فرقة المغامرين الخيريّة (3)

فرقة المغامرين الخيريّة (3)

((رواية بوليسية للفتيان والفتيات))

ضرغام فاضل

[email protected]

المشتبه به رقم واحد

وصل طارق إلى بيت الدكتور أسعد مستعيناً بالعنوان الذي زوّده به مصعب ,عندما اتصل به من خلال الهاتف القريب من المركز الطبي..وهاهو الآن يقف أمام باب منزل الدكتور أسعد , وهو أحد الأطباء العاملين في المركز وعندما قرع الباب , فتحت له امرأة كبيرة السن ..تتكيء على عكاز, وسألته:

- نعم .هل من خدمة؟.

أجابها طارق بلباقة:

- بصراحة ياخالة أنا بحاجة للدكتور أسعد في مسألة مهمة ..فهل هو موجود؟.

قبل أن تجيب العجوز على سؤاله ,سمع طارق صوتاً من الداخل يسأل:

- مَن ياأمي؟.

أجابته العجوز:

- فتىً يطلب رؤيتك.

وإذا بالدكتور أسعد يخرج ليقف إلى جانب أمّه,وهو يضع المنشفة على كتفه,وكأنه خرج للتوّ من الحمّام.مما دعى طارق أن يستخدم لباقته في التعبير .إذ قال:

- متأسّف جدا ً,جئت من غبر موعد ..ويبدو أن الوقت غير مناسب ..

أجابه الدكتور أسعد, وهو شابّ يبدو أكبر من طارق بسنوات لاتتعدى العشرة:

- لاتبالي..المهمّ.. هل من شيء استدعى حضورك يا...

أجاب طارق:

- أنا اسمي طارق..

ردّ الدكتور أسعد:

- أهلاً وسهلاً ياطارق ..

ثم ابتسم الدكتور وأشار لطارق بالدخول ..وهو يقول:

- تفضل ..سنتكلّم في الداخل ..

جلس الدكتور أسعد في غرفة الضيوف ,وإلى جانبه جلس طارق,الذي بدا عليه الارتباك واضحاً ,إذ كيف سيفتح الموضوع مع الدكتور..وبأيّ صفة ..تنحنح قليلاً ,فأدرك الدكتور أسعد قلقه ,فسأله:

- تبدو قلقاً ..هل هناك شيء أستطيع أن أساعدك به؟ ثم من أين حصلت على عنواني؟.

تلعثم طارق وهو يقول:

- أعطاني إياه مصعب..ابن عمي.

سأل الدكتور أسعد:

- مصعب؟؟ومن هو مصعب ؟؟بصراحة أنا لاأفهم شيئا أبداً ..

قال طارق:

- لقد كنّا في زيارة لمركز الطبي, وأردنا مقابلتك ,لكنّ الموظفة أخبرتنا أنك غير موجود.

أجاب الدكتور أسعد:

- صحيح ..لقد تركت العمل .

سأله طارق:

- لي الكثير من الأقارب يزورونك .وكلّهم يشيدون بأخلاقك الطيّبة ,وحسن استقبالك لهم .ويقولون إنهم يفضلون اختيارك من بين جميع أطباء المركز , وعذراً يعني ..رغم قصر خبرتك ..وصغر سنّك ..لكن هذا ليس مقياسا ًللطبيب الناجح..

ابتسم الدكتور أسعد ..وهو يحكّ يده براحة يده الأخرى, خجلاً لماسمعه من إطراء ..وقال:

- شكراً ..ولكن بصراحة ..أنا لحد هذه اللحظة لم أفهم شيئاً.

ثم قال ضاحكاً:

- هل تريد أن تتعالج عندي مجاناً ..فأنا للأسف لا أملك عيادة ..حتى إنني لم ألتحق بوظيفة جديدة.

بادله طارق الضحك.قائلاً:

- لا ..ولو أردت أن أتعالج فلن أذهب إلى أحد غيرك ,هذا وعد مني ..لكنني جئت لسبب آخر ..

استعدل الدكتور أسعد في جلسته , ليفهم الجالس أمامه .أنه آن الأوان لسماع الأمر الذي جاء من أجله..فقال له:

- نعم ..تفضّل..

بدأ طارق حديثه:

- بصراحة يادكتور ..لقد أخبرتني للتوّ بأنك تركت العمل مع الدكتور لطفي ,في حين أننا سمعنا أنه ..واعذرني لهذه الكلمة ..أنه طردك من الوظيفة.

شبّ الدكتور أسعد من مكانه ..وأنزل رجله التي كان قد وضعها فوق الأخرى ..وهو يقول:

- ماذا؟؟!! طردني؟..ولماذا يطردني أصلا ؟؟. أنا الذي تركت العمل مع هذا الإنسان الجشع,الذي لايهمّه شيء من الدنيا, بقدر مايهمه كم كسب من المال..

سأل طارق باستغراب:

- معقول ؟!!

سحب الدكتور أسعد نفساً عميقاً ,بعد أن لاحظ أنه بالغ بانفعاله أمام طارق ..لكنّه حاول تدارك الأمر بقوله:

- ليس هذا موضوعنا ..وسواء أكون أنا من ترك العمل أو لا ..فهذ شيء فات أوانه ..المهم مالمطلوب مني ؟

لاحظ طارق تغيّر نبرة الدكتور أسعد ,الذي بدا منزعجاً مما سمعه فقال:

- أعتذر. لم أكن أقصد إثارة غضبك ,لكنّنا ..أقصد أنا وأولاد عمي وخالتي ..أحببنا أن نقدّم المساعدة بحسب مانتمكّن للمركز, بعد أن شاهدنا حجم الدمار الذي أصابه .

استغرب الدكتور من كلام طارق , فسأله:

- أيّ دمار ؟؟ومالذي أصاب المركز؟.

أجاب طارق:

- أقصد الحريق الذي أكل الأخضر واليابس؟.

زاد استغراب الدكتور أسعد فاستعدل في جلسته .وسأل :

- هل احترق المركز ؟ ومتى ؟ وكيف؟.

اندهش طارق وهو يرى استغراب الدكتور أسعد ,فسأل:

- ماهذا ؟تقصد أنك لم تكن تعرف بهذا؟.

أجاب الدكتور أسعد:

- وكيف لي أن أعرف وأنا قدتركت العمل فيه من أيام ..؟؟.

قال طارق:

- نعم صحيح .ولكنّني طننت أنّ أحداً ما ينقل لك الأخبار أولاً بأول..

هزّ الدكتور أسعد رأسه ..وهو يقول:

- لا ..لم أعُد على اتصال مع أحد أبداً ..ثم أرجوك .أنا لاأعرف سبب وجودك ..طبعاً ليس من المعقول أن تكون قد بحثت عن عنواني , وأجهدت نفسك بالحضور إلى هنا لتبلّغتي هذا الخبر..أليس كذلك ؟.

ضحك طارق وهو يقول :

- طبعا لا..ولكن ..لاأدري إن كنت ستستغرب إن أخبرتك أنّنا بصدد البحث عمّن يكون قد أشعل النار في المركز ,بعد أن سمعنا أن الحريق قد تمّ بفعل فاعل .فتوزّعنا أنا وأصدقائي بدافع محبّتنا للخير ,ومعرفة الحقيقة..لنبحث عن أيّ خيط يرشدنا لمعرفة الفاعل..

قال الدكتور أسعد بغضب:

- أتعرف ..لو لم تكن مهذّباً كلّ هذا التهذيب الذي تبدو فيه ..ولو لم يكن يظهر عليك حسن النيّة ,لكنت طردتك من بيتي ..أو على الأقل كنت سألتك عن الصفة التي تخوّلك الحديث معي بها الشأن؟..هذا إن لم أقم بالتبليغ عن تدخّلك بعمل الشرطة..

هزّ طارق رأسه مرتبكاً وهو يقول:

- والله أعرف ذلك .. بالمناسبة عمّي يعمل ضابطاً بالشرطة , وقد قال لي الشيء نفسه ..لكنّ روح المغامرة التي عندنا تنسينا كلّ شيء ..أرجوك أن تقدرّ ذلك. ومجيئي هنا ليس لأوجّه لك أي اتهام ,بقدر ماهو رجاء ,في أن تساعدنا للتوصّل إلى الحقيقة ,التي بالتأكيد تهمّك مثلما تهمّ الشرطة .أو تهمّ الدكتور لطفي نفسه.

قال الدكتور أسعد ,بعد أن خفّف من حدّة كلامه:

- هذا مؤكّد ..ولكن إن استدعتني الشرطة, فسأقول كلّ شيء أعرفه, من شأنه أن يخدم معرفة الجاني ..أو التوصّل للحقيقة ..

سأل طارق:

- وهل تعرف شيئاً حول هذا الموضوع ؟.

ردّ الدكتور أسعد:

- أرجوك هذا ليس من شأنك؟.

تلعثم طارق ,ثم تشجّع ليقول:

- عفواً ..ولكن مسألة تركك العمل تثير الشبهات حولك,هذه حقيقة أرجو أن لاتغضب منها .

أجاب الدكتور أسعد:

- ولمَ أغضب؟ ..إن سألتني الشرطة عن سبب تركي للعمل, فسأجيبهم أنني لاأستطيع العمل معه. إنّه رجل غريب الأطوار..حادّ المزاج ..مرّة تراه يضحك ويجامل ,وأخرى تراه إنساناً قاسياً لايرحم.

لا تستغرب إذا قلت لك إن سبب تركي العمل سبب تافه.. فقد اتهمني بعدم احترامي له, لأنني صدفة ومن غير أن أدري, دخلت مكتبه دون أن أستأذن منه.. وكان جالساً معه أحد الذين يتعامل معهم باستمرار..ويبدو أنهما كانا يتناقشان في موضوع مهم ,لم يُرد الدكتور لطفي أن أسمعه نهائياً..

فأقام الدنيا وأقعدها.. حتى إنّه أهانني. كم تمنّيت حينها أن تنشقّ الأرض وتبلعني..أو أن أتناول شيئاً لأضربه به, وأردّ له الصاع صاعين..

استغرب طارق ممّا سمعه,فسأل:

- عن أيّ شيء كانا يتحدثان:

أجاب الدكتور أسعد:

- لاأدري ..ليس هذا الشخص فقط ..بل إن هتاك أشخاصاً كثيرين غيره, كانت أشكالهم تثير الريبة والشكوك.كنت أتعمّد أن أحاول أن أسمع بعض العبارات التي كانوا يتناقشون بها ..بعد أن بدأت أشكّ بالدكتور وأفعاله. كانوا يتناقشون حول استيراد أجهزة ومعدّات طبية حديثة بمبالغ هائلة ..وعن قروض مصرفية بالملايين ..أو أدوية ومواد مخدّرة بصلاحيات منتهية ..والكثير من هذه الأمور التي جعلتني أتحيّن الفرصة, وأختلق الأعذار لأترك العمل معه ..بعد أن أحسست أن المركز الطبي صار ستاراً يحتمي به الدكتور لطفي , وخيمة يعقد بها صفقات مشبوهة.

سأل طارق:

- إذن تشكّ بنزاهته؟ ..

هزّ الدكتور أسعد رأسه قائلاً:

- طبعاً ..ولكن للأسف مع عدم وجود أيّ دليل.

ثم ابتسم ليقول:

- ولاأكتمك سرّاً لو أخبرتك عن مدى السعادة التي غمرتني عندما نقلت لي خبر الحريق ,ليس من باب الشماتة ..بل لأنني أحسست أنها جاءت لتضع حداً لجشعه ,ولتكون رادعا ًله ولأمثاله .

وبهذا الشيء يكون الدكتور أسعد قد أدلى بدلوه من غير قصد منه, أما طارق فقد حصل على مايريده تماماً.

خرج طارق من منزل الدكتور أسعد, وهو محمّل بشكوك كثيرة, بعضها يدين الدكتور أسعد بهذه الفعلة , وبعضها يبرّؤه.

* * *

توزيع المهامّ

قبل أن يصل طارق إلى منزل مصعب حيث يجتمع الجميع . كان زياد يُري الأصدقاء صالح وعبدالعزيز وزينب ومحبّة ومصعب,الصور التي التقطها, لآثار الأقدام المطبوعة في حديقة المركز الطبي, وأعطى نسخة لكلّ واحد منهم. قال مصعب ..وهو يتفحّص الصورة المكبّرة :

- ياه!!..رائع.. تبدو واضحةجدا!!.

أجاب عبدالعزيزالذي أمسك بنسخة من الصور:

- وخصوصاً نقشة الكعب ..إنها مميّزة ,ومن السهل التعرّف عليها ..

قالت زينب:

- وهذا الرقم 43 يدل على قياس الحذاء .إنه من الحجم الكبير.

أجابها زياد:

- هذا صحيح..

أما مصعب فقد كان يفكّر في شيء ما ,وهو يحتضن نسخة من الصورة المكبّرة التي أعطاها له زياد.وعندما انتبه عبدالعزيز لشرود ذهن صديقه سأله:

- مابالك يامصعب؟؟أراك شارد الذهن؟؟بم تفكر؟؟.

أجابه مصعب:

- أفكّر في شيء لفت انتباهي..ولاأدري إن كان سيفيدنا في شيء أم لا..ولكنّه شيء يثير الاستغراب..

تحلّق الأصدقاء حول مصعب لمعرفة مايجول في خاطره ..فأردف مصعب قائلاً:

- سيارة الدكتور لطفي التي شاهدناها اليوم .كان يقودها سائق وليس الدكتور نفسه ..وهذا يعني أنّ الدكتور قد عيّن له سائقاً خاصاً..أليس كذلك؟

أجاب صالح:

- وماذا في هذا ؟؟

استرسل مصعب:

- في حين أننا عندما كنّا موجودين ساعة اندلاع الحريق ,كان الدكتور لطفي يقود السيارة بنفسه حينما عائداً لتوّه من المطار ..

نظر الأصدقاء في وجوه بعضهم البعض ..بينما راح مصعب يكمل بقية تحليله :

- فكيف جاءت إليه السيارة إلى المطار؟؟هل يعقل أن يكون قد تركها في ساحة وقوف السيارات طوال فترة سفره؟؟أم يكون السائق قد أحضرها إليه قبل موعد وصوله ثم انصرف ؟؟أم ..ماذا؟؟.

أشار عبدالعزيز بسبابته نحو مصعب قائلاً:

- أنت عبقري يامصعب ,المسألة تستحقّ التفكير حقاً..

هزّ مصعب رأسه قائلاً:

- الخالة فوزية ربما تفيدنا في معرفة حلّ هذا اللغز.

ثم عاود النظر إلى الصورة التي يحتضنها ..وقال موزّعاً كلامه للجميع:

- الآن..وبعد أن احتفظ كلّ منّا بصورة مكبّرة لقدم المشتبه به, سيقوم زياد بالبحث عن البستاني..وتصحبه في هذه المهمة محبّة..

فركت محبة راحتي كفيها ببعضهما فرحة وهي تقول:

- وأخيراً جاء دوري..

ثم انبرى مصعب يوزّع المهامّ على أصحابه أعضاء الفريق,قائلاً بجدّية:

- أما أنا.. فسأقوم بزيارة لبيت الدكتور لطفي بحجّة زيارة الخالة فوزية , قد أحصل منها على معلومات مفيدة,أما صالح فستكون مهمّته متابعة الأستاذ عادل المحاسب, وتحيّن الفرصة لمحادثته , وعبدالعزيز سيكون متواجداً في المركز الطبي .وستبقى زينب هنا لتنسّق فيما بيننا عبر اتصالاتنا. ولتعرف ماتوصّل إليه طارق..

هزّت زينب رأسها مبتسمة وهي تقول:

- تقصد سأكون مشرفة على إدارة غرفة العمليات..

ضحك الجميع ..وانصرف كلّ إلى المهمة التي كلّف بها.

يتبع إن شاء الله...