ضحك الثلاثة، وقال كردوش: ولم اخترعت لي هذا النسب؟

قال لوصان: لأنك عرفت سر الحمراء.. مع أني أنا راعيها لا أعرفه، ولا أعرف ماذا إذا كانت الحمراء ناقة أم هرة أم دجاجة..

ضحكوا مرة أخرى وتابع لوصان: والآن اسمح لي بسؤال أخير يا عزيزي الشيخ كردوش: لم يقول بعضهم عند استثارته: أنا أخو صبحة..أو أنا أبو صقر.. أو أنا أبو جرادة.. وهل هذه الأسماء مرتبطة بمعارك أو حروب؟

قال كردوش: لا يا عزيزي لا.. هذه لا علاقة لها بشيء من ذلك.. والمقصود منها عامة، هو أن الرجل المنتخي بأنه "أبو زيد" أو "أخو فطومة" يحب أن يذكر الآخرين بشخصيته الفذة، وبأنه رجل ذو مكانة أو مهابة أو غير ذلك.. وهذا هو المبدأ العام في هذه النقطة.. وهناك استثناءات.. مثل أن تكون "فطومة" بنت المنتخي أو أخته، امرأة ذات شأن في القبيلة.. أو تزوجها رجل من قبيلة أخرى، فبيضت وجه أهلها عند زوجها وأثبتت أصالة أرومتها وكرم معدنها.. ففي هذه الحالة الأخيرة، يمكن أن تتحول هذه المرأة إلى رمز، فينتخي بها كل أهلها، من أب وأخوة وأبناء عم.. وهكذا.. ويلقب أهلها في هذه الحال، بأنهم "اخوة فطومة" ولذا، فكثيراً ما تسمع باخوة مريم، واخوة درة، واخوة جوزة، وغير ذلك..

قال لوصان مداعباً: إررر.. أنا أخو تينا.. والله كلامك يا ولدي ما هو خايب..

ثم التفت إلى ملا قطيط قائلاً: بالمناسبة يا شيخ المداعيس، أين سلة التين التي جلبناها معنا، لنتسلى بها قليلاً؟

قال قطيط باسماً: أظنها في المطبخ يا أخا تينة.. يا راعي السوداء..

قام لوصان عجلاً، وجلب من المطبخ صحناً مملوءاً بالتين، ووضعه بينهم، وقال: يا هلا بالنشامى.. كلوا يا عيال بعثة الاستشراق.. يا بواحيث.. يا صفر الشوارب.. يا روم.. يا ملاعين الوالدين.. كلوا..

ضحك الثلاثة.. وقال ملا قطيط: وما الداعي إلى لعنة والدينا يا شيخ لوصان، يا ابن اللواصة!؟

قال لوصان بمرح: أليس هذا ما عودنا عليه أساتذتنا البدو: كل لقمة ضيافة، ترافقها غمزة خفية أو إهانة مرمزة، أو دعابة غنية بالشتائم اللطيفة المنتقاة؟! يبدو أنك يا شيخ ملا قطيط ما تزال حضرياً! أو أن أصولك الرومية المتحدرة إليك من جدك قيصر، ما تزال تؤثر في مزاجك المريض!

قال كردوش معقباً: لا تنس يا عزيزي لوصان أن اسم "الروم" ليس وقفاً علينا نحن الأوروبيين عند هؤلاء البداة، بل هم يخلعونه على كل جنس غير عربي.. بما في ذلك أبناء ملتهم الأتراك..

قال ملا قطيط مداعباً: معهم كل الحق في ذلك.. أهم مختصون في علم الأجناس مثل الشيخ كردوش، حتى يميزوا بين الحبشي الأسود والإنجليزي الأبيض!؟ أما سمعت بحكمتهم الخالدة "كله عند العرب صابون"؟

 ضحك الثلاثة مرة أخرى.. ثم علق ملا قطيط قائلاً:

أخشى ما أخشاه عليكم، يا روم يا أولاد الروم، أن تضيعوا أصولكم الرومية، دون أن تتشرفوا بنيل الأصول العربية، فتصبحوا كذلك الغراب التعيس الذي حاول تقليد الحجل في مشيته، فأضاع مشية الغراب ولم يتعلم مشية الحجل..

قال كردوش: لا تخش علينا يا شيخ بني مدعاس، فنحن روم أولاد روم.. أما يقول عنا البدو: "ولد العفون هؤلاء عظمهم أزرق.."؟

قال قطيط: ولكني مع ذلك أخشى على هذه الزرقة من أن يبهت لونها، أو تدخله ألوان جديدة، فيصبح قرمزياً أو بنفسجياً.. أو غير ذلك..

قال لوصان: أراك يا شيخ كردوش حين أعدت المداعيس إلى اسم أبيهم، جعلتهم بني مدعاس.. بينما الذي كنت أظنه أن مداعيس جمع لاسم "مدعوس" لا "مدعاس".. فما الفرق بينهما؟

قال كردوش ضاحكاً: الفرق بسيط يا عزيزي.. المدعوس هو الذي يدعسه الآخرون.. أما المدعاس، فهو الذي يكثر من دعس الآخرين.. فالأصل اللغوي واحد.. والواقع هو الذي يرجح هذا الاسم أو ذاك.. والبدو هنا يجمعون كلاً منهما على مداعيس. فكيف تراهم أنت؟

قال لوصان: أما فيما بينهم فبنو مدعاس.. وأما أمام الآخرين فأنت أعرف بحالهم مني يا عالم الأجناس يا "أبو طباع"..

ضحك الثلاثة.. وعقب ملا قطيط قائلاً:

أما تحبان أن تسمعا آخر أخبار قبيلتنا العزيزة أيها البدويان المشاكسان..؟ أما تحبان أن تسمعا آخر أخبار ظبية المسكينة، والعدد الجديد لزعماء قبيلتنا الأماجد.. ثم العرض الجديد الطريف الذي عرضه علي لوفنتال على لسان مسعود.. وغير ذلك من أنباء مثيرة.. ألا تحبان سماع شيء من هذا!؟

صمت الرجلان قليلاً، ثم قال كردوش:

أما أخبار ظبية، فآخرها هو إصابة المسكينة بمرض نفسي.. وأظن الشيخ لوصان سيسميه "انفصام الشخصية".. هذا إذا لم يكن قد سماه وانتهى.. هذا فيما يتعلق بظبية..

وأما زعماء قبيلتنا الجدد، فهم خمسة حتى الآن "وزيادة الخير خير"، موزعون على خمس عشائر تعرفونها.. لم يبق منها تحت زعامة شيخنا طراد إلا "الهبادة".. إذ استقل مسعود بالمطامير، ومرهج بـ "الحفايا" وأما استقلال هواش بالسواعير، وغزوان بالبشارات فمعروف من زمن طويل.. فما الذي يمكن أن تضيفه يا عزيزنا ملا قطيط!؟

قطيط باسماً: أهكذا تعودت أن تبحث عن أخبار قبيلتك أيها الباحوث الكبير؟

قال كردوش: وهل أنا صحفي لأتابع الأخبار.. يا عزيزي؟

قال قطيط: لا.. بل أنت باحث تتابع الظواهر العامة.. وما سأعرضه الآن يتعلق بهذه الظواهر.. بل هو من صميمها..

قال كردوش: إذن تفضل اعرض.. يا ملا.. يا قطيط.. وكلنا آذان.. وأبدأ بأخبار ظبية المسكينة.. فهي تستحق الرثاء..

قال ملا قطيط باسماً: لا.. هذي ندعها للنهاية.. لكني أعطيكما سرداً موجزاً ودقيقاً الآن، عن انشقاق مسعود ومرهج الأخوين الشقيقين..

قال لوصان: وهل سميا شقيقين لأنهما شقا ما بقي من القبيلة!؟

ضحك الثلاثة وعلق كردوش: لا.. بل شقاها لأنهما شقيقان..

قال ملا قطيط باسماً: نرجو الاستماع إلى النهاية.. ولن تكون سعيدة بالنسبة لنا على أية حال فالقبيلة ونحن رجالها..

قال كردوش ساخراً: والنعم يا شيخ قطيط.. والنعم..

تابع قطيط باسماً: سأعطيكما حصيلة الأمر كما رواها لي الكولونيل لوفنتال.. فقد ذكر لي ببساطة، أنه حرض "مسعود" على الانشقاق ورسم له الخطة، ودفع له بعض المال، واتصل بوجهاء عشيرة المطامير، وشجعهم على الالتفاف حول مسعود، ولكي يقتنعوا بكلامه، أخرج كيساً من الذهب، وأعطى كلاً منهم مئة ليرة ذهبية حمراء.. دفعة أولى.. وكان عددهم حوالي خمسة عشر رجلاً.. فظهرت لديهم القناعة فوراً.. بضرورة دعم مسعود، الشيخ الكفء المؤهل لقيادتهم.. كما ظهر النفور من طراد وسياسته الخرقاء.. وقد كان قبل رؤية الذهب، شيخ مشايخ القبيلة، وعز العرب.. وعمود الدنيا.. ثم ذكر لي لوفنتال المجلس العاصف بين الاخوة الخمسة، بعد وساطة ابن محيدير لترضية ابني السرحانية.. وكيف هدد مسعود أخاه والد ظبية بأسلوب خبيث، وانفضاض المجلس بين تهديد مسعود وابتزازه.. وكيف أن "مسعود" لم ينتظر مهلة الأيام العشرة التي حددها لإخوته على سبيل التعجيز، ليؤدبوا أبناءهم أو يسفروهم، بل بادر مباشرة إلى ترحيل بيوت العشيرة "المطامير" إلى جهة مستقلة، فاتخذت لنفسها منازل محددة، ورسمت حدوداً لمقر سكنها.. وأعلن مسعود عن نفسه زعيماً لها، وقد اضطر إلى الانفصال، حرصاًً على مصلحة القبيلة، التي لم تعد تحتمل ظلم طراد وفساد تصرفه في شؤونها.. وبخطوات مشابهة، انفصل مرهج بعشيرة الحفايا.. ولقد كان متردداً في البداية.. إلا أن انفصال مسعود من ناحية، وزيادة كمية الذهب من ناحية أخرى، كانا عاملين هامين في مبادرته الكريمة للمحافظة على مصلحة القبيلة، بإنقاذ عشيرة من عشائرها، من ظلم طراد وسوء إدارته.. ولقد تم التنسيق بين الكولونيل لوفنتال ونظيره الإنجليزي شوفان، لرعاية شؤون القبيلة، وامتصاص بعض النقمات داخلها.. فاتفقا على أن يهتم شوفان سراً بشؤون العشيرتين، السواعير بزعامة هواش، والبشارات بزعامة غزوان.. مظهراً لهما أنه خصم للفرنسيين، وأن بإمكانها التعويل عليه، وطلب أي شيء منه.. بينما ظل لوفنتال يدير شؤون العشائر الخمس بصفته حاكماً للمنطقة من قبل ديغول، ويحذر زعماءها من الإنجليز.. متجاهلاً ما يفعله شوفان.. كما اتفقا على أن يستقبل أي منهما، أي زعيم يأتيه غاضباً من الطرف الآخر "حردان" ويمتص انفعاله، ويطيب خاطره ويمده بما يحتاج من مال أو سلاح أو دعم ضد أية قبيلة أخرى، أو عشيرة أخرى يمكن أن تتحداه.. واتفق الضابطان على وضع الفواصل والنقاط، لكل قضية من القضايا..

هذه هي باختصار شديد، أيها البدويان الذكيان آخر التفصيلات التي وردتني عن قضية العشائر الخمس، التي صارت كل منها اليوم تتحدث باسم قبيلة المداعيس، ممثلة في شخص زعيم العشيرة المتكلمة، فإذا تكلم وجيه من الحفايا، تكلم باسم الشيخ مرهج، زعيم المداعيس من أدناها إلى أقصاها.. وإذا تحدث غزوان زعيم البشارات، نطق بصفته الزعيم الأول في قبيلة المداعيس، الحريص على جمعها وتوحيدها تحت ظلاله الوارفة، وقيادته الرشيدة.. وهكذا.. دواليك..

قال كردوش مازحاًً: ونحن إلى أية عشيرة ننتمي الآن؟

قال قطيط باسماً: اختر لنفسك..

بادر لوصان مازحاً: لا والله يا ولدي، ما يختار لنفسه. ترى لو اختار "الهبادة" وغضب مني ذات يوم فهبدني بإحدى يديه الثخينتين هاتين.. كيف يكون مصيري!؟

ضحك الثلاثة وقال قطيط: فماذا تختار له يا شيخ لوصان!؟

قال لوصان: أختار له "الحفايا"، حتى لو غلط وداس فوقي ذات يوم لا يؤذيني كثيراً.

ضحكوا مرة أخرى، وقال كردوش:

ما هذه الحرية الرائعة يا شيخ قطيط!؟ ألا يستطيع المرء أن يملك حريته حتى في اختيار العشيرة التي ينتمي إليها؟

قال قطيط: طبعاً يا عزيزي طبعاً.. يجب أن تضحي بمصلحتك من أجل مصلحة القبيلة..

قال كردوش: على هذا الأساس لا مانع لدي من التضحية.. فالفرد يجب أن يذوب في المجموع.. أليس كذلك يا شيخ لوصان؟!

قال لوصان معقباً: لا أحب أن تذوب في فتحولني من بشر إلى فيل، ولكن حافظ على استقلاليتك، واحترم مصلحة القبيلة بالطريقة التي سمعتها.

قال قطيط: وأية عشيرة تختار أنت يا لوصان؟

قال لوصان: أنا لا أختار عشيرة، بل قبيلة المداعيس التي يقودها الشيخ طراد، إلى أهدافها النبيلة وغاياتها السامية، في معارج التقدم والكمال..

قال قطيط: أما أنا فأختار البشارات.. الحصن الحصين لقبيلة المداعيس، والدرع الواقية التي تحمي أبناء القبيلة جميعاً من غوائل الظلم والعدوان.. وفي الوقت ذاته تبشر القبيلة بالخير العميم، الذي سيغمرها إذا تبعت الشيخ غزوان.. صاحب الشيم والمزايا والفضائل والمناقب..

بعد هذا الفاصل الساخر، التفت كردوش إلى صحن التين وقال: آن.. يا أصحاب العظم الأزرق.. تدعون البداوة وأنتم روم أولاد روم.. ترى لو كان صحن التين هذا بين بدو أصلاء، أتبقى فيه تينة واحدة حتى الآن؟ انظروا إليه.. إنه لم ينقص منه إلا تينات قلائل تعد على الأصابع.. علي ما علي.. لو سمعكم عريفج ابن دلوان، لما قبلكم حتى في جماعة "صليب"، التي تحذو الخيل، وتبيض الأواني، وتدل القبائل على الدروب في الصحراء..

قال لوصان: وأيش تقول يا مبطون..!؟ ومنذ متى صار ابن دلوان يوزع علينا أنسابنا..؟! نحن المداعيس يا ولدي.. نارنا ما تنطفي.. إررر.. أنا راعي البقعا.. ابن دلوان ما يرضاني "صليبي" عنده..؟! والله أنا ما أرضاه "سايس" لمهرتي..

قال ملا قطيط هل تحبان أن تسمعا الطرفة اللطيفة، التي أبلغني بها لوفنتال؟

قال كردوش: تفضل..

قال لوصان: بشرط ألا تطول كثيراً.. فالطرفة ملحة.. والملحة إن زادت عن حدها صارت مؤذية..

قال قطيط: حسن.. لك علي ذاك.. ولكن أرجو ألا تبادر أنت فتطلب مني إطالتها..

قال لوصان: أرجو ألا أفعل.. تفضل..

قال ملا قطيط باسماً: طلب مني لوفنتال على لسان مسعود، أن أتولى تعليم أبناء القبيلة الدين الإسلامي، بدلاً من الشيخ عباس المدلول.. وذلك بصفتي موفداً من مكتب الاستشراق للدراسات الإسلامية..

فتح لوصان فمه وعينيه ينظر إلى قطيط.. وشرد ذهن كردوش، فبدأ ينظر إلى الجدار أمامه دون هدف محدد..

ظل الثلاثة صامتين برهة.. ثم قال قطيط: انتهت الطرفة.. ولننتقل إلى غيرها..

بلع لوصان ريقه.. وحك كردوش قفا رأسه وهما متحيران..

 تمالك كردوش نفسه وقال باسماً: إذا كان لوصان قد تعهد ألا يطلب الإطالة.. فاسمح لي أن أطلب ذلك أصالة عني، ونيابة عنه..

ابتسم قطيط وسأل لوصان: ما رأي الشيخ لوصان؟

هز لوصان رأسه ساهماً، وقال بهدوء: أوافق..

قال قطيط: حسن.. أظن الذي أدهشكما في هذا الطلب العجيب، هو عدم معقوليته.. فمن أية زاوية أخذناه، وجدناه مناقضاً لأبسط قواعد التفكير الإنساني السوي.. فمسعود يعلم جيداً أني نصراني.. قد لا يعرف الفاتيكان الذي أرسلني في البعثة.. لكنه يعلم أني نصراني.. ممن يسميهم الروم.. صفر الشوارب.. ويعلم أن النصراني لا يصلح لتعليم الدين الإسلامي، فضلاً عن دعوة الناس إليه، وتحبيبهم به على طريقة ابن مدلول.. ثم هو يعرف أني أت لأخذ معلومات عن الإسلام، تستفيد منها حكومتي.. فما الذي دفعه إلى الإستجارة لأولاد قبيلته بي، من ابن مدلول الشيخ المسلم العالم التقي!؟ أي سبب دفعه إلى هذا الأمر.. هذا ما حيرني في البداية.. إلا أن حيرتي زالت حين وضح لي الكولونيل لوفنتال أبعاد القضية.. ولها بعدان أساسيان وأبعاد أخرى فرعية..

أما البعد الأساسي الأول، فهو تكوين الرجل بشكل عام: فنفسيته من النوع القذر، الذي لا يبالي بأية قيمة خلقية.. وعقليته من النوع الزئبقي والسخيف في الوقت ذاته.. وإيمانه بالله قريب من الصفر، فضلاً عن أنه لا يكترث بأية شعيرة من شعائر دينه..

وأما البعد الأساسي الثاني، فهو الضغط الذي يشعر أنه ينصب عليه مباشرة، أو غير مباشرة عن طريق ما يصيب القبيلة عامة، هذا الضغط هو ضغط الكولونيل لوفنتال.. سواء من خلال التحذير المستمر من معاداة فرنسا، أو من خلال التهديد بقطع المساعدات.. أو من خلال الإغراء بالذهب والوجاهة.. هذان العاملان، أو قل: قذارة تكوين الرجل من ناحية، وإجادة استغلاله وابتزازه من ناحية أخرى.. هما المفتاحان الأساسيان في قضية لجوئه إلينا لنعلم أبناء قبيلته الدين، بدلاً من الشيخ المسلم الذي تمقته فرنسا وتمقت من يستجيب له، أو يردد أقواله.. أما العوامل الأخرى، فهي فروع عن هذين العاملين.. وأهم هذه الفروع هو كرهه لأبناء إخوانه، الذي حسن دينهم وخلقهم عند ابن مدلول.. بينما ظل بليداً جاهلاً بمعرفة أبسط قواعد الدين والعلم والخلق.. ولقد دفعه هذا الكره لأبناء إخوانه والحسد لهم، إلى هذا الاقتراح السقيم.. ظناً منه أنه إذا كان ابنه لا يعرف الدين، فهؤلاء يسضيعون دينهم كله عند "واحد نصراني كافر".. فهو يريد م ملا قطيط أن يكون مخلب قط لديه، يفسد به أبناء اخوته الذين هم خير من ابنه.. كما أن من العوامل الفرعية الأخرى وراء اقتراحه حرصه على المزيد من رضى فرنسا، فهو يرى أنه كلما أوغل في محاربة دينه الإسلامي، كان هذا أكثر إرضاء لفرنسا وكسباً لودها.. و.. ذهبها.. ولعلكم تلاحظون أن شكله عامة لا يوحي بخير، من حيث منظره الأسمر الداكن، وعيناه الصغيرتان المتقلبتان، وحاجباه الثخينان، وأنفه الكبير، وسحنته الكريهة.. إنه ذئب عقور.. يظن في نفسه الدهاء وسعة الحيلة.. والطريف أنه يحاول أن يجرب دهاءه في استغلال فرنسا لتنفيذ مآربه الخسيسة..

هذا هو عامة، التحليل الذي توصلنا إليه، أنا والكولونيل لوفنتال، حول اقتراح مسعود.. ولعل لأحدكما رأياً آخر، يا لوصان يا عالم النفس، ويا كردوش يا عالم الطباع..

قال لوصان ساهماً: أما أنا فعالم في نفس الجماعات، ولا علاقة لي بنفسيات الأفراد، لا سيما إذا كانت مثل نفسية مسعود التي تلوث بحراً..

قال ملا قطيط: لكن عليك ألا تنسى يا عزيزي أن "مسعود"، ليس فرداً، بل هو جماعة قائمة بحد ذاتها، بل هو أمة كاملة، بما يحتوي من عجائب ومفارقات ونذالات..

قال لوصان: حسن.. إني أوافقكما في تحليلكما.. وأعفي نفسي من تحليل نفسية هذا الـ "الأمة".

قال كردوش: أما أنا، فبرغم إدراكي العميق لمهمتي، المعادية في الأصل لهؤلاء القوم، فإني أشفق عليهم من منطلق إنساني، أن يكثر فيهم أمثال هذا النذل، برغم ما يقدمه لحضارتنا عامة من نفع، في تفتيت كيان أمته، وتحطيم قيمها ومثلها وأخلاقها.. وليس لدي بصفتي عالماً في الأجناس وطبائع الشعوب، شيء أقوله تجاه هذا الشخص "الجنس"، أو حول طبع هذا المخلوق "الشعب".

قال لوصان: لكن حتى الآن، لم تقل لنا يا شيخ قطيط: ماذا كان جواب الكولونيل لوفنتال لمسعود.. أعني: هل وافق على طلبه، أم رفضه، أم استمهل الرجل حتى يستشيرك في الأمر؟

قال قطيط باسماً: لقد أجابه جواباً فضفاضاً؛ إذ قال له: سنفكر في الأمر.. وسنطرحه للدراسة.. وسنعرض الموضوع على ملا قطيط ليناقشه.. وأظنه لن يرفض رفضاً قاطعاً، إذا علم أن الأبناء وأهليهم موافقون على هذا الاقتراح.. وسأرد لك الجواب في الوقت المناسب..

هذا هو جواب لوفنتال لمسعود.. وما أظنه كان سيجيب بغير هذه الصيغة، إلا في إحدى الحالتين: أن يتعمد إهانة مسعود وتحقيره والسخرية من سخافته.. أو التعهد بإجابة طلبه دون استشارتي.. وكلتا الصيغتين لا تناسبان الموقف..

قال كردوش باسماً: وما رأيك أنت في هذا العرض المغري؟ هل نويت أن تستجيب للطلب، أم مازلت تناقش الموضوع؟

قال قطيط جاداً: الحقيقة أني لا أملك البت في هذا الأمر.

قال كردوش: ماذا تعني؟

قال قطيط: لا بد من استشارة المكتب.. فنحن كما تعلمون مأمورون بالرجوع إليه، إزاء القضايا الهامة.. ولا يحق لنا البت بها من تلقاء أنفسنا..

قال لوصان ساخراً: أتعتبر هذه القضية السخيفة هامة!؟

قال قطيط بهدوء جاد: قد تكون سخيفة في نظري ونظرك.. إلا أنها ذات أهمية خاصة لدى المكتب.. فربما طلب بعض هذه العناصر إلى عنده، ليتكفل بتعليم من يرغب منهم بالتعلم.. وربما خطر له أن يفتح لهم فصلاً دراسياً خاصاً، يتدرجون فيه من مرحلة إلى مرحلة، حتى ينهوا تعليمهم الجامعي.. وربما قرر أن يرسل إليهم بعض المعلمين أو المبشرين، ليتولوا تعليمهم في مدينة من المدن السورية.. وبناء على هذا كله، لا بد من إعلام المكتب وانتظار جوابه..

قا كردوش معلقاً: ذكرت أن المكتب قد يفكر بإرسال مبشرين إلى هنا.. ولست أدري ما الذي جناه المكتب من جهود مبشري إفريقيا، حتى يعود فيزج بأمثالهم هنا.. في بادية الشام..!

قال قطيط جاداً: وماذا في الأمر؟ على الأقل الناس هنا يحرمون أكل لحوم البشر..! 

قال لوصان: وهذا من رحمة الله بنا.. وإلا لكانت عظامنا الآن صارت مستحاثات..

قال كردوش: أرجو يا عزيزي قطيط أن نبتعد عن أكل لحوم البشر قليلاً، علنا نتمكن الليلة من النوم بلا أحلام مزعجة.. ونرجو أن تذكر لنا آخر المعلومات وأدقها عن مأساة هذه الفتاة التعيسة الظبية.. لعلنا نستطيع أن نفسر بعض الجوانب المبهمة في محنتها.. أو أن ننقل إلى علماء النفس في أوروبا بعض المعلومات عن حالتها النفسية.. عساهم يفيدون منها في بحوثهم وتجاربهم الفنية في علم النفس.. لا سيما أتباع مدرسة فرويد، الذين يحبون أن يحللوا حتى نفسية الهواء، ليكتشفوا أن الإعصار يميل إلى العاصفة بدافع جنسي.. وأن النسيم يقبل رأس أمه الريح، بدافع جنسي.

قال قطيط باسماً: أراك بدأت تغمز من مدرسة التحليل النفسي يا عزيزي.. وأخشى أن تستثر زميلك لوصان، فتحدث بينكما "لوصة" لا تحمد عقباها..

قال لوصان معلقاً: لا تخش من هذا يا عزيزي قطيط.. فعلم نفس الجماعات، لا علاقة له بفرويد ومدرسته التحليلية.. فما يخضع له الأفراد من عقد، لا ينطبق على الجماعات.. ولو استطاع فرويد أن يفعلها لما قصر، ولعله كان سيفترض أن الشعب بصفته مذكراً، مصاب بعقدة أوديب.. وأن الأمة بصفتها مؤنثة، مصابة بعقدة إليكترا.. لذا فإن "الشعب" يحب والدته "الأمة" بدافع جنسي، وأن "الجماعة" تحب أباها الشعب بدافع جنسي كذلك.. وليته فعلها، ليفضح نفسه ويدلل بشكل كاريكاتوري صارخ على سقم تفكيره وتهافت نظرياته الغثة السمجة..

قال قطيط: حسن.. إذن دعونا نستعرض أبعاد الحالة التي وصلت إليها ظبية.. إن المسكينة بعد أن وجدت نفسها وجهاً لوجه أمام مبادئها السامية، وتصوراتها المثالية.. ووجدت نفسها عاجزة عن الانسلاخ عن تكوينها النفسي برمته، لتحقيق مبادئها على أرض الواقع أصيبت بحالة إحباط عنيفة زلزلت كيانها، وزعزعت المرتكزات الأساسية لشخصيتها القوية المتماسكة الذكية.. ومما زادها اضطراباً، أنها تركت وحدها، لتتخذ قرارها منفردة بملء حريتها واختيارها.. فقد أخبرها أبوها بعدم معارضته لزواجها من العبد، وترك الأمر والقرار لها هي ذاتها.. فظلت تفكر وتتردد.. وتقدم وتحجم، وتغلب نزعتها القبيلة تارة، وعاطفتها الدينية أخرى دون أن تصل إلا إلى صراع طاحن بين الإقدام والإحجام، وبين السماء وسموها، والأرض وهبوطها وتدنيها.. حتى وصلت إلى حالة من التمزق جديرة بأن تمزق نفوس الحجارة.. ولو أن أباها، أعانها بعد أن صحت من وهلتها الأولى بكلمة واحدة منه، لما وصلت إلى ما وصلت إليه.. فلو أنه أخبرها بأنه إنما يمازحها في قضية خطبة العبد.. لأزال عن نفسها هذا الكابوس.. ولو أخبرها بأنه يترك لها القرار، إلا أنه لن يكون مرتاحاً لو تزوجت العبد، فستتمكن من مخادعة نفسها، إذ تقنع نفسها بأنها لن تتزوج العبد، حرصاً على إراحة والدها وعدم إغضابه.. وحتى لو أوحى لها إيحاء غامضاً فستستطيع تفسير هذا الإيحاء بطريقة معينة تريحها وتخرجها من حالة التمزق.. كما لو قال لها مثلاً: إن مثيلاتك يا ابنتي لا يتزوجن العبيد.. ففي هذه الحال، يمكنها أن تفسر هذا القول بأنه عدم رضى من والدها.. وتقنع نفسها بأنها يجب ألا تعصي والدها، لأن في هذا نوعاً من العقوق، والعقوق محرم في الإسلام.. وكذلك أن أباها أشعرها بأن زواجها من العبد أمر لا بد منه، لتزوجت العبد على مضض وعدم ارتياح من ناحية، ومن ناحية أخرى ستجد في هذا الزواج نوعاً من التحقيق لما تتطلع إليه من المثالية والتسامي عن عالم الأرض ومفارقاتها السخيفة.. فيخفف هذا الإحساس الأخير من تعاستها التي تجنيها من زواجها بالعبد..

لقد تركت وحيدة أما القرار الصعب.. فتمزقت نفسها.. وانهارت.. هذا ما نعلمه جميعاً منذ أسابيع طويلة..

أما حالتها الآن، في هذه الأيام الأخيرة، فهي حالة خاصة.. وهي بحاجة إلى تفسير.. إنها الآن تراقب الغيوم.. تجلس أحياناً أمام بيت أبيها تراقب الغيوم.. وتظل ساعات طويلة على هذه الحال.. فإذا رأت غيمة بيضاء، لم تكترث بها.. وإذا رأت غيمة سوداء فاتحة السواد، لم تأمل منها خيراً كبيراًً.. فإذا رأت غيمة سوداء داكنة ثقيلة، أملت من ورائها خيراً كبيراً، وظلت تتابعها لحظة بلحظة.. وتلهث في مكانها ملهوفة على هذه الغيمة.. وتبلع ريقها بين لحظة وأخرى، ذاهلة عن نفسها وعن أكلها وشربها ونومها.. لماذا؟ إنها تأمل أن تسكب هذه الغيمة السوداء الداكنة ماءها، لتبدأ هي بالبكاء متصورة أن الغيمة تبكي لأجلها، وأنها تذرف الدموع ألماً وحزناً عليها، وأن هذه الدموع، هي حبات المطر المتساقط على الأرض.. إن منظر هذه الغيمة الحزينة الباكية يستدر الدموع من عيني ظبية المسكينة فتنفجر في بكاء عنيف طويل، حتى توشك نفسها على التلف.. وفي أكثر الأحيان لا يستطيع أهلها جرها إلى البيت، إلا وهي مغمى عليها من شدة الحزن والإعياء.. وهذا هو ديدنها مع الغيوم.. ولقد شحب لونها وهزل جسمها، لقلة الطعام والنوم.. ولقد ذهبت سدىً، كل محاولات أهلها لتحسين وضعها، وإعادتها إلى توازنها.. كما ذهبت سدىً كذلك، نصائح الأطباء وتوجيهاتهم.. فهي لا تلتزم بتناول طعام ولا دواء.. إنها ليست مجنونة، وليس بها حالة من حالات الصرع.. هذا ما قرره الأطباء.. وهذا ما يعرفه أهلها عنها حقيقة.. ولقد فسر بعض البدو هذه الحالة بأنها نوع من الوسواس.. كما وصفها بعض الأطباء بأنها نوع من الاكتئاب.. وبعضهم سماها فصاماً، أي حالة انفصام شخصية "شيزوفرانيا". وبصرف النظر عن صحة هذه التسميات أو عدم صحة شيء منها، يبقى السؤال المطروح هو: ما سر هذا التعلق بالغيوم؟ بل بشكل أدق: لم هذا التلهف على مرأى غيمة ماطرة، لتتصورها الفتاة، بائسة تعيسة تبكي لأجلها.. فتنفجر هي بالبكاء معها وذرف الدموع، كما تذرف تلك دموعها!؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة، ونرجو أن يكون الشيخ الجليل، بل الشيخان الجليلان، لوصان وكردوش قد قدحا زنادي فكريهما ليقدما عليه جواباً شافياً معقولاً.. إذ لو عرف السبب النفسي العميق لتعلقها بالغيوم الباكية، لأمكن دراسة العلاج المناسب على ضوء هذه المعرفة.. لم الغيوم بالذات مثلاً، وليس الرياح أو العواصف أو السيول، أو طلوع الشمس أو القمر أو النجوم..

هذا هو السؤال، ونحن بانتظار الجواب أيها العالمان الجليلان.. وما أظنكما تعودان إلى فرويد، بعد أن مزقتماه شر ممزق قبل قليل..

تنحنح لوصان، وقال بنبرة هادئة رصينة: يخيل إلي يا عزيزي أن القضية برمتها قضية أرض وسماء.. لا أكثر.. وأزيد الأمر وضوحاً فأقول: إن الفتاة أحست في أعماق نفسها، بخيبة أملها في الأرض، بكل ما في الأرض وما عليها من عليها.. أجل خاب أملها بالأرض وموجوداتها، إذ لم تجد فيها أي حل لمشكلتها، فاتجهت إلى السماء.. إلى مصدر العون.. والمدد.. والمساعدة.. والرحمة.. والرفق.. والقدرة على حل المشكلات.. وانحصر تعلقها بالسماء، في عنصر واحد هو الغيم.. ولم الغيم؟ لأنه محسوس تشاهده بعينها وتلمس آثاره بيدها.. وهي بحاجة إلى المحسوس لأن مأساتها عنيفة مرهقة.. ونفسها غير مؤهلة للتعامل مع المجردات، يصعب عليها التعامل مع المجرد.. والله جل جلاله، لا يدرك بالحواس.. فالفتاة بحاجة إلى عون السماء، وإلى مشاركتها في مأساتها عن طريق الحل، أو الرفق، أو المواساة.. هي بحاجة إلى قوة السماء، وإلى عنصر محسوس من عناصر السماء، تراه فتبث أشجانها وآلامها المكبوتة وطموحاتها الخائبة بين يديه.. وأين هذا إن لم يكن في الغيم؟ الشمس لا تذرف الدموع، ولا القمر ولا النجوم.. الذي يبكي مثلها من عناصر السماء هو الغيم.. فلتبحث عنه، ولتبحث عن غيمة مثقلة بالدموع مستعدة للبكاء.. لتفرغ الفتاة شحنة من أحزانها، أمام هذه الغيمة الباكية الحزينة.. إن القضية برمتها تكمن ها هنا.. بين الأرض والسماء.. إنها معادلة بسيطة من وجوه، إلا أنها شديد التعقيد من وجوه أخرى: الأرض غلط.. السماء صح.. الأرض ضعيفة.. السماء قوية.. الأرض قاسية.. السماء رحيمة.. الأرض مأساة.. السماء رفق يزيل المأساة.. الأرض غلظة وجفاء.. السماء حنو ومودة.. فما الذي يعطف على الباكية في الأرض ويشاركها في دموعها، إلا عنصر باكٍ من عناصر السماء، يكون أنثى مثلها "غيمة"، لتأنس بها، وتلتصق بها، وتبثها همومها وأحزانها؟ هذا هو مفتاح القضية برمتها يا عزيزي قطيط.. وكان الله في عون الفتاة المسكينة البائسة..

ابتسم ملا قطيط وقال: أحسنت التحليل يا عزيزي لوصان.. وبرغم كوني غير مختص بالدراسات النفسية، أجد لدي ميلاً قوياً إلى اعتبار هذا التحليل، أقرب التحليلات إلى واقع نفسية الفتاة المسكينة.. ولست أدري ما إذا كان لدى شيخنا كردوش رأي حول القضية.

قال كردوش ساهماً: الواقع أني أميل إلى ما ذكره شيخنا لوصان؛ إذ لا أجد بين يدي، أو فيما يخطر في ذهني تحليلاً أفضل منه، ولا سيما أنه مختص في الدراسات النفسية.. أما دعابته حول كونه مختصاً بعلم نفس الجماعات ولا علاقة له بنفسيات الأفراد، فتظل دعابة لطيفة، لها موقعها المناسب في جو المرح والدعابة..

قال قطيط وهو ينظر في الساعة: أوه.. إنها الثانية والنصف.. إلى النوم يا نشامى.. يا مداعيس.. يا روم.. يا صفر الشوارب إلى النوم..

قفز كل من مكانه.. وذهب إلى فراشه.. وثرثروا دقائق قليلة، حول عشائرهم ومشايخهم. ثم غرقوا في سبات عميق..

يتبع إن شاء الله..