1 % من صواريخها أرعبت "إسرائيل" .. ماذا تملك غزة من مفاجآت جديدة؟

جولة التصعيد الأخيرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي كشفت عن تفاصيل جديدة في تطوّر قدرات ووعي المقاومة التكتيكي في إدارة المعركة على أرض الميدان، وفرض نظرية "الردع" التي طالما كان يتغنّى بها جيش الاحتلال في كل جوالات التصعيد السابقة على غزة.

24 ساعة فقط كانت كفيلة بان تُكشّر المقاومة الفلسطينية عن بعض من أنيابها المخبّأة، وتلقّن "إسرائيل" درساً جديداً في فنون القتال والمواجهات والتدرّج المدروس والمُتقن في التحكّم بزمان التصعيد ومكانه، لتتركها تتخبّط وتبحث عن إجابة لسؤال واحد: "ماذا تملك مقاومة غزة من مفاجآت جديدة؟".

استهداف المقاومة لحافلة عسكرية إسرائيلية بصاروخ موجّه من نوع "كورنيت"، الاثنين الماضي، شرقي غزة، وقصفها للبلدات الإسرائيلية بأكثر من 500 صاروخ وقذيفة، وتهديدها بتوسيع نطاق مدى نيرانها لمناطق جديدة، أجبرت الاحتلال على التعاون مع مصر للتوصل لتهدئة في غزة.

قوة ردع المقاومة في الجولة الأخيرة دفعت سكان غزة للنزول للشوارع والميادين للاحتفال والإشادة بدورها ونجاحها في التحكّم بالتصعيد، وهذا تأثير لم يقف عند غزة وحدها، بل دفع بالمئات من الإسرائيليين للنزول للشوارع للهتاف ضد حكومة بنيامين نتنياهو، واتهامها بالفشل أمام قوة غزة.

القادم أخطر

"إسرائيل" تقول بناءً على معلومات استخبارية وأمنية وصلت لها بأن المقاومة في غزة استهلكت فقط 3% من إمكانيّتها العسكرية، خلال الساعات الـ24 التي شهد فيها قطاع غزة التصعيد العسكري.

هذه المعلومات الأمنية ردّ عليها "أبو البراء"، أحد قادة غرفة العمليات العسكرية المشتركة في قطاع غزة، والتي أدارت التصعيد الأخير، ليؤكّد أن ما استخدمته المقاومة لا يتجاوز الـ1% من قدراتها العسكرية في التصعيد الأخير.

وأوضح في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين": إن "المقاومة أرسلت خلال الساعات الـ24 من التصعيد فقط 500 صاروخ وقذيفة من غزة تجاه البلدات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع، ولكن هذا الرقم يمكن مضاعفته ثلاث وأربع مرات إن اقتضت الحاجة الأمنية لذلك".

ويشير "أبو البراء" إلى أن غرفة العمليات المشتركة التي تضمّ فصائل المقاومة، وعلى رأسها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس"، وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وأذرع عسكرية أخرى، أدارت المعركة الأخيرة بكل جدارة وقوة، وتحكّمت في كافة التفاصيل الصغيرة والكبيرة.

ويوضح أن لدى المقاومة قدرة كبيرة على التعامل مع أي تصعيد، ويمكن أن تطلق في اليوم الواحد آلاف الصواريخ والقذائف، فضلاً عن مقدرتها على عمليات التسلّل ومواجهة جيش الاحتلال داخل مواقعه العسكرية، واستخدام صواريخ جديدة أكثر تطوّراً من التي أُطلقت في السابق، وتصل إلى مناطق لا يمكن للاحتلال أن يتخيّلها، ولن تستطيع القبة الحديدية إسقاطها.

ووجه "أبو البراء" رسالة خاصة لحكومة نتنياهو، أكّد فيها أن قطاع غزة "لن يكون نزهة لجيشها، وأي تصعيد عسكري أو محاولة لزعزعة عمقه الداخلي سيقابل برد قاسٍ وعنيف لا يمكن أن تتحمّله إسرائيل"، مشيراً إلى "المفاجآت التي تُعدّ لدولة الاحتلال من فوق الأرض ومن تحتها، والصواريخ التي ستتساقط على كلّ إسرائيلي بأي مكان يوجد فيه بأرضنا المحتلة".

في ختام تصريحه قال: "المعركة المقبلة ستكون أشد وأخطر، والمقاومة ستكشّر عن أنيابها، وآلاف الصواريخ التي ستُطلق يومياً من غزة ستتساقط على رؤوس الإسرائيليين بأي مكان، وما جرى بغزة مجرد جولة صغيرة، ونحن نستعدّ الآن للمعركة الكبرى".

صواريخ جديدة

وإضافة لعملية استهداف الحافلة العسكرية النوعية باستخدام صاروخ "كورنيت"، كشفت سرايا القدس، مساء الثلاثاء، عن إدخالها صاروخاً جديداً للخدمة العسكرية، وأنها قصفت به مدينة عسقلان المحتلة خلال جولة التصعيد الحالية.

وقالت سرايا القدس في بيان لها، وصل إلى "الخليج أونلاين" نسخه عنه: "أدخلنا صاروخاً جديداً للخدمة العسكرية وقصفنا به مدينة عسقلان المحتلة خلال جولة التصعيد الأخيرة".

وأدّى اكتشاف عناصر من كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح المسلّح لحركة "حماس"، للقوات الخاصة الإسرائيلية شرقي مدينة خان يونس، مساء الأحد الماضي (11 نوفمبر)، إلى اشتباك المقاومة معها، وقتل ضابط إسرائيلي وجرح آخر.

ونتيجة لذلك استشهد 7 من عناصر المقاومة، أحدهم قائد في كتائب القسام، وهو ما تسبّب بشن الاحتلال سلسلة غارات على قطاع غزة، ودفع المقاومة للرد بقوة واستهداف المستوطنات الإسرائيلية بغلاف غزة، وتوسيع دائرة الرد نحو قلب عسقلان، ما أدّى لمقتل مستوطن وإصابة عشرات الإسرائيليين، إضافة إلى استهداف حافلة إسرائيلية بصاروخ "كورنيت".

الدرس القوي

"تطوّر قدرات المقاومة في إدارة جولة التصعيد الأخيرة، وتحكّمها على أرض الميدان في توزيع الأدوار العسكرية من حيث التوقيت والمكان، وإطلاقها خلال 24 ساعة فقط أكثر من 500 صاروخ على إسرائيل، رغم القصف العنيف الذي تعرّضت له غزة، يؤكّد أن المقاومة تطوّرت وفرضت قوتها على أرض الميدان، وأعطت درساً في فنون القتال والمواجهات العسكرية"، يقول الخبير الأمني والعسكري محمد أبو هربيد.

أبو هربيد اعتبر، في تصريحات لـ"الخليج أونلاين"، أن "هذا التطوّر الكبير والملحوظ في قوة ردع المقاومة، خاصة في الساعات الـ24 من التصعيد الأخير، عبارة عن رسائل قوية لجيش الاحتلال وحكومته بأن ما تركوه في غزة خلفهم في حرب 2014 بات يختلف تماماً عن 2018، فعود المقاومة اشتدّ، ومنظومتها العسكرية قد تطوّرت".

ويعتقد الخبير الأمني والعسكري أن سرّ نجاح المقاومة في الجولة الأخيرة يعود لغرفة العمليات المشتركة التي شُكّلت لإدارة المعركة، والمواجهات العسكرية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، في ضبط إيقاع المواجهة وإعادة رسم قواعد الاشتباك.

وذكر أن غرفة العمليات المشتركة "قطعت الطريق على الاحتلال الإسرائيلي للاستفراد بأي فصيل فلسطيني وحده، ومثّلت كذلك الرسالة الأكثر قوة في وحدة فصائل المقاومة في اتخاذ القرار وأسلوب الرد وتوقيته".

ويوضح أن تعامل المقاومة بذكاء خلال الجولة الأخيرة من حيث طبيعة وسائل القتال وتنويعها، ومسافة إطلاق الصواريخ وعددها وأماكن سقوطها، إضافة للجهد الإعلامي الذي رافقها، "كان ضربة قوية للاحتلال، وسيساعد في تغيير كافة القواعد العسكرية في أي مواجهة قادمة".

وفي ذات السياق يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي، مؤمن مقداد، لـ"الخليج أونلاين": إن "إسرائيل تعلم أن إطلاق قرابة 500 صاروخ خلال 24 ساعة فقط يعني أن المقاومة في غزة تمتلك مئات الأضعاف من ذلك الرقم، وتفهم جيداً أن ما أُطلق هو غيض من فيض مما قد يرونه إذا توسّعت دائرة الحرب مع غزة".

ويضيف: "الاحتلال يفهم جيداً أن المقاومة عمدت خلال هذه الجولة إلى استخدام ورقة الصواريخ لإثبات التغيّر والتطوّر الذي حدث لها، وفهم من وراء ذلك، وهذا التطوّر الملحوظ في دقة وأداء الصواريخ سيكون مضاعفاً في باقي الخيارات الأخرى التي تمتلكها المقاومة؛ مثل الأنفاق والقدرات البحرية والنخبة والطيران".

ويوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي أن "إسرائيل" تجنّبت قصف المدنيين في غزة "لأنهم يعلمون أن مزيداً من الشهداء سيجرّهم لحرب واسعة"، مشيراً إلى أن "زمام الجولة الأخير كان بيد المقاومة، التي لقّنت الاحتلال درساً لن ينساه؛ بكشف القوة الخاصة، وإطلاق صاروخ "كورنيت" السريع والدقيق، ثم تبعته ضربات صاروخية جعلت الاحتلال يستجدي الوسطاء لإقناع حماس والمقاومة بوقف التصعيد".

وبسؤال "الخليج أونلاين" عن مدى تأثير صاروخ "كورنيت" في دوائر القرارات السياسية والعسكرية في "إسرائيل"، قال مقداد: "الصاروخ أثار الصدمة لدى الاحتلال لدقّة الإصابة وفشل الجيش في السيطرة على الموقف، وكذلك مقدرة حماس على إيقاع عشرات القتلى في جنوده، لكن الفكرة التي وصلت إليهم أن ما تمتلكه حماس أخطر وأكبر بكثير من ذلك، وهذا شيء بسيط قد نفعله، واخترنا أن نوصل لكم الرسالة بقتيل أو جريح فقط، رغم أن عشرات الجنود كانوا تحت نيراننا".

ويتابع حديثه: "الأمر الأهم من ذلك أن الجمهور الإسرائيلي علم زيف وكذب منظومته الأمنية، حيث إن الاحتلال فور وقوع الحادث اعترف بإصابة جندي واحد فقط، بينما شاهد الجمهور عملية استهداف الباص وعلم أن هناك على أقل تقدير 2 من الجنود قد تبخّروا".

وبثَّ قصف الحافلة، وما تبعه من نشر تفاصيل عملية "كمين العلم" التي نفّذتها، في فبراير الماضي، ألوية الناصر صلاح الدين، عند السياج الفاصل شرقي غزة، وأسفرت عن مقتل وإصابة 6 ضباط وجنود إسرائيليين، رسائل نفسية بتوقيت حساس للجبهة الداخلية للاحتلال، وتقود لفقدانهم الثقة بقدرات جيشهم في توفير الحماية لهم، وتُظهر ضعف الأخير وأجهزة استخباراته في تقدير الموقف.

وبعد جولة التصعيد، أعلنت الأذرع المسلحة لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أمس الثلاثاء، عن التوصل إلى اتفاق مع قوات الاحتلال الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، بوساطة مصرية.

وسوم: العدد 798