ملاحظات حول مرشحي الرئاسة الفلسطينية الثلاثة

يكاد موضوع الانتخابات الفلسطينية المقبلة يطغى على كل موضوع آخر. ففي ظل حمى المفاوضات والمساومات والمؤتمرات والبيانات المؤيدة والمعارضة للانتخابات، تقوم قوات الاحتلال الصهيونية بتوسيع ممارساتها الاستعمارية، بمصادرة مزيد من الأراضي، والإعلان عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية، وهدم القرى والتجمعات، كان آخرها يومي 1 و3 فبراير الجاري، هدم قرية حمصة في غور الأردن الشمالي شملت 45 منزلا ومنشأة صحية لعائلات بدوية. ومنذ بداية 2021 بلغ عدد المباني والمنشآت، التي هدمتها قوات الاحتلال 178، خلفت وراءها 259 مشردا، من بينهم 140 طفلا. وبين 19 يناير و1 فبراير، أي بعد إعلان المرسوم الرئاسي للانتخابات، اقتلعت قوات الاحتلال آلاف الأشجار من منطقة طوباس ونحو 1000 شجرة من بيت لحم.

المستوطنون من جهتهم استغلوا الفرصة، فوسعوا من أنشطتهم الإجرامية في قتل الفلسطينيين، وتدمير ممتلكاتهم وأشجارهم واقتحاماتهم للمسجد الأقصى. خالد نوفل عمره 34 عاما من بلدة رأس كركر، أرداه المستوطنون شهيدا، ومستوطن مجرم آخر تعمد أن يدهس الفلسطيني بلال بواطنة (52 سنة) من سلفيت، ويجرح اثنين معه، بدون أن تثير هذه الجرائم أي رد فعل. فالناس كلهم مشغولون بالانتخابات ولا وقت للحديث عن القتل والتدمير واقتلاع الأشجار والاقتحامات والاعتقالات.

الانتخابات تحت الاحتلال

لا أعرف ما الهدف من الانتخابات تحت الاحتلال.. ما هو برنامج مجلس تشريعي جديد، إلا إعادة ضخ دماء جديدة في جثة اتفاقيات أوسلو التي أوصلت شعبنا إلى هذا المأزق الوجودي. هل من أحد من المرشحين لديه خطة لإنهاء الاحتلال؟ ألم نجرب الانتخابات السابقة عامي 1996 و2006؟ فما كانت النتيجة إلا مزيدا من تغول الاحتلال؟ العدو الصهيوني يسيطر على كل صغيرة وكبيرة، ويستطيع أن يعتقل الفائزين، كما فعل في المرة الماضية، ويستطيع أن يلغي الانتخابات ويمنع المرشحين من ممارسة أي دعاية انتخابية. وإذا كان الرئيس نفسه يقول إنه لا يستطيع أن يخرج من بيته، إلا بإذن من قوات الاحتلال، فلماذا تقوم القيادة المجسدة في شخص واحد بإصدار فرمان لإجراء الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية؟ التعامل مع الاحتلال لا يكون بالانتخابات، بل بالمقاومة والمقاومة فقط، وهذا حق شرعي قانوني لا يستطيع أحد في العالم أن يحرم الشعوب الواقعة تحت الاحتلال من حقها في مقاومة الاحتلال بالطرق التي يراها الشعب مناسبة. فالانتفاضة الأولى اجترحت طرق مقاومتها بوسائل مبتكرة، تركت صداها في كل أنحاء العالم، ولم يأت مبعوث دولي أو مطبع عربي يتهم الفلسطينيين بالإرهاب. والمقاومة أثناء عملية الاشتباك الشعبي الواسع تفرز قياداتها الميداينة الشجاعة، التي تحسن التخطيط والمراوغة، وتبحث عن مواقع ضعف العدو ومواقع قوة الذات لإلحاق أكبر الأذى في خصمها، وفي الوقت نفسه تطور قدراتها الذاتية وتحمي جماهيرها، عندما يعرف العدو أن لكل جريمة يرتكبها ثمنا قد لا يكون قادرا على تحمله. الانتخابات في الحالة الفلسطينية يجب أن تكون محصورة في مجلس وطني فلسطيني فقط، للتأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني في كل مكان، ووحدة قضيته، ووحدة أرضه ووحدة سرديته التاريخية. المجلس الوطني الفلسطيني المستند إلى ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية لعام 1968 الذي يعتبر الاحتلال الصهيوني لفلسطين باطلا من أساسه ولا يموت بالتقادم، وأن فلسطين أرض واحدة لا تتجزأ، وأنها أرض محتلة من نهرها إلى بحرها من عدو استعماري استيطاني إحلالي تفريغي عنصري، لا يقبل أنصاف الحلول، ووجوده نفي لوجود الشعب الفلسطيني. لذلك من حيث المبدأ فأنا والعديد من أبناء الشعب الفلسطيني، لا نرى أن انتخابات التشريعي والرئاسي تخدم مشروع إنهاء الاحتلال، بل هي تكريس لوهم حل الدولتين ونهج «الحياة مفاوضات». ومن يعتقد أن إعادة إنتاج التجربة القائمة نفسها على أوسلو ستأتي بنتائج مختلفة فهو مراهن على سراب.

الانتخابات الرئاسية

ولنقفز قليلا عن انتخابات التشريعي، وعلى فرض أنها تمت بدون عقبات، وهو أمر مستبعد، لنصل إلى الانتخابات الرئاسية في شهر يوليو المقبل. ينص المرسوم الرئاسي على انتخاب «رئيس دولة فلسطين» يوم السبت 31 يوليو. وهذا أخطر ما جاء في المرسوم. فالانتخابات تغيرت بجرة قلم من انتخاب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية إلى انتخاب دولة فلسطين، التي تعني حصريا «الضفة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة». وهذا يلغي ثلاث قواعد أساسية في المخيال والوعي والثقافة الفلسطينية: يحصر الشعب الفلسطيني في أبناء الضفة والقطاع، بما في ذلك القدس الشرقية فقط، ويحصر الأرض الفلسطينية في هذه المناطق التي لا تزيد عن 22% من فلسطين التاريخية، إذا ما خلت من المستوطنات التي أكلت نصف الأراضي، ثم يلغي حق العودة، ويحصر عودة أي لاجئ فلسطيني للدولة المذكورة. الفرق بين رئيس السلطة ورئيس الدولة كبير، فالسلطة كما فهم الشعب الفلسطيني، إجراء مؤقت لغاية الاتفاق على بنود الوضع النهائي، التي تشمل اللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود. إن الإصرار على تعميم وهم الدولة الفلسطينية، أضر بالقضية كثيرا بدل التأكيد على أن هناك شعبا تحت الاحتلال، من حقه أن يعمل بكل الوسائل لإنهاء الاحتلال، وما الانتخابات المقبلة إلا نوع من تعزيز هذا الوهم.

وأود أن أمر على الأسماء الثلاثة المتداولة حاليا لنرى ما هي مؤهلات كل منهم لتولي رئاسة «دولة فلسطين».

محمود عباس

في شهر يناير أكمل محمود عباس 16 سنة في الرئاسة، نعتبر أن 8 منها شرعية، على افتراض أنه خاض انتخابات التجديد ونجح فيها، وأن السنوات الباقية غير شرعية، لأنه لا يجوز له أن يرشح نفسه أكثر من مرة بعد دورته الأولى، ألا يكفيه 16 سنة رئاسة؟ أليس من الأولى أن يخلي المكان لإعطاء فرصة للجيل الأصغر ليخوض تجربة رئاسة السلطة تحت الاحتلال؟ وكيف يقبل على نفسه أن يخوض تجربة الانتخابات وهو في سن متقدم؟ وبما أن الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة خاصة يعرف الرئيس جيدا بعد 16 سنة من الحكم، فلست بحاجة للتعريف بإنجازاته الكبرى في تلك السنوات العجاف. ففي عهده توسع التنسيق الأمني «المقدس» واتسع الاستيطان وتغول المستوطنون، وانتشرت مافيات الفساد وحصل الانقسام الأيديولوجي والجغرافي بين الضفة وغزة، وعوقبت غزة، حيث منع عنها، الكهرباء والماء والدواء، وطُرد الموظفون أو أوقفت رواتبهم. وخلال هذه الفترة لم تشن إسرائيل إلا أربع حروب على القطاع: حرب «غيوم الخريف» على بيت حانون في نوفمبر 2006 ، وحرب «الرصاص المسكوب» 2008/2009 وحرب «عامود السحاب» 2012 وحرب « الجرف الصامد في صيف 2014، التي استمرت 55 يوما.. ناهيك من مسيرات العودة التي انطلقت يوم 30 مارس 2018 بمناسبة يوم الأرض، وما خلفت من آلاف الضحايا. ومن إنجازاته أنه جمع في يديه السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأقصى من دوائر صنع القرار كل من يخالفه الرأي واكتفي بمجموعة من المتزلفين والفاسدين. لقد حاولت أن أجد سببا واحدا مقنعا لإعادة انتخاب الرئيس لدورة جديدة بعد 16 سنة وعييت.

محمد دحلان

مسؤول الأمن الوقائي السابق، ويكفي أن تعرف ما معنى الأمن الوقائي الذي يحاول أن يقي أمن العدو، لا أمن الفلسطينيين، ولا أدل على ذلك من لغز تسميم ياسر عرفات من المقربين من دائرته، ومنهم مسؤولو الأمن الوقائي. هو الذي أثنى عليه الرئيس بوش وكلفته كوندوليزا رايس وإليوت أبرام مساعدها لشؤون الشرق الأوسط، بزعزعة الأمن في قطاع غزة، بعد فوز حماس ورصد مبلغ 58 مليون دولار للعملية التي أطلق عليها «عملية الانقلاب الصلب» لشطب نتائج انتخابات 2006، والنتيجة أن القوة التنفيذية التي أعدها سعيد صيام ابتلعته على الإفطار قبل أن يحاول أن يقضمهم على وجبة الغداء. فرّ هاربا من قطاع غزة إلى حضن محمد بن زايد، ليهندس العلاقات الإماراتية مع الكيان الصهيوني. وضع تحت يديه المال والأجهزة الأمنية والعلاقات الدولية، لتكوين مراكز قوى له في القطاع والضفة تحت يافطة التيار الإصلاحي. ولا نعرف كيف يتم إصلاح فتح؟ هل بدفعها أكثر إلى أحضان الصهاينة والمطبعين العرب؟ فهل الشعب الفلسطيني المناضل يستحق رئيسا هذه مواصفاته؟

مروان البرغوثي

أعتقد أنه في اللحظة الأخيرة سينسحب مروان البرغوثي من حلبة الانتخابات بالحسنى، أو بغير الحسنى وآمل ألا يحدث هذا. لكن نفرض أنه خاض الانتخابات فسيخلق حالة من النهوض الوطني العام. سيلتف حوله شرفاء فتح وقاعدتها العريضة غير الفاسدة، وسيصوت له غالبية الشعب الفلسطيني والفصائل وحماس وسيفوز بغالبية ساحقة تخلق معادلة جديدة على الأرض. فهو المناضل الذي قضى أكثر من نصف عمره في السجون، والذي لم يتخل عن فكر المقاومة «طالما بقي الاحتلال فعلاقتنا بالمقاومة علاقة الروح بالجسد» كما قال حرفيا. إن انتخاب البرغوثي وهو وراء القضبان سيوحد الشعب الفلسطيني ويعلي من شأنه رغم كل محاولات التشويه، فهو شعب يلتف حول المقاومين لا المقاولين. وسيخلق حالة من التعاطف العربي والدولي تتحول إلى ضغط لإطلاق سراحه، وحتى لو لم يطلق سراحه فسيظل رمزا للشعب المناضل. إنها رسالة لأصحاب برنامج المفاوضات إلى الأبد تقول لهم كفى «حلّوا عنا». نريد أن نعود لفكر المقاومة والمواجهة. وهل انسحبت إسرائيل من قطاع غزة بالمفاوضات أم بالمقاومة؟

وسوم: العدد 917