سلسلة العبور

رضا بودراع الحسيني

1- الثورة

 لا يخلو عصر من العصور من (المعارضة) بكل أشكالها وألوانها، فالاختلاف في الآراء والأهواء والمواقف أمر حتمي، تعرفه كل المجتمعات، فهو سنة ربانية ماضية لا تتبدل ولا تتغير، فلا يخلو أي اجتماع إنساني من وجود تكتلات متصادمة (صغيرة كانت، أو كبيرة) يدافع بعضها الآخر.

ومن أبرز مظاهر هذا التدافع الانساني ما يطلق عليه مسمى: (الثورة)

وتتجلى في صورة المظلومية ضد القهر أو التنافسية من أجل السلطة والتحكم

وهي غالبًا ما تكون على شكل (دورة حياتية) تبدأ ب:

١-المسببات

٢-فالمرحلة الحرجة

٣-فالميلاد

٤-ثم الفورة أو القوّة

٥-ثم التنفيس

٦-ثم الخمود

٧-وأخيرا الانكفاء والتراجع.

 وقد تأخذ شكلًا آخر تنفجر من خلاله، فإذا ما عولجت بالقمع أو بثورة مضادة فإنها ستنتهج العنف كأداة في الحل، وهو الشكل الذي سنتكلم عنه في هذه الأسطر القليلة.

 فالثورات غالبًا ما تكون استجابة لمجموعة من المسببات، ثم تأخذ مسارها من خلال تفاعلها مع هذه المسببات (التحديات) وِفق مبدأ التحدي والاستجابة، وأغلب مجالاتها تكاد تنحصر بين المقابلات الآتية:

١-الاستبداد والحرية:

 ونجد فيها: استشعار الظلم، والحفاظ على الهوية، والمطالبة بالحقوق وصيانة الكرامة الانسانية والحرية الفكرية والعقدية...

٢-السلطة والسيادة:

ونجد فيها الحديث: عن طبيعة نظام الحكم، والمطالبة بتغيره أو تحسينه، وكذلك صناعة القرار والسعي لتوسيع دائرة المشاركين في صناعته. وكذلك صراع الإرادات المتقابلة كطبيعة العلاقة بين الاحتلال وحركات التحرر السياسي...

٣-الإحتكار وتوزيع الثروة:

 وهذا تحصيل حاصل لما سبق، فنجد أن استغلال الانسان للإنسان، وتكدّس الثروة في يد أقلية مستأثرة باقتصاد المجتمعات، وفي المقابل أغلبية محرومة كنتيجة حتمية لذلك الاستئثار، فهي تبحث عن تحقيق العدالة الاجتماعية وشيء من الرفاهية.

 فعلى ضوء المحاور المذكورة أعلاه يمكن تصنيف الثورات على أصناف:

1. عرقي

2. طائفي

3. سياسي

4. طبقي

5. أو ضد المحتل والمستعمر.

 وقد تأخذ الثورات طابعًا محددًا ك (الثورة الاقتصادية، والمعلوماتية، والزراعية وغيرها). ويكون مسار أي ثورة حسب دورة حياتها كما أسلفنا، فإذا أخذنا ثورات الربيع العربي نموذجًا سيبدو لنا للوهلة الأولى أنها متعلقة بالصراع السياسي، أو الاجتماعي أو الطبقي... ولكنها في الحقيقة مركبّة من هذه الأبعاد كلها، فالمنطقة العربية التي تحرّرت من الاستعمار التقليدي وتمتّعت لخمسة عقود تقريبًا بنشوة النصر الناقص، ما لبثت أن وجدت نفسها تحت احتلال مركّب أو ما يطلق عليه ب "احتلال بالوكالة" ويقصد به: زمرة موالية للمحتل تصل إلى سدّة الحكم بطريقة ما، وتختطف الشرعية الثورية، لتقف خلف خيارات المحتل ومصالحه متجاهلة خيارات الشعب ومصالح البلد الذي تحكمه.

 فتجد الشعوب نفسها بالضرورة أمام مسارات الثورة الأولى، تلك التي قام بها الآباء في أول مرة ضدّ الاحتلال الخارجي!! لكن هذه أشد عنفًا من سابقتها، وغالبًا ما تأتي على شكل أمواج لا ندري كم يبلغ عددها فهي عادة ما تبدأ كالآتي:

١-احتجاجات اجتماعية متكررة

٢-تهدئة بإصلاحات صورية

٣-زيادة الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي...

٤-موجة ثانية من الثورة لتوافر الأسباب ذاتها تلك التي تسببت في قيام الثورة الأولى.

 ٥-فضلًا عن الفشل فيما يطلق عليه ب (الاصلاحات الأولى) وما تُولّده من يأس وانعدام الثقة...

٦-مقابلة السلطة للاحتجاجات بمزيد من القمع والتسلط والعنف على الشعب.

٧-ينتج عن ذلك عادة ظهور (طبقة منتفعة متوحشة...) كانت قد فرّت من العقاب ثم أصبحت ظهيرًا للمافيا السياسية.

٨-تبقى هذه المسببات ضاغطة في حال لم تعالج هذه القضية من جذورها.

٩-هذا فضلًا عن حالة الاحباط الشعبي والانسداد السياسي.

١٠-ويتولّد ما هو أخطر من كل ذلك؛ وهو أن يرَ الفرد نفسه في حالة من الاستلاب للسيادة وتظهر له عمالتهم المفرطة، وفي هذه المرحلة تكون المسببات قد استنفذت أغراضها لتجعل من الحالة الشعبية حبلى بأشكال من الثورات جديدة، بحيث يؤدي تراكم الخبرة وارتفاع الحس الثوري عند الشعب دورهما في ترقية الوعي الجمعي للشعوب الثائرة، فيدركون بأن الطغاة والوصوليين والمنتفعين على استعداد لجلب الغزاة إذا ما أحسوا بدنو لحظة الانهيار. وهنا يقف الشعب أمام الحقيقة المرة وهي أنّ: "الطغاة يجلبون الغزاة "

 وكل ذلك يجعل الشعوب الثائرة أمام دورة جديدة من الصراع، وقد لا تكون فيها طبيعة الثورات والثورات المضادة هي المحدّدة، فتَدخل عوامل أخرى أكبر منها وأكثر تعقيدًا يصعب فهمها وحلها. كدخول أطراف أخرى وعودة الظاهرة الاستعمارية من جديد. ليصبح الانسان أرخص بضاعة في هذا الصراع، وتنهزم القيم والمبادئ الأخلاقية لتحل محلها المنفعة والمصلحة، وقتها تنزل بالمجتمعات الكوارث ويكون هناك آلام وأصداء الآلام.

 إن فهم طبيعة الثورات وحركتها لا يتم من خلال معالجة الأحداث وتداعياتها فحسب، بل يحتاج إلى فهم طبيعة الظاهرة وفلسفة وجودها، ومن ثَمَّ استشراف حدوثها ثم التعامل معها كظاهرة حية مرتبطة بحياة الناس ووجودهم.

 ويكون السؤال عما إذا كانت الثورات قابلة للتكرار؟! وهذا يعالج بأرقى أدوات الرصد والتحليل ثم التفسير واستنباط الاجتهاد اللازم والضروري لمعالجة طبيعتها من جهة، وطبيعة الاستجابة لها من جهة أخرى حسب طبيعة التحدي وأسبابه التي لا زالت قائمة وضاغطة حتى يومنا هذا، والأيام حبلى...

وسوم: العدد 805