شاميات 783

هل نتعامل مع إيران كدولة مسلمة أم كدولة أجنبية؟

تُصنف إيران: دولةً مسلمة بالنظر إلى أن سكانها مسلمون. ودولة شيعية بالنظر إلى أن غالبية السكان على مذهب الشيعة الإمامية. دولة فارسية بالنظر إلى أن غالبية السكان من القومية الفارسية. التصنيفات السابقة ذات طبيعة موضوعية وحيادية، وهي لا علاقة لها بالموقف من معتقد الشيعة؛ بعمومهم أو آحادهم، ولا بالصراعات القومية داخل الشعوب الإيرانية.. لكن هذه التصنيفات جميعها ليست هي المعول عليه الأساس في بناء العلاقة بين الدول المسلمة وإيران، ذلك إن لإيران مشروعاً في المنطقة يوازي أو يفوق المشروع الصهيوني خطورة، وهذا هو الأساس في التعامل مع "الجمهورية الإسلامية الإيرانية". 

إن تقوقع إيران في المذهب الشيعي الإمامي؛ دستوراً وممارسة يجعل منها دولة مسلمة في العنوان الإسمي العريض (انتسابها إلى منظمة العالم الإسلامي، دعوتها إلى اجتماعات الدولة المسلمة..) لكنها في الواقع الأدق هي دولة شيعية، والشيعية هنا صفة مختصة ومقدمة على الصفة الإسلامية العامة، لا صفة مختصة مؤخرة عن الصفة الإسلامية العامة كما باقي الدول الإسلامية التي تعتمد مذهبا بعينه في الدولة أو المجتمع (المذهب المالكي في دول المغرب العربي مثلا، المذهب الإباضي في عمان- المذهب الإمامي في أذربيجان..)، وهو بكل الأحوال لا يجعل إيران بمرتبة أدنى من الدول ذات الغالبية المسيحية أو البوذية أو أية ديانة أخرى... لولا وجود المشروع الذي يحمله نظام الملالي. 

إن المشروع الإيراني؛ بما هو مشروع قومي-مذهبي (تعتز الدولة الإيرانية الخمينية بموروثها الفارسي بما يفوق -في مجالات كثيرة- اعتزازها بالموروث الإسلامي)، ينقل إيران من دولة تقوم العلاقة معها على العدل وحسن الجوار، إلى دولة تقوم العلاقة معها على أساس المدافعة ورد العدوان، وهذا يعني أن إيران، ولو أنها أقرب إلى الدول المسلمة من الدول الغربية، في الجغرافيا والتاريخ، إلا أنها بوجود مشروع معاد لمعتقدات وقومية وتوجهات باقي الدول المسلمة، تصبح في مرتبة أدنى في العلاقة من الدول الغربية الأخرى، ما لم تكن تلك الدول منخرطة في مشروع معاد آخر. 

لقد دلت التجارب؛ القديمة والحديثة إلى توسل إيران شعارات؛ الوحدة الإسلامية، ونصرة المستضعفين، والدفاع عن القضية الفلسطينية وغيرها؛ من أجل اختراق العالم الإسلامي وتمكين مشروعها فيه، فيما هي لا تترجم شعاراتها المرفوعة إلا بأفعال معاكسة.  

إن الحقيقة التي تبدو أكثر وضوحا اليوم -لا سيما بعد الثورة السورية- لم تكن كذلك في الماضي، -إلا لدى القلة ممن اكتشفوا المشروع الإيراني مبكرا- وإلا فإن الجماهير الإسلامية المختلفة، والنخب الفكرية المتنوعة، سبق لها أن خُدعت بإيران حتى ذهبت الوفود للتهنئة ولمبايعة الإمام الخميني المؤسس، وقد كتب مراجع كبار في عالمنا الإسلامي عن "قيام ثورتين إسلاميتين، أقامت كل منها دولة للإسلام، تتبناه منهجا ورسالة، في شئون الحياة كلها: عقائد وعبادات، وأخلاقا وآدابا، وتشريعا ومعاملات، وفكرا وثقافة، في حياة الفرد، وحياة الأسرة، وحياة المجتمع، وعلاقات الأمة بالأمم".. والكلام للعلامة يوسف القرضاوي قاصدا إيران والسودان في كتابه "أمتنا بين قرنين"، ووجه الاستدلال هنا أن القرضاوي نفسه وبعد بذله قصارى الجهد من اجل التقارب مع إيران أعلن أن "مشايخ السعودية كانوا أنضج مني لأنهم عرفوا حقيقة إيران وحزب الله، وأنا نادم على جهود التقارب السابق مع إيران بعدما تبين أنه وهم". (2013) 

خلاصة القول إن إيران دولة إقليمية كبرى، ذات موروث حضاري كبير، وتنوع ثقافي هائل، ويمكن أن تكون العلاقات معها – نظريا- على أحسن ما يرام بين الدول والشعوب. لا يمنع من ذلك أن يدين غالبية سكانها بمذهب بعينه، أو تسيطر فيها قومية بعينها، لكن واقع إيران – عمليا- غير ذلك بالكلية، فالنظام القائم يحمل معتقدا واجب التصدير بالقوة الناعمة أو الخشنة، ويتبنى سياسة شديدة العداء لشعوب وحكومات المنطقة، مع خطورة لافتة؛ تكمن في إمكانية تخفيه وعدائه للمشروعات التي تعاني منها المنطقة، ما يوجب التنبه والتعاطي مع كل ما يأتي من إيران بعين الريبة، وتأسيس العلاقات الدولية والشعبية معها على أساس كف الأذى وعدم الاعتداء، لحين تخلص الشعب الإيراني من هذا المشروع الذي تعاني منه قطاعات إيرانية واسعة أيضا.


كسر قرار عشرات آلاف الشبان الدروز الرافضين الالتحاق بالجيش؛ هو ما يحتاجه النظام السوري من أبناء السويداء؛ التي التزمت "الحياد الإيجابي" منذ بدء الثورة واستضافت المهجرين من بطش النظام. في اجتماع الضباط الروس بـ "مشايخ الكرامة" الأسبوع الماضي؛ كان هذا الطلب واضحاً، تحت طائلة إعلان "تنظيم الكرامة" إرهابياً (قتل النظام السوري مؤسسه الشيخ وحيد البلعوس عام 2015). رفض الدروز التجنيد لقتل إخوتهم السوريين؛ فظهر الدواعش؛ الذين نقلهم النظام السوري من مخيم اليرموك إلى محافظة السويداء  في أيار الماضي (أثار هذا النقل ريبة أهل السويداء حينها)، وبطريقة "ما" قطعت مجاميع غير قليلة منهم أكثر من 10 كلم، بما في ذلك حواجز النظام، وارتكبت مجزرتها المروعة بأهل السويداء. لا عهد لنظام الاسد، واستغلاله الدواعش ضد الدروز سبب إضافي لرفض أهل السويداء سيطرة النظام العسكرية على مناطقهم.


"المبادرة" الروسية لإعادة النازحين إلى سوريا من دون حل سياسي؛ لا تعني سوى الطلب من اللاجئين؛ إعلان استسلامهم للنظام "طوعا"، و"التوبة" عن معارضته سابقا، وإعلان تأييده حاضرا ومستقبلا. 

ومع أن روسيا نفسها مسؤولة عن تهجير قسم كبير من السوريين، ومع أنها لا تقدم - على سبيل المثال لا الحصر- أي ضمانة لئلا يتحول العائد إلى مجند في الجيش الذي يقتل إخوته ولأجل غير مسمى؛ فإن من اللبنانيين من يريد أن ينتصر بشار على شعبه اصلا ولذا يجب إعادة الفارين منه إليه طوعا أو كرها، ومنهم من تعب من عبء السوريين وتاليا لا يريد التفكير في المصير الذي ينتظرهم حال العودة، ومن اللبنانيين من يقرأ مزامير الأخوة والإنسانية على من يسمع ومن لا يسمع ... وللتاريخ.


"ال الاسد، بحماية روسيا، الى الابد" هو شعار بشار الجديد على ما يفهم من مقابلته الأخيرة (26/7/2018): "وجود القوات الروسية (في سوريا) مهم بالنسبة للمعادلة في منطقتنا، حتى يتغير التوازن السياسي في العالم، وهذا قد لا يحدث على الإطلاق، ونحن نعلم ذلك". 

في المقابلة يستعجل بشار معركة إدلب؛ لكن وضع نفسه بحماية الروس؛ يعني أن قرار هذه المعركة -كما كل القرارات الحساسة- بيد الروس وليس بيده.  

وسوم: العدد 783