سوريا في ظل الأسد تعاني من الجوع مثل العراق في ظل صدام

خلال الحرب التي استمرت تسع سنوات، تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية في سوريا من خلال القصف الأعمى للنظام وحلفائه الروس، فضلاً عن القتال على الجبهات في الخطوط الأمامية. وأدّى ذلك إلى انخفاض إنتاج الغذاء وتوليد الطاقة وغيرها من الصناعات، كما تعثّر الاقتصاد السوري المرتبط بالاقتصاد اللبناني. 

ومع ذلك، في وقت مبكر من هذا العام، ومع تفكك السياسة النقدية اللبنانية وفرض قيود على رأس المال لتجنب التهافت على البنوك، تم حظر ودائع بمليارات الدولارات لصالح الشركات السورية. ويزعم الرئيس السوري بشار الأسد أن البنوك اللبنانية تحتفظ بما لا يقل عن 20 مليار دولار من إيرادات السوريين، والتي، إذا كان من الممكن الوصول إليها، ستحل الأزمة الاقتصادية السورية دفعة واحدة. 

اجتاحت صور مئات السوريين وهم يصطفون أمام المخابز للحصول على خبز مدعوم وآخرون يقفون لساعات متتالية في محطات الوقود، العديد من منصات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اشتكى السكان من أسوأ أزمة غذاء ووقود على الإطلاق في بلادهم. 

وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي، هناك 9,3 مليون سوري غير متأكدين من مصدر وجبة طعامهم القادمة، حيث ازدادت أعداد الذين يعانون من هذه المشكلة بمقدار 1,4 مليون في الأشهر الستة الأولى من هذا العام. 

علاوة على ذلك، فإن شمال شرق سوريا، سلة خبز البلاد، يخضع لسيطرة حلفاء الولايات المتحدة، قوات سوريا الديمقراطية، والذين لم يتوصلوا بعد إلى اتفاق مع النظام بشأن إمدادات الحبوب. 

سوريا التي كانت يوماً بلداً مصدراً للقمح، أصبحت تعتمد جزئياً على الإمدادات من روسيا، لكن حتى تلك المساعدة فشلت، حيث خفضت موسكو مبيعات الدقيق في الخارج للحفاظ على الاحتياطي في الداخل خلال الأوقات غير المستقرة التي تسبب بها وباء فيروس كورونا. 

علاوة على ذلك، فإن العقوبات الأمريكية على النفط والغاز تعني أن الخام الإيراني فقط هو الذي وجد طريقه إلى سوريا، وهو لا يكفي. وأدّى نقص هذا المورد الأساسي إلى تأثيرات مضاعفة على قطاعي الزراعة والطاقة، كما أثر على الشركات المحلية أيضاً.

ويعيش أكثر من 80% من السوريين الآن تحت خط الفقر، وأدى ذلك إلى ارتفاع مصاحب في الجريمة، حيث تنشط عصابات تهريب البضائع المهربة والأسلحة والمخدرات، فضلاً عن اختطاف الأشخاص من أجل الحصول على فدية، في عدة أجزاء من سورية.

ويرتبط هذا كله ارتباطًا وثيقًا بعقود من الفساد وسوء الإدارة والسحق الوحشي للأراضي التي يسيطر عليها الثوار، فيما يقول بعض المنتقدين إن الأزمات هي أيضًا نتيجة للعقوبات الأمريكية.

وفي هذا المقام يتم إجراء مقارنة مقلقة عما إذا كانت العقوبات ستكون ببشاعة تلك التي شهدها العراق قبل عقدين من الزمن. صحيح أن الأرقام محل نزاع، لكن وفقًا لإحدى الدراسات، فإن نصف مليون طفل ماتوا في العراق نتيجة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، غير أن صدام حسين ظلّ ديكتاتوريًا كما كان دائمًا ولم يُطح به بعد سنوات من المعاناة إلا عندما هاجمت الولايات المتحدة العراق بجيشها.

إن الهدف من عقوبات قانون قيصر، التي سميت على اسم المنشق عن الأمن الذي فر من سوريا وهو يحمل أدلة عن مقتل آلاف السوريين في سجون تديرها الدولة، هو أيضاً من أجل إجبار النظام السوري على تغيير سلوكه تجاه شعبه من "القاتل" إلى سلوك أكثر استيعاباً. 

لقد قال دبلوماسيون غربيون كبار لمجلة فورين بوليسي في مناسبات عديدة إن العقوبات هي آخر وسيلة ضغط للغرب ضد الأسد للضغط عليه للإفراج عن السجناء السياسيين، وضمان العودة الآمنة للاجئين، والموافقة على المصالحة السياسية التي إذا تم تنفيذها بصدق، ستعني في النهاية تركه السلطة. ويصرون على أن دفع تكاليف إعادة الإعمار في سوريا، بما في ذلك البنية التحتية مثل محطات الطاقة وأنظمة الري الضرورية للأمن الغذائي والحياة اليومية للبلاد، سيؤدي إلى تقوية قمع النظام. ويقول الدبلوماسيون إنهم لا يعتزمون السماح للأسد بالنجاح في ذلك، على الأقل قبل أن يُقدّم تنازلات كبيرة. علاوة على ذلك، يشعر الغرب بالقلق من أن الأسد قد يسحب الأموال ببساطة، كما يُزعم أنه فعل بجزء كبير من المساعدات الإنسانية التي تم إرسالها بالفعل للمنكوبين بالحرب.

لكن آخرين يقولون إن العقوبات لا يمكن أن تصلح دكتاتورًا غير قابل للإصلاح أصلاً؛ وإنها مجرد معاقبة للشعب السوري، بافتراض أن المواطنين السوريين، كما في العراق، يتحملون وطأة العقوبات، بينما لا يواجه الأسد وأعوانه نقصًا في الغذاء والوقود. وهم يؤكدون أنه من السذاجة أن تتوقع الولايات المتحدة أن يحاسب الأسد مجرمي الحرب، حيث يصعب توقع توجيه اتهامات إلى نفسه، وحجتهم في هذا هي أن الولايات المتحدة يجب أن تعكس سياسة الضغط الأقصى، وأن تضع إعفاءات تدريجية من العقوبات مقابل مطالب أكثر واقعية.

قالت "بينت شيلر"، رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة هاينريش بول، أنه "لا يوجد خلاف بشأن العقوبات الموجهة ضد أصدقاء الأسد، لكن العقوبات الأمريكية الموجهة ضد قطاعات بعينها كان لها تأثير سلبي على الناس العاديين، وقالت إن العقوبات تستند إلى منطق "الضغط الأقصى". هذا هو السبب في أنها تشمل عقوبات لقطاعات، بينما في الخطوة الثانية فقط يتم إدراج الأفراد.

استهدفت عقوبات الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير حظر السفر على مسؤولي النظام ووكلائهم بناءً على دور كل منهم في انتهاكات حقوق الإنسان. 

العقوبات القطاعية، مثل تلك المفروضة على البنوك السورية، تحد من قدرة النظام على شراء البضائع من الخارج، ومن الواضح أن السلع الإنسانية والطبية مستثناة - لكن المجتمع المدني السوري أشار إلى أن الإفراط في الامتثال يؤثر عليهم".

وقال آرون لوند، المتخصص في الشؤون السورية بوكالة أبحاث الدفاع السويدية، إن العقوبات الأمريكية والأوروبية جاءت مع استثناءات للأنشطة الإنسانية والتجارة المدنية المشروعة. ومع ذلك، كانت الشركات تميل إلى الخوف من أن يكون لها أي علاقة بدولة خاضعة للعقوبات، وذلك ببساطة لأنه كان من التعقيد بمكان فهم القواعد ولم يرغبوا في تحمل أي مخاطر. وقال لوند أيضاً: "الشركات تتجنب حتى التجارة المسموح بها، لمجرد الابتعاد عن المخاطر والمشاحنات القانونية"، وأضاف "عندما تقرر البنوك الدولية أو شركات الشحن أن التعامل مع نظام العقوبات لا يستحق العناء، فإنه يجعل الواردات صعبة ومكلفة في جميع المجالات".

تقول "زهراء مطر" وهي امرأة تبلغ من العمر 55 عامًا تُلقب بزهراء دولار في العراق، لأنها قامت بتهريب الدولارات داخل البلاد في ذروة العقوبات ضد صدام، وتتذكر الأوقات الصعبة آنذاك بالقول: "بدأ الأطفال يموتون بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات خلال سنوات العقوبات، باع الناس ممتلكاتهم مثل الأثاث والمعدن - أي شيء آخر يمكنهم بيعه من أجل البقاء".

في سوريا، بدأ حتى السوريون المعارضون للنظام يقولون إن العقوبات القطاعية في قطاعي النفط والغاز والبناء تضر بالناس أكثر من النظام. في القنيطرة، جنوب سوريا، قال أبو مشعل البالغ من العمر 29 عامًا، وهو أب لثلاثة أطفال، إنه نادرًا ما يستطيع شراء وقود الديزل، لذلك كان يحرق القمامة والبلاستيك والروث للحفاظ على دفء أسرته هذا الشتاء. جعلت العقوبات البضائع أكثر تكلفة على السوريين العاديين. وقال أبو مشعل لا أعتقد أن مسؤولي النظام السوري وعائلاتهم سينامون جوعى أو وهم يعانون من البرد. "في رأيي، استخدم النظام والمافيا التابعة له أيضًا العقوبات كذريعة لرفع الأسعار واستغلال الفقراء أكثر وأكثر".

في مواجهة الأسد العنيد والمتصلب، تواجه الولايات المتحدة معضلة مستحيلة، حيث لم يكرر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حربًا على غرار حرب العراق التي من شأنها أن تطيح بالأسد لكنها تلزم الولايات المتحدة بدولة أخرى في المستقبل المنظور. ومع ذلك، تظل المسألة السورية دون حل. 

بعد مرور تسع سنوات، يواجه نائب رئيس أوباما، الرئيس المنتخب جو بايدن، تحديًا مختلفًا: كيفية إيقاف المجاعة في سوريا ومساعدة الناس على دعم حياتهم دون إفادة الأسد. إن الشعور بالذنب نتيجة لما فعله زملاؤه السابقين في إدارة أوباما، الذين شاهدوا الحرب السورية تتحول إلى حالة من الفوضى، سوف يحثه على الاهتمام بشدة، لكن إلى أي مدى ستكون سوريا على قائمة أولويات الرئيس المقبل؟ هذه مسألة أخرى.

وسوم: العدد 908