لماذا إدلب مُهمَّة ؟

في مقالة بهذا العنوان، نشرها السفير التركي لدى واشنطن " سردار قليج "، الاثنين: 22/ 10، في موقع "ديفنسون" الإخباري المقرَّب من الجيش الأمريكي، أكّد فيها على ضرورة دعم المجتمع الدولي للاتفاق الموقع بين تركيا و روسيا بخصوص إدلب، في: 17/ 9.

هذا الاتفاق الذي استمرت المباحثات حوله لـ " 11 " ساعة، أنقذ حياة عشرات الآلاف من السوريين، و إذا ما طبق بشكل كامل، فيمكنه أن ينقذ حياة عشرات الأوروبيين والأمريكيين، فضلًا على أرواح الآلاف من المدنيين السوريين.

و في حال وقوع الهجوم الذي كانت تُعدّ له الحكومة السورية مع حلفائها، فإن الأمر كان سيؤدي إلى تدفق ما يقرب من مليون لاجئ على تركيا ومن ثم أوروبا، و سيؤدي إلى مخاطر أمنية حقيقية، و يدفع تركيا إلى الحدود القصوى في قدرتها على التحمل، حيث يقيم فيها الآن ما يقرب من " 3.5 " مليون لاجئ سوري، من بينهم "400" ألف كردي، و هي قد أنفقت عليهم حتى اليوم " 33 " مليار دولار.

و على المجتمع الدولي أن يقدم دعمًا حاسمًا لاتفاق إدلب، و إلّا فإن أزمة اللاجئين ستطل برأسها من جديد، و يمكن للإرهابيين أن يتسللوا بين اللاجئين، و ينفذوا هجمات وحشية تستهدف المدنيين الأبرياء، كتلك التي شهدت العديد من المدن مثل: بروكسل، وباريس، و كذلك إسطنبول.

فأنقرة التي استطاعت من قبل شن عمليتي: درع الفرات ( آب 2016 )، و غصن الزيتون ( آذار 2017 )، و تمكنت من تطهير مساحة تقدر بـ " 3800 كم2 " من الجماعات الإرهابية، كداعش، و PKK، و PYD، و مكنت 260 ألف سوري من العودة إلى ديارهم، استطاعت أن تنجز هذا الاتفاق، الذي لا يقلّ أهمية عنهما.

يرى المراقبون أنّه بإزاء هذه الأهمية التي تعوِّل عليها تركيا بخصوص هذا الاتفاق، ينبغي عليها أن تشرع بجملة من الخطوات، تُشعِر بها أبناء إدلب بأنّ هذا الاتفاق، مثلما هو معنيّ بالشقّ العسكري و الأمني، معنيّ بالجانب المدني أيضًا، حيث باتت مفرداته ضاغطة على تلك الملايين الأربعة، و بخلاف ذلك فإنّ الأمور مقبلة على موجة من التذمّر و التبرّم، و قد أخذت نُذُرُها تطلّ برأسها، في عدد من المناطق، التي بدأت تشهد مظاهرات لجماعات لا ترى في هذا الاتفاق خيرًا.

مستغلةً حالة ضيق ذات اليد التي بات يشعر بوطأتها الناس بشكل متصاعد، مع انسحاب عدد كبير من المنظمات الداعمة، و توقّف عدد من برامج المساعدات، التي كانت تقدم لهم، و في مقدمتها برنامجي المساعدات الأمريكية و البريطانية؛ بدعوى قيام هيئة تحرير الشام، بفرض أتاوات و ضرائب على المساعدات المقدمة إلى الأهالي، من خلال فرض سيطرتها على معبر باب الهوى، لصالح عناصرها و تمكين نفوذها.

في مقابل حالة الغلاء و ارتفاع الأسعار على السلع الأساسية، كمادة الطحين، حيث وصل سعر الطنّ منه إلى " 300 دولار "، مقارنة بـ " 250 دولار "، و برميل المازوت إلى ما يقرب من " 46 ألف ليرة " في مقابل " 43 ألف "، و غير ذلك من بقية المواد، و الأمور في تصاعد، مع قدوم فصل الشتاء، و استمرار حالة انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار، حيث تخطى عتبة " 47 ألف ليرة "، مقابل " 43 ألف " من قبل توقيع سوتشي، و هو أمرٌ على الضامن التركي أن يضعه في حسبانه، فقد تتجه الجهود لعرقلة هذا الاتفاق، من خلال إرباك المشهد الاقتصادي في إدلب، بما يؤدّي إلى خلق حالة من التشويش علي خططها في المضي قدمًا في تنفيذ بنوده الأخرى.

فيمكنها بعد افتتاح معبر " الحَمَّام: جنديرس " خلال الفترة الماضية، و معبر " مورك: مع النظام " خلال اليومين الماضيين، أن تسهم في التخفيف عن كاهل أبناء المنطقة، بإلغاء الضرائب و الرسوم ـ و لو مؤقتًا ـ بما يسمح بتدفّق البضائع إلى المنطقة، و بتصدير فائض الانتاج منها نحو النظام، في محاولة لتحريك العجلة الاقتصاد المتعثِّرة منذ ما يقرب من سنتين، و التي ازدادت حدة منذ ثلاثة أشهر تقريبًا، متزامنة مع هذا الاتفاق، فضلًا على حالات التردّي الأخرى في ميادين أخرى، كالتعليم الأساسي و العالي، و الخدمات الصحية، و الضبط الأمني، و مصادر الطاقة و الكهرباء، و ....

مثلما هي منطقتا درع الفرات، و غصن الزيتون، عمق استراتيجي، و حزام أمنيّ لتركيا، فإنّ إدلب كذلك، و مثلما أتاحت لهما من الخدمات إلى حدّ افتتاح فروع لجامعاتها الحكومية في الباب و جرابلس، و إمدادهما بالكهرباء، و ترميم مدارسهما و مساجدهما، و التكفّل بالمرتبات للكوادر العاملة فيهما؛ فإنّ إدلب لتنتظر مثل هذه الخطوات، و مثلما قامت تركيا بفرض الضبط و السيطرة على الفصائل فيهما و جعلت الحالة الأمنية في حدودها المقبولة؛ فإنّه من الضروري أن تشهد إدلب مثل ذلك.

و بخلاف ذلك فإنّ اتفاق سوتشي سيكون مادة للتجاذب بينها و بين الفصائل الرافضة له، و سيمنحها ذلك فرصة للتشويش عليها، و إيجاد فجوة بينها و بين أبناء إدلب، و ستصبح المقارنة لديهم بين حالتين، لا تفضيل لإحداهما على الأخرى.

وسوم: العدد 795