وقفة نقدية مع مقال ينتقد بعد الآراء بخصوص طبيعة جائحة كورونا

نشر موقع هسبريس مقالا  تحت عنوان : "  هذه دوافع وأنماط انتشار سرديات مؤامرة فيروس كورونا بالعالم "  لم يصرح باسم كاتبه وتم الاكتفاء بعبارة " هسبريس من الرباط " ،وقد نسب مضمونه إلى ما سماه ورقة بحثية نشرت على موقع مركز الأبحاث والدراسات المتقدمة ، وهي بعنوان : " أنماط ودوافع انتشار سرديات المؤامرة حول فيروس كورونا " ونسبت لصاحبها خالد حنفي علي ، ولا ندري هل يتبنى موقع هسبريس هذا المضمون أم أنه مجرد ناقل له .

أما هذا المضمون، فيتعلق بما سماه المقال ثلاث سرديات لوباء كورونا وهي :

1 ـ  سردية الوباء عبارة عن حرب بيولوجية تقودها الولايات المتحدة  لإضعاف الصعود الاقتصادي للصين حسب فرضية المتحدث باسم الخارجية الصينية .

2 ـ  سردية الصين هي المسؤولة عن الوباء  حسب فرضية نائب بالحزب الجمهوري في الولايات المتحدة .

3 ـ سردية الانتقام الإلهي ، وقد نسبها المقال لمن سماهم  رجال الدين المتشددين في الشرق الأوسط إلى جانب  قس أمريكي لم يصفه بالمتشدد مع أنه يشترك مع  من وصفهم بالمتشددين في القول بفكرة الانتقام الإلهي من غير المؤمنين الذين اقترفوا انحرافات أخلاقية مثل الجنسية المثلية ، و مثل اضطهاد المسلمين في بلاد الصين . وعقب المقال على ذلك بالقول بأن دار الإفتاء المصرية أكدت في شهر مارس الماضي أن الجزم بأن الوباء عقاب من الله لا يصح .

وأضاف المقال سردية  رابعة مفادها أن أطرافا في العالم تسعى إلى تخفيض عدد سكانه عن طريق وباء كورونا

ومقابل التشكيك في السرديات الأربع بشكل جلي  يشير المقال  إلى سردية  خامسة ضمنية تم التعبير عنها بالقول : "  العلماء والمؤسسات الصحية في العالم  يعملون على بناء خطاب عقلاني مضاد يشير إلى مسببات علمية محددة لنشوء الأوبئة كأن يشيروا إلى  أن فيروس كورونا المستجد ليس إلا تطورا طبيعيا لدورة حياة فيروسات  مثل السارس ".

ودون الخوض في سرديات التآمر الأولى، والثانية، والرابعة  ودوافعها السياسية كما جاء في المقال ،مع العلم أن الصحفي الأسترالي المتنقل أنتوني لوينشتاين ألف كتابا تحت عنوان : " رأسمالية الكوارث " ،وقد ترجمه إلى العربية  الكاتب المصري أحمد عبد الحميد ضمن سلسلة مجلة عالم المعرفة الكويتية عدد 478  شهر نوفمبر 2019 ،ذهب فيه صاحبه إلى القول بالمؤامرة  بناء على معطيات وشهادات منسوبة إلى أشخاص وجهات وهيئات تمت الإشارة إليهم بأسمائهم وصفاتهم ، نود الوقوف عند  السردية الثالثة سردية العقاب الإلهي ، وقبل ذلك نشير إلى أن السردية الخامسة  الضمنية التي ذهب فيها صاحب الورقة إلى أن الأمر يتعلق بالتطور الطبيعي لفيروس كورونا  وهي مثلها مثل سرديات المؤامرة تحتاج هي الأخرى إلى دليل خصوصا وأن الجهات المختصة لا زالت عاكفة على دراسة هذا الفيروس لمعرفة طبيعته، وما طرأ عليه من تطور سواء كان طبيعيا أم كان صناعيا من أجل إيجاد لقاح أو علاج للوباء الذي يتسبب فيه .

ولنعد إلى سردية العقاب الإلهي التي بدا أن صاحب الورقة  قد تحدث عنه بشكل يوحي بالسخرية من القائلين به، وقد وصفهم برجال  الدين المتشددين ، كما أنه اعتمد  فتوى دار الإفتاء المصرية التي نفت القول بأن الوباء عقاب إلهي  ، علما بأنه لم يعتمد ما يدحض سرديات التآمر  كما فعل مع سردية العقاب الإلهي بل ذكر اعتمادها على معطيات من قبيل  كلام المتحدث باسم الحكومة الصينية ، و كلام نائب الحزب الجمهوري الأمريكي .

ولا ندري هل صاحب الورقة ينفي جملة وتفصيلا حقيقة العقاب الإلهي ، وأن الله تعالى  لا يعاقب البشر على معاصيهم كما هو وراد في القرآن الكريم أم أنه  يعترف به، ولكنه يستثني  منه جائحة كورونا ؟

أما العقاب الإلهي فقضية عقدية عند المسلمين سواء كانوا متشددين أو غير متشددين، لأن تصديقهم بالقرآن الكريم ككتاب منزل من عند الله عز وجل يلزمهم بالإيمان بالعقاب الإلهي الذي لحق الأمم المذكورة فيه، وهو عقاب تراوح بين الغرق، والخسف، والصواعق ، والريح العاتية ... وغير ذلك من أنواع العقاب مما ورد فيه . ومعلوم أن قوم لوط وهم أول من مارس الجنس المثلي صرح القرآن الكريم أنهم قد نالهم بسبب ذلك عقاب إلهي  ورد ذكره في قوله تعالى : ((  فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجين ))

ولا ندري على  أي دليل  اعتمدت دار الإفتاء  المصرية للحكم على أن جائحة كورونا ليست عقابا إلهيا ؟  وهل هي على يقين تام من ذلك بدليل  ؟ وعلى يقين من أن من يمارسون الجنسية المثلية على طريقة قوم لوط لا يعاقبون كما عوقب قوم لوط ؟  ولا بد من التحري  بخصوص عدم وجود تعليمات سياسية أعطيت  لدار الإفتاء المصرية كي تفتي تلك الفتوى خصوصا وأن حكاية النظام المصري مع الإسلاميين معروفة لا حاجة للخوض فيها وفي دور السياسة  في صدور تلك الفتوى .

ومعلوم أن سنن الله عز وجل ماضية في الخلق ، لا يمكن أن يستثنى منها خلق دون خلق ، فإذا كانت سنة معاقبة المذنبين قد ثبت حصولها بالنسبة لأمم سابقة  في كتاب الله عز وجل ، فلا يمكن استبعادها  في أمم هذا العصر أو عصور قادمة .

وكان من المفروض في دار الإفتاء المصرية و في من جزم جزمها باستبعاد أن تكون جائحة كورونا عقابا إلهيا الاحتياط في ذلك لأن الوحي الذي يثبت أو ينفي ذلك قد انقطع بنزول آخر رسالة سماوية  منزلة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبناء على ذلك يبقى علم هل هذه الجائحة عذاب إلهي أم لا من الغيب الذي استأثر بعلمه الله عز وجل . وعلى كل الناس سواء كانوا متدينين أو غير متدينين ألا يتجاسروا على علم الله سبحانه وتعالى سواء بالجزم باعتبار الجائحة عقابا منه  أو بالجزم بنفيه ذلك كما جاء في فتوى دار الإفتاء المصرية ، أو كما أيّد ذلك  على ما يبدو صاحب الورقة في مقال موقع هسبريس الذي ورد في مقدمته  قبل الحديث عن صاحب الورقة ما يلي : "إن أجواء الخوف من المجهول ندفع الناس إلى الاحتماء بسرديات معينة تعمد إلى التفسير الغيبي والأسطوري لحيثيات تفشي الجائحة ".

ولا شك أن عطف الأسطوري على الغيبي  في هذه العبارة يتضمن استخفافا بالغيب تقف وراءه نظرة غير بريئة  يستوي عند أصحابها الغيب بالأسطورة . ولئن كان هذا مقبولا في المجتمعات العلمانية ، فإنه لا يمكن أن يقبل في مجمعات تدين بدين الإسلام الذي  لا  يقبل أن يسوّى  فيه الغيب بالأسطورة .

وفي الأخير نختم بالقول أنه مهما كان سبب هذه الجائحة، فإن خبرها اليقين في غيب الله عز وجل ، وأنها قدره سبحانه وتعالى سواء تعلق الأمر بتطور طبيعي   لفيروس من خلقه جل وعلا  أم بتدخل بشري في تطويره .

ومن المؤسف أن يستغل الجدل القائم حول هذه الجائحة، ويركبه البعض للنيل من أمور الإسلام في بلد يدين الشعب المغربي به ، ويعتبر كل نيل منه مهما كان مساسا بعاطفته الدينية وهويته الإسلامية .   

وسوم: العدد 873