اليمن بعد فشل مفاوضات جنيف3

د. هود محمد قباص أبوراس

تمر اليمن اليوم بحرب طاحنة من قبل 4 سنوات أكلت الأرض واليابس، قتل فيها آلاف اليمنيين وجرحى فيها عشرات الآلاف، ومزقت النسيج الاجتماعي، وهدمت فيها أغلب المؤسسات الحكومية والأهلية، وأوشكت على الانهيار التام في منظومتها الاقتصادية والأمنية، وتم فيها تأجيج الصراعات الطائفية والمناطقية والعنصرية وافتعال صراعات جديدة داخل اليمن فرضتها القوى المتحكمة بالمشهد اليمني ما بين سنة وشيعة زيود وشوافع شمال وجنوب مجلس انتقالي وقوات نخبة مدعومة إماراتيا، وحكومة شرعية وجماعات سلفية سعودية وأخرى إماراتية، وإصلاح إسلامي وإصلاح مدني ومؤتمر الداخل ومؤتمر الخارج وهاشمية وأقيال وناصري واشتراكي مع الحوثي وآخر مع الشرعية بالإضافة إلى تمزيق صفوف المقاومة الشرعية ما بين سلفية وعلمانية، وأخرى حوثية إيرانية بجيشها الوطني ولجانها الشعبية وحتى لا يبقى طرف يركن عليه القيام بإعادة بناء الدولة واستعادتها إلا أولئك الذين صنعتهم القوى المهيمنة وأحاطهم بعنايتها ورعايتها.. بالإضافة إلى أزمات طاحنة ضربت الريال اليمني، وارتفاع في الأسعار وانقطاع للكهرباء والماء وأبسط مقومات الحياة، وقطع رواتب الموظفين لأكثر من عامين وإغلاق المطارات والمنافذ البحرية والبرية والجوية، وتضيق الخناق عليهم في الداخل الخليجي.

مصلحة الأمم المتحدة في تأجيج الصراع:

وبعد فشل كل المفاوضات اليمنية خلال السنوات الماضية في الكويت، وجنيف الأولى والثانية والثالثة، وتغيير مندوب الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن للمرة الأولى والثانية والثالثة… لوحظ الدور المشبوه الذي تلعبه الأمم المتحدة في إطالة أمد الحرب بهدف تمرير مشاريعها المشبوهة في المنطقة عموماً وفي اليمن خصوصاً؛ نظراً لأهميتها ولما تتمتع به من موقع جغرافي واستراتيجي هام فهو يسيطر على أهم المضايق والموانئ البحرية العالمية وفيه ثروات نفطية ومعدنية هائلة، بالإضافة إلى التماسك الاجتماعي والقبلي الذي يصعب على المستعمر فكفكته أو فرض أيدولوجياته وأنظمته، بالإضافة إلى أن اليمن تعتبر الحديقة الخلفية المحيطة بالحرمين الشريفين، وقريبة من بحيرات النفط الخليجية…

ومن خلال ملاحظتنا للوضع اليمني في الأشهر الأخيرة وخاصة أثناء وبعد جنيف الثالثة 2018م فإن الوضع يزداد تعقيداً، وذلك يؤكد أنه كلما طال أمد الحرب كلما تم افتعال صراعات جديدة وفرض سياسات وأيدولوجيات قوى خارجية لتقويض السلم الاجتماعي والتحكم بموقعه الاستراتيجي.. واليمن ليست إلا جزءً لا يتجزأ من مؤامراتهم في تمزيق الشرق الأوسط الإسلامي وإثارة الفوضى الخلاقة فيه سعياً منهم في تأمين قيام دولة إسرائيل الكبرى وحماية أمنها، وتأمين عروش العملاء، وإيجاد موطئ قدم لاستكمال السيطرة على أهم المنافذ البحرية، والسيطرة على الثروات واخماد الحركات الإسلامية الإصلاحية، وكل ذلك قد جاء في برنامج كولن باول وكوندليزا ريس ومؤسسة راند والمعاهد والمنظمات الحقوقية أو المنظمات المتخصصة بنشر الديمقراطية والتثقيف والتحديث المؤسساتي 2004.

التحالف السعودي الإماراتي يغذي الصراع:

أما بالنسبة للتحالف السعودي الإماراتي فإن السنوات الماضية قد كشفت الستار عن أهدافهم ومقاصدهم الخفية من التدخل في اليمن، وأن ذلك لم يكن في أي حال من الأحوال في الصالح اليمني لإيقاف التمدد الشيعي داخل المنطقة كما يزعمون أو للحفاظ على الدولة الجارة اليمن أو لقطع يد إيران التي تتمدد في المياه الخليجية، ولكن حقيقته ظهرت للعيان بانهم لا يريدون قيام دولة مستقلة أو قوية بجوارهم كاليمن بالإضافة إلى إنشاء كيانات وجماعات ضاغطة تعمل خارج إطار الدولة، وإيقاف حركة الموانئ اليمنية والسيطرة عليها وضرب الحركات الإسلامية السياسية، ودورهم كان واضحاً في تمكين الحوثي من دخول صنعاء فحينما سقطت محافظة عمران بجميع معسكراتها التي تعد البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء كان الرئيس هادي في نفس اليوم مع الملك عبدالله في السعودية، وجاء يبارك للشعب اليمني عودة عمران إلى أحضان الدولة بينما كان وزير الدفاع محمد ناصر أحمد في الإمارات وأعلن أن الجيش يقف موقف الحياد، وأثبتت التجارب المتكررة أنهم عبارة عن أدوات ووكلاء بيد الغرب ينفذون مخططاتهم سعياً منهم في تأمين عروشهم.

مرجعيات المفاوضات تؤجج الصراع:

إذا كانت هنالك مرجعيات حقيقية لحل الازمة اليمنية، ومن أبرزها الدستور اليمني الذي اتفقت عليه جميع الأطراف اليمنية فإننا نؤكد هنا أن مرجعيات الحوار التي يتحدثون عنها من بعد 2012 مرجعيات مختلف عليها ولا يمكن تنفيذها على أرض الواقع بالإضافة إلى أن هنالك شرائح واسعة من أبناء الشعب ترفضها سواء كانت موالية للشرعية أو مع الانقلاب، وتلك المرجعيات هي أحد أهم مصادر تغذية الصراع وإطالة أمده وتقويض أي مصالحة أو أي حوار أو أي مفاوضة تعتمدها مرجعية لها:

الأولى: المبادرة الخليجية الصادرة عن مجلس التعاون 2011 وآليتها التنفيذية التي تمدد للرئيس هادي في الكرسي مخالفة لنص المبادرة ولدستور اليمن، وقد رفضها المؤتمر والحوثي وكثير من ثوار 2011 مع أن علي عبدالله صالح أذعن لها في تلك الفترة لأسباب خاصة تتعلق بالحصانة وأخرى صحية لا علاقة له بقبولها أو بالتسليم للثورة.

الثانية: مخرجات الحوار كذلك رفضها المؤتمر والحوثي وشريحة واسعة من الشعب كونه لم يتم اختيار ممثليه من الشعب بالإضافة إلى أنها مخرجات مزقت النسيج الاجتماعي في البلد وقسمته إلى ستة أقاليم وتحتكر الثروة في أقاليم دون غيرها، وأن أغلب ما ورد فيها مخالف لدستور اليمن والتفاف عليه، وتجميد لمؤسسات الدولة الدستورية، بالإضافة أنها تتعارض مع ثوابت اليمن الدينية والوطنية.

الثالثة: قرار مجلس الأمن 2216 وهو سبب رئيس في تأجيج الصراع في اليمن كونه أدخل اليمن تحت البند السابع بمبررات واهية، وأراد فرض وصايته عليها بالقوة بالإضافة إلى أنه ثبت أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر إلى اليمن كان شريكاً رسمياً في تسليم صنعاء للحوثي وقد تم ذلك أثناء تواجده في صعدة مع زعيم الحوثيين ثم حضر إلى صنعاء في يوم سقوطها ومعه وثيقة السلم والشراكة وضغط على جميع الأطراف بتوقيعها لضمان بقاء الحوثي، بالإضافة إلى أن قرارات مجلس الأمن منحازة مع العصابات أكثر من وقوفها مع الدولة، ويظهر ذلك من خلال أغلب قرارته وآخرها توقيع اتفاقية بينه وبين الحوثي لعلاج الجرحى، ومطالبته لجميع الأطراف بتسليم السلاح ومساواته بين الجلاد والضحية كما هو الحال في كثير من دول العالم.

القوى المتقاتلة في الميدان:

إذا عدنا إلى حقيقة ما يدور في الميدان فإنه في عام 2016 كان هنالك طرفين، الأول الشرعية متمثلة بالرئيس والحكومة والأحزاب الرافضة للانقلاب بالإضافة إلى التحالف العربي الداعم للشرعية، والطرف الآخر الانقلاب المتمثل بالمجلس السياسي الذي يضم المؤتمر والحوثة، وأما الواقع الآن نهاية 2018 فقد تغير إلى حد كبير فهنالك أطراف قوية تزداد كل يوم قوة وضراوة فالأولى الشرعية وتسيطر على أكثر من 70 بالمئة من الأرض، وجميع قياداتها بدءً برئيس الدولة ونائبة والحكومة وقيادات الأحزاب في الرياض، وفي نفس الوقت منقسمة على نفسها في الشمال والجنوب وفي الجبهات.

ومن أبرزها المجلس الانتقالي بحزامه الأمني والنخبة وبعض الجماعات السلفية المرتبطة مباشرة بالإمارات، أو الجبهة الغربية في الساحل الحديدة بقيادة طارق صالح ابن أخ الرئيس السابق- وهو إلى حد كبير مع الشرعية لكنه ضد بعض دول التحالف- وبعض الجماعات السلفية التي تقود لواء العماليق في عدن الحديدة، أو كتائب أبي العباس السلفية في تعز التي حصلت بينها وبين المقاومة في تعز عدة مواجهات مسلحة خلال الأشهر الأخيرة، أو المقاومة في مأرب والجوف ونهم وصعدة وميدي وتضم أعدادا كبيرة من المقاتلين والقبائل ولكنها مقيدة بالأوامر السعودية وقيادات الشرعية، ولا تستطيع أن تتقدم في أي جبهة من الجبهات إلا برضى التحالف وإذا خالفت ذلك أو اجتهدت ضربها التحالف  كما حصل في عدد من الجبهات ويبرر ذلك بأنها ضربات خاطئة .. بينما الطرف الآخر الحوثي له قيادة واحدة ومقاومة واحدة في المحافظات الأكثر كثافة سكانية بحيث لا تقل عن 70 بالمائة من سكان اليمن.

بالإضافة إلى وجود نسبة كبيرة من الفساد المالي والإداري والدبلوماسي والمحسوبيات في صفوف الشرعية بجميع مكوناتها، وما يصحبها من اختلالات أمنية فاضحة في الأماكن المحررة وخاصة العاصمة المؤقتة عدن، أو العبث بالثروات، لعلها تكون قريبة أو أكثر من فساد الحوثي في المناطق الخاضعة تحت سيطرته..

توازن القوى في الميدان ضمان لإجراء المصالحة:

هنالك نقاط مهمة يمكن الاستفادة منها في إجراء أي مصالحة بين الأطراف في الميدان، وهنالك توازن كبير بين القوى فكما أن الشرعية تتحكم بالقوات المسلحة والأمن العام والأمن السياسي والمقاومة الشرعية والألوية الجديدة في المناطق المحررة السابقة واللاحقة، فإن المجلس السياسي الحوثي المؤتمري يتحكم أيضاً بأغلب الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي والأمن القومي، وكما أن هنالك قبائل مقاتلة مع الشرعية فإن هنالك قبائل أخرى مقاتلة مع الحوثي، وكما أن هنالك شوفع وزيود يقاتلون مع الشرعية فإن هنالك زيود وشوافع يقاتلون مع الحوثي، وإذا كان هنالك أموال وثروات بيد الشرعية فإن هنالك أموال وثروات بيد الحوثي، وإذا كان هنالك دول ومنظمات تقف مع الشرعية فإن هنالك دول ومنظمات تقف مع الحوثي ومن خلف كل طرف أجندات داعمة ومساعدة وهكذا، بالإضافة إلى عامل هام وهو أن قيادات الشرعية تدير المدن الواقعة تحت سيطرتها من الرياض وأبو ظبي فإن الحوثي يدير المدن الواقعة تحت سيطرته بنفسه من داخلها وكأنها سلطة الأمر الواقع وبخبرات إيرانية ولبنانية..

الحل:

إن على القوى اليمنية أن تعي الواقع الذي تعيشه الدولي أو المحلي فإن الدولي لن يعترف إلا بالقوي، والإقليم لن يقبل إلا من يعمل لصالحه، ولذلك كان من الواجب التأكيد أن الحل اليمني لن يكون إلا يمنيا وطنياً خالصا أما الخنوع والاستسلام للتدخل الإقليمي والدولي فإنه لن يزيد الوضع إلا تعقيداً والسنوات الماضية خير شاهد على تغذية الصراع وما فعلته الأمم المتحدة وأدواتها خلال سبعين سنة في فلسطين وغيرها غير الشجب والتنديد أو في سورية خلال العقود الأخيرة أو أمام الأنظمة المستبدة وهكذا سيكون الحال في اليمن لأننا نعيش في زمن المتناقضات والكيل بمكيالين والقوي على الميدان سيكون هو صاحب القرار، ولكل ما سبق كان لابد من الدعوة إلى مصالحة وطنية شاملة بين أبناء الوطن الواحد لا تستثني أحدا من القوى الفاعلة في الميدان من شرعية بجميع مكوناتها المختلفة والمتنافرة، والمجلس السياسي الذي يضم الحوثة ومؤتمر الداخل.

آليات المصالحة:

إن الشعور بالمسؤولية الوطنية أمام شعبنا ووطننا تحتم علينا التنازل لبعضنا البعض لما فيه المصلحة العامة لإيقاف نزيف الدماء وإعادة اللحمة وتغليب المصلحة الوطنية تبدأ باتخاذ قرار جريء من الشرعية بوقف ضربات التحالف السعودي الإماراتي داخل الأراضي اليمنية والدعوة إلى مصالحة شاملة، أو قيام الجماهير بمظاهرات واحتجاجات واسعة في الداخل والخارج لرفض التدخل السعودي الإماراتي في اليمن.. ثم عودة رئيس الجمهورية والحكومة إلى ممارسة مهامهم من اليمن ولعل مأرب ستكون هي الأنسب.. والدعوة إلى تشكيل حكومة توافقية بين جميع مكونات الصراع.. وتشكيل مجلس رئاسي يضم الشرعية والقوى الفاعلة في الميدان…وإزالة كل مظاهر التوتر وتغذية الصراع وعلى رأسها الماكينة الإعلامية التي تدعو إلى الإقصاء والتهميش وإلغاء أي طرف من الأطراف.. ومحاولة إبعاد أطراف الصراع عن التبعية الإيرانية الخليجية التي تخدم مصالحها الضيقة الخاصة على حساب الوطن والمواطن..

المهنية الإعلامية:

إننا بحاجة ماسة إلى توظيف الماكينة الإعلامية في صالح وطننا الجريح، أما أن تصبح القنوات الرسمية وغير الرسمية التابعة للطرفين تعمل لصالح دول إقليمية لتأجيج الصراع الطائفي والمناطقي والعنصري داخل البيت اليمني الواحد، وتبرر الجرائم المرتكبة في حق المدنيين العزل واختلاق الأعذار وكيل التهم للغير فذلك يعمل مع السعودية لنشر ثقافة الطائفية سني شيعي، وذاك يعمل مع الإمارات لإثارة التفرقة العنصرية ونشر الأحقاد والتعبئة ضد الجماعات والحركات الاسلامية، وذاك يعمل مع قطر انتقاماً من دول الجوار، وآخر يعمل مع إيران وحزب الله لزعزعة أمن واستقرار الجزيرة العربية ونشر الطائفية ورفع دعوى المظلومية، وآخر يعمل لصالح المشاريع الصهيوامريكية بنشر الثقافة العلمانية للقوى العظمى والفكر الإلحادي وهدم منظومة  القيم والاخلاق داخل الشعوب سعياً منهم في الحصول على رضاهم وتقديم انفسهم بأنهم البديل الأمثل لتنفيذ أيدولوجياتهم، كل ذلك نذير شؤم في استمرار الصراع والقتال وفي تمزيق الممزق وتجزئة المجزئ، و لن يوفر أي بيئة مناسبة لنزع فتيل الحرب، أو للتقارب بين الأطراف(*).

وسوم: العدد 791