الليرة التركية في الشمال السوريّ: استخدامٌ أم استبدال؟

ما كان دعوات ودراسات حول استخدام الليرة التركية في الشمال السوريّ، صار اليوم واقعًا.

فلقد سارعت مجالس محلية عدة لإصدار لوائح تسعير بها، مثلما عملت الحكومة المؤقتة في ( نبع السلام، ودرع الفرات، وغصن الزيتون ) على دعم هذا التوجه، فقامت بمنح رواتب العناصر، والصرف على بعض الخدمات الرئيسية بها.

وكذلك الحال مع حكومة الإنقاذ: الذراع التنفيذية لهيئة تحرير الشام في إدلب، التي لم تجد بُدًّا من مسايرة الأمر الواقع، و تخلّت عن تمسّكها برمزية الليرة السورية، فقررت إعطاء رواتب موظفيها بها، مثلما قامت بشراء كميات كبيرة منها، وضخّتها في ( بنك شام ) التابع لها في سرمدا، وفي مؤسسة النقد في إدلب؛ لأنّ في ذلك مصلحة لها، كونها تستفيد من عمليات المضاربة وفروقات سعر الصرف.

وقد ساعد على ذلك المرونة التي أبدتها تركيا، فقد بدت أكثر رغبة بضبط عمليات نقل العملة، فأصدرت قرار التحويل عن طريق مؤسسة البريد، التي افتتحت مكاتب لها في الشمال، وأصبحت معظم تحويلات الجمعيات والمؤسسات الإنسانية بليرتها.

وبناءً على ذلك باشرت جميع المرافق والمؤسسات ذات الصلة، بعملية تكييف لها مع الواقع الجديد، فسعّرت ربطة الخبز وجرة الغاز والمشتقات البترولية بالليرة التركية، والحبل على الجرار.

إنّه من غير المتوقّع أن تمرّ العملية بالسلاسة المنتظرة، ويتمّ طرد الليرة السورية من التداول أو تقليلها،  وذلك لجملة من الأسباب، منها:

1ـ أن الموظفين لدى دوائر النظام والمتقاعدين ( وعددهم بالآلاف في الشمال) سنتبقى لهم صلة بالليرة السورية، كما أن الفروقات في سعر الصرف ستكون مغرية لمن يدفع الرواتب في الجمعيات والمؤسسات والقطاع الخاص، فيستفيد من عملية التصريف، بتحقيق مصلحة شخصية متعلقة بالاستفادة من فروقات سعر الصرف وعمولات التحويل قبل تسليمها إلى مستحقيها.

2ـ أنّ متعاطي مهنة الصرافة المنتشرة بقوة في الشمال، لن يكونوا بذاك الحماس للتخلّي عن السورية، لأنّ عملهم أساسًا يعتمد على المضاربة بالعملات ومنها الليرة السورية، وليس على أرباح الصيرفة بمعناها المعروف، وذلك سيتسبب بإضعاف نفوذهم ومواردهم، وإنّه بناء على قوتهم وعلاقاتهم في مناطق الشمال السوريّ قد لا يقرّون بمثل هذا التحول.

3ـ أنّ معظم من تتجمع عندهم المبالغ المالية بالليرة السورية - وهم تجار المواد الغذائية- لهم تعاملات وثيقة بمناطق النظام، الأمر الذي يتطلّب الدفع بالليرة السورية، إضافة لما يتجمع عندهم من أموال ناتجة عن البيع بالتجزئة.

لكن كما يقال أنّ من أبرز وظائف العملة أنها مقياس ومخزن للقيمة، وبما أنّ الليرة السورية قد فقدت كثيرًا من هذه الخصائص، لذا فإن دخول الليرة التركية المستقرة إلى حدّ كبير، ستحافظ على الثروات وتنشط الحركة التجارية وتجعل الأسعار أكثر استقرارًا.

إنّه من غير المتوقّع أن تستفيد تركيا كثيرًا من وجود عملتها في مناطق الشمال السوريّ، نظرًا لضعف حجم السوق السورية وضعف الدخل للمشترين؛ إلّا أنّ ذلك له أبعاد سياسيّة كبيرة تنتظرها أنقرة، فهي ستجعل تلك المناطق مع مرور الأيام أشدّ التصاقًا بها، فليس وجودها في أربعة مناطق حدودية، بمساحة تزيد على مساحة لبنان، مكسبًا يمكن التفريط فيه، لمجرد أن تخرج بعض الأصوات التي تطالبها بالانكفاء وترك سورية للسوريين، لاسيّما وهي ترى أفرقاء دوليين آخرين لا يلقون بالًا لمثل هذه التمنيات، التي أصبحت من التفكير الماضويّ بسنوات ضوئية مديدة.

وسوم: العدد 881