لا انتخابات دون سيادة وحرية إرادة

ما من فلسطيني كان بحاجة لمن يذكره بأن الكلمة العليا في الضفة كليا ، وفي غزة نسبيا ، لإسرائيل ، وأن حرية حركة السلطة في أي مجال خداع نفس . وترتيبا على هذه الحقيقة القاسية جاء خبر تحذير رئيس الشباك نداف أرجمان لعباس من تقدم فتح للانتخابات التشريعية بقائمة موحدة مع حماس ، وما ستؤدي إليه من تشكيل حكومة مشتركة تريدها حماس تمهيدا لانتخابات الرئاسة والمجلس الوطني . خبر الاجتماع ، ونداف يجتمع شهريا مع عباس لإعطائه التوجيهات والملاحظات المستخلصة من متابعة جهازه للشئون الفلسطينية ، بثته القناة العبرية الثانية عشرة ، وأفادت فيه أن مبعوثا أميركيا التقى عباس ، وحذره نفس التحذير . وفي خبرها أن نداف أوضح لعباس أن الإقدام على تشكيل قائمة موحدة مع حماس خطأ جسيم سيصعب عليه التراجع عنه لاحقا . ولم تكشف القناة القضيتين الأخريين اللتين حذر نداف عباس من القيام بهما . ولا ريب في أنهما تتعلقان بالانتخابات ومجمل الحالة الفلسطينية التي تسيطر عليها إسرائيل سيطرة كاملة على تفاوت بين الضفة وغزة . خطأ سلطة عباس الفتحاوية تجاهلها المطلق لحقائق هذه الحالة ، والتصرف كأنها ذات إرادة مستقلة ، وربما يحفزها إلى هذا التجاهل وما يتبعه من تصرف ظنها بأن خدماتها الأمنية لإسرائيل ستجعل هذه تتساهل معها ، وتغض النظر عن تصرفات منها توحي أو توهم بامتلاكها سيادة وحرية إرادة . إسرائيل ليست هكذا . قد تسمح بقدر من حرية الكلام ، مثل تهديد عضو في مركزية فتح بأن مشاركة أهل القدس في الانتخابات ستتم " غصبا عن إسرائيل " ، وفي لحظة الفعل تقول : " قف ! " . خطأ منظمة التحرير الفلسطينية التي أنتجت السلطة بعد أوسلو أنها قدمت العربة على الحصان ،أي قدمت مظاهر السيادة الجوفاء على تحرير الضفة وغزة من الاحتلال ، فتوالت الأخطاء تباعا . والمقدمات الخاطئة تفضي إلى نتائج خاطئة تقطع الطريق على كل محاولات التصحيح . وهذا ما حدث لتحرير غزة من الاحتلال في 2005 . تأثر سلبيا بالمقدمات الخاطئة التي صنعتها منظمة التحرير بإنتاج السلطة الخاضعة كليا للاحتلال ، أو بعبارة عباس " سلطة تحت بساطير الاحتلال " ، فأطالت عمر الاحتلال ، وخدمت توسيع الاستيطان . وجاء تحرير غزة في هذا السياق غير الملائم الذي قيده بمعطيات الحالة الفلسطينية التي تتحكم فيها إسرائيل كليا ، وتوجه مسارها لما ينفعها ويضر الفلسطينيين . لا انتخابات دون سيادة وطنية وحرية إرادة . في أي انتخابات في ظروف طبيعية يكون للأحزاب المتنافسة حرية مطلقة في الائتلاف مع من تريد من الأحزاب الأخرى ، وعند تشكيل الحكومة بعد فوز أي حزب تتكون ائتلافات جديدة لتشكيل هذه الحكومة . وهذا ما يحدث في إسرائيل التي هي من أكثر دول العالم اعتمادا على الائتلافات في تشكيل حكوماتها ، وأكثرها ظهورا للأحزاب الجديدة والانشقاقات الحزبية . الحالة الفلسطينية الواقعة في قبضة الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي لا تمتلك هذه المواصفات . أي انتخابات فيها يتحتم أن تكون على مقاس رغبات إسرائيل ، ونتائجها يتحتم ألا تتصادم مع هذه الرغبات الحازمة . وهذا ما كان في انتخابات تشريعي 2006 التي مازالت توابعها السلبية قائمة لتصادم نتائجها مع رغبات إسرائيل حين فازت فيها حماس . أبدا لا يصح إلا الصحيح  ، والصحيح أنه لا سيادة وطنية ولا حرية إرادة فلسطينية في الضفة وفي غزة لإنجاز انتخابات حرة وفق مصالحنا الوطنية . واستنتاجا ، وبعد تحذيرات نداف لعباس ، لن نتفاجأ إذا ألغى عباس الانتخابات نجاةً من المشكلات التي تفجرها . إنه "رئيس " بعد أحد عشر عاما من انتهاء رئاسته في 2009 التي بدأت في 2005 ، فليواصل هذه الرئاسة التي هي كل ما يريده من الانتخابات الجديدة ! وهذا ما تريده إسرائيل .  

وسوم: العدد 921