ولسونارو البرازيل بعد ترامب أمريكا: السيرك الفاشي يتوسّع!

توقّعنا الكثير من المفاجآت السيئة من جاير بولسونارو منذ سمعنا قبل شهور بإمكانية حصوله على رئاسة البرازيل، لكننا لم نتوقع أن يبدأ عهده الميمون باتباع خُطى سيد البيت الأبيض دونالد ترامب معلنا أن بلاده ستنقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.

لفهم هذه الشخصية الجديدة على الساحة العالمية ولتصوّر كيف يفكّر فلنتذكر قوله إنه كان على بينوشيه (دكتاتور شيلي) قتل المزيد من الناس، وأن وضع البرازيل كان سيكون أفضل لو قامت حقبة الدكتاتورية «بقتل المزيد من الناس»، ودعوته، خلال فعالية انتخابية، لإطلاق النار على جميع أعضاء حزب العمال، ووعده أن ينظم انقلابا يوم انتخابه رئيسا، ومدحه لقيام حرب أهلية، وتأييده العلني للتعذيب (ولكنه يفضل القتل على التعذيب)، وإنكاره وجود شيء اسمه الدولة العلمانية فـ»الدولة مسيحية والأقلية يجب أن تتغير»، وعنصريته الصريحة العنيفة ضد السود والنساء (قال عن عضوة كونغرس «إنها قبيحة جدا ولا تستحق أن تُغتصب»)، وكرهه للأقليات القومية والدينية والجنسية.

وعلى حد قول منافس بولسونارو في الانتخابات الرئاسية، فرناندو حداد، «تخيلوا شخصا بطله في الحياة هو أكبر الجلادين في القارة»، في إشارة إلى علاقة الإعجاب التي يكنّها رئيس البرازيل الحالي إلى ضابط كبير متهم بممارسة التعذيب خلال حقبة الدكتاتورية البرازيلية التي بدأت عام 1964 وانتهت عام 1985.

ما حصل في البرازيل إذن هو انقلاب على عهد الديمقراطية وانتكاسة سوداء، لكنّ هذا الانقلاب جاء، هذه المرة، بأصوات المنتخبين البرازيليين، ورغم الطابع الفاشيّ الواضح لبطله، ورغم تصريحاته الكثيرة الصريحة المؤيدة للانقلابات العسكرية والتعذيب والحروب الأهلية فإن بولسونارو ليس ظاهرة برازيلية صرفة فهو جزء من حركة عالميّة تستمدّ قوّتها وعنفوانها الحالي من وجود ترامب على رأس عمله في البيت الأبيض. ومعلوم أن ستيفن بانون، مستشار ترامب السابق، هو أحد أقطاب هذه الحركة ورعاتها، وهو يتنقّل من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا لتعضيد هذه «الأممية الفاشية» الجديدة الناشئة.

لاحظ كتاب وباحثون علامات تشابه بين هذه الحركة السياسية اليمينية المتطرفة التي تكتسح عواصم العالم وصعود النازيّة خلال بدايات القرن الماضي وما أدّت إليه تلك الحركة من حروب عالمية طاحنة ومآس كبرى، لكن المفارقة الكبيرة هو أن المركز الذي تمكنت فيه هذه الحركات المتطرّفة من الحكم هو الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت العامل الأكبر في سقوط تلك الحركة في أربعينيات القرن الماضي، غير أن وجودها، في «بلدان المنشأ»، كألمانيا وإيطاليا يزداد خطورة وأثرا، فقد تمكنت من الفوز في إيطاليا وهي تحقق انتصارات مستمرة في ألمانيا، كما أنها استلمت الحكم في النمسا (منشأ الزعيم النازي أدولف هتلر)، وصارت لها قواعد راسخة في هنغاريا واحتياطيا سياسيا هائلا وداعما في روسيا فلاديمير بوتين، ويجيء فوز بولسونارو الآن لينقل الدينامية السياسية إلى أمريكا اللاتينية.

أثرت هذه الحركة المخيفة الصاعدة على الوحدات السياسية التي قامت بهدف منع تكرار الحروب بدأت تتضعضع تحت وطأة هذا التغيّر العالمي الجارف، بدءاً من الأمم المتحدة، التي تشن إدارة ترامب معارك شرسة معها، وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي، الذي تعرّض لانتكاسة كبيرة في بريطانيا ويتعرّض لهجمات على أسسه في بولندا وهنغاريا، وقد صار تهشيمه أحد أهداف الحركة السياسية الفاشية الحالية.

أمّا أن يبدأ كارهو الديمقراطية الطغاة المنتخبون هؤلاء قراراتهم السياسية بإعلان كرههم للفلسطينيين والعرب والمسلمين، وهؤلاء مبتلون أصلا بأشكال الاحتلال والطغيان والعنصرية والحروب الأهليّة، فهذا أمر لا يطاق حقّا!

وسوم: العدد 797