تسريب صوتي نادر لفيروس كورونا

نعم تكلم الفيروس ولقد كنت في دهشةٍ وذهول من فصاحته وطلاقته وحججه وأدلته، وشدته وجرأته فغافلته وسجلت له إذ قال مغضبا:

يبدو أنكم نسيتم من أنتم؟ وأين تعيشون؟ وماذا تمثلون في هذا الكون؟ ويبدو أيضا أن الجهل أصابكم ببدهيات عندي هي كالخيال عندكم.

وتعجبت إذ وجدته يسوق أجوبة على أسئلة دارت في نفسي ولم أبدها له، إذ أخذ في الكلام بإسهاب كأنه عالم فلك قال: هل تعلم أن الكون يمتلئ بمليارات الأنظمة النجمية، والنظام النجمي يقع ضمن مجرة ما، ويتألف من نجم واحد على الأقل تدور حوله مجموعة أخرى من الأجرام السماوية كالكواكب، والكواكب القزمة، والكويكبات، والمذنبات، والنيازك، والأقمار؟

والمجموعة الشمسية من هذه المجموعات النجمية الموجودة في الكون، وهي تقع مع غيرها في مجرّة تسمى درب التبانة، وهذه المجرة تقع ضمن ملايين المجرّات في ملك الله الذي لا يعلم أوله من منتهاه إلا الذي سوّاه.

والشمس هي مركز هذه المجموعة الشمسية، وتدور حول الشمس كواكب ثمانية وأقمار يبلغ عددها 170 قمراً، وعدد لا يحصى من الكويكبات وبعض الأقمار التابعة لها والمذنبات والأجسام الجليدية، وكل كوكب من الكواكب الثمانية يجب أن يدور حول الشمس ويجب أن يكون حجمه كبيراً وله جاذبية تمكنه من إزالة أي أجسام لها نفس حجمه تمر بالقرب من مداره حول الشمس.

ثم استطرد الفيروس في الكلام بلا توقف قائلاً: وأرضكم هذه هي أحد الكواكب الثمانية التي تدور حول الشمس وتدور بسرعة 29.27 كم/ثانية، وليست هي أكبر الكواكب في المجموعة الشمسية بل كوكب الأرض هو الكوكب الخامس من حيث الحجم، حيث قُطر الأرض 12,765 كم، وتبعد عن الشمس 149.6 مليون كم (مئة وتسعة وأربعين مليونا وستمئة ألف كيلومتر) ويتبعها قمر واحد من الأقمار المئة والسبعين وحجمها بالنسبة للشمس لا شيء، إذ نحتاج إلى 1.3 مليون كوكب في حجم الأرض لنعادل حجم الشمس.

وأخذ يقول لا أحد منكم يعرف على وجه الدقة عمر هذه الأرض، وإن كانت تقديراتي تشير إلى خمسة مليارات عام، والحياة بشكلها هذا يرجع إلى 150 إلى 200 مليون عام.

ألا تعلم أن للأرض قوة طرد مركزي عند مركزها مما يجعلها تدور حول محورها، وتحتاج لهذه الدورة 23 ساعة و56 دقيقة وأربع ثوان مما يسمى باليوم الفلكي. والشمس كذلك تدور وتحتاج للعودة لنفس النقطة في منتصف النهار بفارق 16 دقيقة خلال السنة الواحدة، حسب موقعها المداري، وهذا ما يسمى اليوم الشمسي.

ولما بدا عليّ التعجب استطرد قائلاً: كل شيء في الكون يسير بدقة متناهية "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار، وكل في فلكٍ يسبحون".

ولا يريد الفيروس أن يتوقف عن الكلام فأخذ يقول إن هذه الأرض عليها أكثر من ثمانية ملايين نوع من الكائنات الحيَّة، منها ما يقارب 90 في المئة لم يتم تسميته وتصنيفه بعد، وأن مئة مليون نوع من الأحياء لم تكتشف بعد، وأن الأرض فيها يابس 29 في المئة، ومياه 71 في المئة؛ بحار ومحيطات لم يتم اكتشافها جميعاً، وعلى الرغم من اكتشافكم 21 ألف نوع كائن بحري، إلا أنه يوجد 25 مليونا لا تعرفون عنها شيئا.

وهنا توقف الفيروس برهة صغيرة ثم قال من أنتم في ملك الله هذا حتى تتطاولون عليه وتناصبونه العداء، وتخلفون وعدكم وتنقضون عهدكم وتخونون أمانتكم؟ ووجدته يتلو أفضل مما نتلو قول الله تعالى: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين" (الأعراف: 172).

وظللتم تخالفون عن أمره وتعبدون المادة وتكفرون بالوحي، وتطلبون المعجزات وتأتيكم ولا تؤمنون.

ثم استطرد الفيروس بصوت عالٍ ولهجة حاسمة تالياً قول الله تعالى: "إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون" (يونس: 44).

ثم تلا: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" (الروم: 41).

ولم يعطني فرصة للحديث، فبدا عليه عدم اكتراثه بوجودي وعدم حرصه على سماعي أو توجيهي أسئلة له، فكأنه جاء ليبلغ الرسالة فحسب، فقال:

لقد جاءكم من قبلي نُذُر كُثُر ولكنكم لا تفهمون.

وبعد توهمكم الانتصار على أحدهم تعودون كما أنتم، بل أسوأ مما كنتم.

فقد أرسل إليكم الطاعون من قبل فأصابكم الطاعون الأول..

"الطاعون الأنطوني"

والذي أصاب الإمبراطورية الرومانية عام 165 ميلادية، والذي لم يترك مدنيين ولا عسكريين بل أصاب الجيش الروماني وقضى على الكثيرين من قادته وجنوده، حتى جعله من الضعف الذي أغرى به القبائل الجرمانية فهاجمته مرة تلو الأخرى، حتى سحقته وسقطت الدولة الرومانية بالكامل.

وبعد سقوط روما حاول جستنيان توحيد الجزء الشرقي من الدولة الرومانية والذي سمي بالدولة البيزنطية، بل حاول ضم روما من جديد فاجتاح الطاعون الذي سمي باسمه.

"طاعون جستنيان"

(541-543م) اجتاح مصر والقسطنطينية وما يجاورها من بلاد الأناضول ثم ما يجاورها من بلاد الشام. وقد كانت بداية هذا الطاعون في وسط آسيا ثم انتقل عبر السفن التجارية وما تحمله من حيوانات وحشرات. وقضى هذا الطاعون على ملايين البشر من الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الفارسية والتي كانت معها في معارك لا تتوقف فأوهنهما على السواء.

ثم عاد هذا الطاعون مرة أخرى في مدينة عمواس..

"طاعون عمواس"

في فلسطين سنة 630م بسبب انتشار البكتيريا مرة أخرى، فظل ينتقل من مكان إلى آخر في العالم حتى كان الوباء أو الطاعون العام سنة 1348م.

وهذا الطاعون الثالث هو الطاعون العام أو الكبير أو "الموت الأسود" كانت بدايته أيضا من وسط آسيا والصين التي فقدت نصف سكانها بسببه. وقد اجتاح العالم بأسره حتى وصل عدد الموتى في ثلاثة شهور 100 مليون من البشر، من جملة عددهم آنئذ 475 مليون نسمة. وكانت الجنائز في القاهرة وحدها تزيد عن العشرين ألفاً في اليوم الواحد، كما ذكره مؤرخكم ابن الوردي والذي مات به أيضا.

ثم جاء الوباء الرابع المسمى (الإنفلونزا الإسبانية)، إن الإسبان هم من كتبوا عنه ونشروا أخباره بعد الحرب العالمية الأولى، بين عامي 1918 و1920، وقد أصيب به 500 مليون نسمة، أو ربع سكان العالم، إذ كان يقارب عددهم المليارين، ومات منهم ما يقارب المئة مليون نسمة.

ولقد كانت إنفلونزا الطيور سنة 1997 ثم إنفلونزا الخنازير عام 2009 محاولات مستمرة من الفيروسات لمهاجمة هذا الإنسان من طرق لا يتوقعها، إذ كانت تنتقل إليه من هذه الحيوانات.

وظلت هذه الفيروسات التي لا تُرى بأعينكم المجردة تعاود مهاجمة هذا الإنسان المتمرد على ربه، حتى جاءكم "سارس" أو متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد. وقد ظهر في الصين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2002م، وخلال بضعة أشهر انتشر في أنحاء العالم محمولاً مع المسافرين من هنا وهناك، كأنما يقول لكم: طوروا قدرتكم على سرعة الاتصال والانتقال لتيسروا عليّ سرعة الانتشار.

ثم جاءتكم عائلتي الكبيرة.. عائلة "فيروسات كورونا التاجية"، وهي عائلة عريقة في تطوير نفسها، وأنا بلا فخر من أبناء الجيل السادس وقد سماني والدي "COVID-19"، جئت لألقنكم درسا إذ نسيتم حقيقتكم وتفاخرتم بأنكم قهرتم الطبيعة وأصبحتم قادرين على كل شيء، وجاهرتم ربكم بعصيانه والمخالفة عن أمره، وملأتم أرضكم بالمظالم ونسيتم أنها كلها لا تمثل ذرة في ملك الله، وهو الذي يمسكها أن تزول هي والسماء، ولئن زالتا من يقدر منكم على الإمساك بهما؟!

فإذا كنتم أدركتم سخرية السماء من الأرض إذ تسلط عليكم كائنات لا ترى بأعينكم المجردة، وحتى بعضها مثلي ليس كائناً حياً بل يحيا عندما يخترق خلاياكم فيصرعكم، فكيف إذا سلط عليكم ربكم ما هو أقوى مني؟ ومع ذلك ما زال بعضكم يماري في الحق ولا يعود إليه.

ولا أدري هل أدركتم الدرس ونويتم العودة إلى الله وأقلعتم عن المظالم وأقررتم العدل نظاماً كما أراده الله لخلقه، أم أنكم كعادتكم في لحظة ضعف يبدو معها التقرب الظاهر إلى الله فإذا ذهبت عنكم عدتم إلى ما كنتم عليه أفراداً وأمماً، شعوباً وجماعاتٍ، دولاً وحكوماتٍ "ولو رُدوا لعادوا لما نُهوا عنه"؟ قد أترككم بعد فترة قصيرة وأنظر ماذا أنتم فاعلون، ولكن اعلموا أنني جاهز سأطور نفسي ثم أعود إليكم "وإن عدتم عدنا".

ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

وسوم: العدد 871