الانقلابيون الجدد

في زمن الاستبداد درج الانقلابيون على التحضير لانقلاباتهم في صمت حتّى تأتي،الساعة المناسبة، ساعة الصفر لتنفيذ انقلاباتهم في غفلة من الزمن. مثلهم مثل التمساح الذي يسبح تحت الماء في صمت ويرفع رأسه معلنا حصول "الانقلاب" على فريسته التي سيلتهمها ويكسّر عظامها دون رحمة ولا شفقة. قد يكون الانقلابيون من نفس المنظومة ولعلّهم يكونون من المناشدين. إلاّ أنّهم حين ينقلبون على الحكم تتحرّك الآلة الإعلامية فيغدو بقدرة قادر من كان يمجّدونه من أفسد الخلق وأكثرهم قذارة. بل لعلّه أفسد من أنجبت البلاد.  وتكال له التهم الجاهزة من مثل الخيانة العظمى والفساد وفساد الذّمّة ونشر الكراهية بين النّاس وتحريض النّاس على قتل بعضهم بعضا. بحيث يكون انقلابهم، حسب زعمهم، إنّما تمّ  لمنع الظّلم ومحاربة الفساد ونشر قيم العدل والتسامح بين النّاس،تماما كما فعل المخلوع بن علي إبّان انقلاب 7 نوفمبر. : "لا ظلم بعد اليوم ولا رئاسة مدى الحياة و...".

مع قيام الثورة،ثورة الحريّة والكرامة، تغيّرت مفاهيم الانقلاب وتغيّرت تكتيكات الانقلابيين وأصبحوا يهاجمون ضحاياهم في وضح النّهار ويتهمونهم بالفساد والإفساد جهارا نهارا ودونما مواربة أو تخفّي إلى حين الانقلاب عليهم في وضح النّهار وأمام أعين الجميع. وهم في هذه الحال يتماهون مع من يتدرّب لتقديم مسرحية ستعرض لاحقا.

خلال فترة اعتصام الروز بالفاكية انقلب الانقلابيون على الترويكا بدعوى  أنّ هذه الأخيرة لم توفّر الأمن المطلوب ممّا أدّى إلى اغتيال الناشط الحقوقي شكري بالعيد والنّائب محمد البراهمي، وبدعوى أنّ فترة إعداد الدستور قد تجاوزت المدّة المخصّصة لها والمقدّرة بسنة واحدة فكان لابدّ بحسب المعتصمين من وضع حد لحكومة الترويكا وللمجلس التأسيسي. وخلال فترة 2014-2019 اتهم الانقلابيون حركة النّهضة بالتطبيع مع الفساد والفاسدين لأنّها،بزعمهم، وضعت يدها في يد حركة نداء تونس وغطّت بذلك على فساد الحركة. وعلى إثر انتخابات 2019 وعند تشكيل حكومة الحبيب الجملي عارض الانقلابيون الحكومة المقترحة وعملوا على إسقاطها بدعوى أنّ النّهضة تحصّلت على 54 مقعد فقط ولم تتحصّل على أغلبية مريحة وسوّقوا لحكومة الرّئيس بدعوى أنّ الرئيس تحصّل على 70 في المائة من أصوات الناخبين. وهو ما يعد انقلابا على الدستور الذي ينصّ على أن يشكّل الحكومة الحزب الفائز في الانتخابات. بما يعني أنّهم يتيحون لأنفسهم الفرصة للانقلاب على الدّستور وفرض رأيتهم الخّاصّة على بقية الأحزاب لغرض تحقيق مصالحهم لا مصالح الشّعب. ويساعدهم إعلام العار المكتوب والمرئي والمسموع في تبليغ ونشر فكرهم المتطرّف والإقصائي، بحيث يصبح مقبولا من طرف السواد الأعظم من الناس. ومعلوم أنّ "الدوام ينقب الرخام".

لم يكفهم ذلك فتقدّموا خطوة أخرى إلى الأمام  حيث صرّح أحدهم دون خجل ولا حياء : "من لم تعجبه الحكومة فليغادرها" !!! بحيث أصبح الحزب الذي يتوفّر على 22 نائب فقط (المرتبة الثالثة) يفرض شروطه على حزب المرتبة الأولى الذي يتوفّر على 54 نائب ويرغب في تشكيل الحكومة بفرده. فهؤلاء الانقلابيين يصحّ فيهم القول أنّهم مصابون بتورّم الذّات والأنا الفرعونية "ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرّشاد". وهم مصابون بانفصام الشخصية "الشيزوفرينيا"  بحيث هم مع الثورة في تونس ولكنّهم ضدّ الثورة في مصر. ضدّ الرئيس المنصف المرزوقي ومع بشّار الأسد. ضدّ التطبيع مع حركة نداء تونس ولكنّهم مع التطبيع مع حزب الحر الدستوري ورئيسته عبير موسي التي ولدت من رحم الاستبداد وترعرعت في أحضانه وصاحبة شعار "الله أحد الله أحد وبن علي ما كيفو حد".

واعتمادا على القاعدة الرياضية نفس المقدّمات تقودنا إلى نفس النتائج فإنّنا نستخلص إلى أنّ الانقلابيين الجدد هم على شاكلة المخلوع بن علي. لأنّ كلّ من المخلوع بن علي والانقلابيين الجدد استعمل رمز الفوضى والفساد والاستبداد عبير موسي لضرب الخط الثوري والثورة والثّوار. وبما أنّ الشّعب قد خلع بن علي في أوّل هبّة شعبية فإنّ دورهم لا محالة قادم في الانتخابات القادمة. وإنّ غدا لناظره لقريب.

وسوم: العدد 886