البضاعة الناعمة في العراق

تحولت ظاهرة الاتجار بالبشر إلى ثالث تجارة بالعالم بعد تجارتي المخدرات والسلاح، والبضاعة الناعمة ـ كما يطلق على جريمة الاتجار بالبشر ـ تتسع وتكبر، فتحولت إلى ظاهرة خطيرة باتت تهدد الأوطان، وتتطلب إجراءات سريعة للحد منها ووقف زحفها على الإنسان والمجتمع معا.

والبضاعة الناعمة لم تقتصر على الاتجار بالبشر، وإنما نزع أعضائهم وبيعها عبر شبكة سماسرة وتجار وشخصيات نافذة متورطة في إيقاع الضحايا في شباك الاتجار، كما يكشف المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر في تقريره الخاص الذي وثق مئات الجرائم بالبشر في بغداد والمحافظات، ما بين استغلال للأطفال في التقاطعات والأسواق، وتجارة الأعضاء البشرية، واستدراج النساء للعمل ضمن شبكات الدعارة.

وعلى الرغم من أن البرلمان شرع قانونا لمحاربة هذه التجارة والحد منها، إلا أن هذه التجارة تنمو وتكبر في ظل الانفلات الأمني وإخفاق الأجهزة الأمنية في الحد من هذه الظاهرة.

وتتصدر بغداد قائمة المحافظات العراقية بالاتجار بالبشر من خلال استدراج الضحايا عبر صفحات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، يديرها سماسرة يستدرجون ضحاياهم بأساليب تنطوي على نصب واحتيال، لانتزاع أعضائهم مقابل مبلغ مالي يصل إلى 6 آلاف دولار معظمه يذهب لجيوب الوسطاء.

وربطت منظمة هيومن رايتس ووتش بين الانفلات الأمني والفساد المستشري في البلاد باتساع ظاهرة الاتجار بالبشر، الأمر الذي وضع العراق في المستوى الثاني للمراقبة للسنة الثانية على التوالي، بحسب تقرير وزارة الخارجية الأميركية لعام 2018.

ورغم أن السلطات العراقية تحاول التقليل من مخاطر استشراء هذه الظاهرة بالمجتمع، إلا أن مسؤولا أمنيا اعترف أن الاتجار بالبشر شهد تناميا ملحوظا خلال عامي 2017 و2018م، في حين تم الكشف عن 200 قضية متصلة بجريمة الاتجار بالبشر للتحقق منها.

ومعظم الحالات، سواء في العالم الافتراضي أو الواقعي تشير إلى أن أماكن هذه التجارة تتركز في المناطق الفقيرة، من دور التجاوز والمستشفيات.. ولمواجهة تغول هذه الظاهرة وتداعياتها افتتح أول دار لإيواء ضحايا الاتجار بالبشر مهمته تأهيل الضحايا، ولمكافحة هذه الظاهرة التي نتجت جراء الأزمات الأمنية والاقتصادية التي تعرض لها العراق.

‏وما يصاحب عملية الاتجار بالبشر نزع الأعضاء ‏البشرية وبيعها عبر سماسرة وشبكات متخصصة وجدت في غياب الرقابة والرصد مجالا لتوسيع عملياتها في الأحياء الفقيرة والمجمعات العشوائية وقرب المستشفيات والمتسولين في تقاطع الساحات والشوارع الرئيسة.

لقد أضافت ظاهرة الاتجار بالبشر أثقالا على أكتاف العراقيين الذين يئنون تحت وطأة تداعيات إخفاق الطبقة السياسية التي فشلت على مدى الأعوام الماضية في تلبية احتياجاتهم في الأمن والاستقرار والحفاظ على المال العام من تغول الفاسدين.

ولا تختلف ظاهرة الاتجار بالبشر عن ظواهر الفساد وانتشار السلاح وغياب لقانون الردع والمحاسبة، بل إن هذه الظواهر الغريبة على المجتمع هي من فعل غزو العراق واحتلاله الذي أنتج طبقة سياسية أخفقت في شتى الميادين في تلبية تطلعات العراقيين بوطن خالٍ من العنف والفساد والجريمة، وتغول السلاح في المجتمع كبديل لدولة العدالة وسيادة القانون والنظام.

وسوم: العدد 808