دحلان وادعاءاته مجددا

عالميا معروف عن السياسي أنه كاذب، وهو لا يكذب فحسب، بل يعرف إنك تعرف أنه يكذب ومع ذلك يواصل كذبه. ومحمد دحلان ليس استثناء، بل يتفوق عليهم ليس في الكذب فحسب، بل بتزوير الحقائق والأحداث والتواريخ. عشنا ذلك في مقابلته مع قناة «العربية» السعودية.. يقول دحلان في المقابلة «إنّ الشعب الفلسطيني عانى من الفقر والقهر والجوع طوال 15 عاماً» ولكننا لم نسمع يوما عن فلسطيني مات جوعا.. وما لم يذكره دحلان أنه كان جزءا من هذه «السلطة صاحبة هذه السياسات وأحد أعمدتها، وواحداً من المسؤولين الذين أصبحوا على حساب شعبهم، يملكون الملايين ومن أصحاب القصور.

يذكر أن دحلان لم ينتظر طويلا، وانتشرت مبكرا أخبار العديد من القضايا بحقه، منها فضيحة معبر كارني التجاري (المنطار) في غزة عام1997 ، حيث انتشر خبر أنه كان يُحوِّل 40% من الضرائب التي كانت تجنى من المعبر، وقدرها نحوِ مليون شيكل في الشهر، لحسابه الشخصي. وكذب دحلان أيضا عندما قال إنه في زمن أبو مازن أعيد احتلال الضفة عام 2002 بينما كان الرئيس عرفات لا يزال على رأس السلطة، ودحلان تخلى عنه في أحلك لحظاته. وخرج محمد دحلان من دائرة الرئيس عرفات، وانضم إلى دائرة أبو مازن «المدعوم أمريكيا» كان على خلاف مع عرفات حول عدد من القضايا، ليس أقلها عسكرة الانتفاضة الثانية، وليس كما يزعم أن خروجه على عرفات كان لأسباب سياسية ومطالبات بإصلاح الفساد.

وأنقل في هذا السياق ما قاله لي مسؤول كبير كان مقربا من عرفات، إن دحلان دخل ذات يوم إلى مجلس أبو عمار محتجا على الفساد المالي في السلطة، فرد عليه عرفات هازئا «ايه يا سي محمد خللي ناس تانيين يحكوا عن الفساد مش أنت، بالمناسبة قوللي من فين جبت الفلوس اللي اشتريت فيها فيلا الشوا، من حساب أبوك؟». ويقول دحلان إن «واجبي أن أساعد أبناء شعبي، سواء كنت في السلطة أو خارجها» وإنه لن يترك غزة يتيمة، وهو الذي يتمها مبكرا، بل هجرها منذ مواجهات 2007. ويبدو أن ذاكرته قصيرة، ونسي ما ارتكبه من أعمال قتل وذبح في قطاع غزة، وكيف كان دوما سيفا مسلطا على رقاب شعبه عندما كان رئيسا لجهاز الأمن الوقائي، بدءا من1994 ، وكيف أنه تصرّف في غزة وكأنها شركة قطاع خاص، فطغى وتكبّر واعتقل وعذب، لاسيما المنتمين لحماس، وحتى الانفجار الكبير. ونذكّره بالاتفاقات التي وقعها مع سلطات الاحتلال ومنها، الأمنية واتفاقية كنيسة المهد ومعبر رفح. يشار إلى أنه ومنذ توليه أول مسؤولية أمنية في السلطة عام 1994 وما تلا ذلك من تقلده مواقع أخرى في حكومة أبو مازن في 2003، لم يتجه دحلان نحو أي مشروع وطني للخلاص من الاحتلال، أو تقوية التنظيم، بل صبّ عمله على محاربة معارضيه، أو من يعتقد أنهم يقوضون أحلامه السياسية. ونظّم دحلان الفعاليات في غزة، حتى ضد الرئيس أبو عمار خلال محاصرته في مقر المقاطعة في رام الله. وانتقد دحلان ما تردد عن تشكيل قائمة انتخابية مشتركة بين فتح وحماس، متسائلا: كيف لفريقين يخوِّن أحدهما الآخر بالأمس أن يدخلا اليوم في قائمة موحدة؟ والرد رغم أنني لست مع قائمة مشتركة، هو كيف لخصمين لدودين سال بينهما الدم، وسقط بينهما مئات القتلى، أن يتصالحا؟ ونذكّر أن أحد الذرائع التي ساقتها حركة حماس لضرب الأجهزة الأمنية في غزة، هو اتفاقه مع الجنرال الأمريكي كيث دايتون المنسق الأمني للفلسطينيين للإطاحة بحكمها، ووصفت ما قامت به بضربة وقائية. ورغم ذلك نجح دحلان في 2017 في التوصل إلى تفاهمات مع حماس. وإلا كما قال شوقي «أحرام على بلابله الدوح، حلال للطير من كل جنس».

يتصرف دحلان وكأنه يحشد قواته استعدادا للمعركة الحاسمة والأخيرة، فاذا خسر هذه المعركة فستكون نهاية أحلامه في الوصول إلى رأس السلطة

حتى لو افترضنا أن ما قاله كان صحيحا، إن عباس يسعى ليكون مرشحا توافقيا لرئاسة فلسطين، بينما تبحث حماس عن مزيد من المقاعد في الانتخابات، فهذا تصرف انتخابي يحصل في كل مكان.

وقال: «أتحدى الرئيس عباس أن يخرج ليسرد على الملأ مآثره وإنجازاته طوال 15 عاما» ورغم أنني أرفض المقارنة، أقول إن دحلان نسي أن يسرد إنجازاته على مدى 15 عاما من وجوده في السلطة، فإضافة لما خلفه من قتلى وجرحى، أصبح من الأثرياء. إلى جانب السنوات العشر بعد هروبه من السلطة. وأضاف: «لا يصح أخلاقيا أن أصف نفسي بالممثل للشعب الفلسطيني لأنني خارج السلطة، وهو هنا يكذب مجددا، فكان في السنوات الخمس الأولى من عهد أبو مازن في صلب السلطة. ويتابع «وعن اتهامي بالعمل لصالح الإمارات فأقول: يكفيني فخرا وجودي في الإمارات، التي تعمل دائما لصالح الشعب الفلسطيني، وأنا موجود في أبوظبي من أجل العمل لصالح شعبنا الفلسطيني» وهذه كذبة أكبر، فهو موجود في الإمارات منفاه الاختياري، وحيث يجمع المليارات هذا أولا. وثانيا هل العمل من أجل فلسطين ممثل ببضعة آلاف من لقاح كورونا، وهل شعبنا بهذا الرخص يا دحلان؟ وهل نسي أنه يعمل مستشارا أمنيا لنائب حاكم أبوظبي محمد بن زايد «عراب التطبيع العربي» ومتورط باسمه في السودان وليبيا واليمن، وغيرها من البلدان، وكيف لم نسمع منه كلمة حول استيراد الإمارات بضائع المستوطنات. والواقع يؤكد أن بن زايد الذي يسعى لبسط نفوذه في أكثر من بلد، ويورط نفسه في أكثر من مشكلة خاسرة، مستخدما مدخرات الشعب الإماراتي، يطمح إلى أن يكون له موطئ قدم في السلطة الفلسطينية. وأكد دحلان «أننا لن نحصل على دولة فلسطينية حقيقية بدون تغيير النظام السياسي» لكن ما لا يوضحه دحلان هو كيف سيقود تغيير النظام السياسي لقيام الدولة الفلسطينية، إلا إذا كان لديه وعد من محمد من زايد. ويزعم أن من يدير شؤون مقر الرئاسة هي «الحجابات والمخابرات الإسرائيلية «الشاباك» والمخابرات الأمريكية «سي آي إيه» ولا تعليق. ويكذب دحلان أيضا عندما يقول، إنه لا يسعى للسلطة. فهو لم يتنازل قط عن أوهام زرعها في رأسه الأمريكيون والإسرائيليون بالسيطرة على السلطة منذ تسعينيات القرن الماضي، وامتدت إلى القرن 21، هذه الأحلام التي تجددت مع إعلان أبو مازن عن إجراء الانتخابات، يساعده فيها نظام السيسي والإمارات وجهات إقليمية أخرى، إذن فأبو مازن فتح الباب أمام الجميع في انتخابات حرة.

ويؤكد ذلك قوله في المقابلة، إنه يعطي «ضمانة لأبو مازن بأنه لن يكون المرشح الوحيد للانتخابات الرئاسية، وأنا واضح في كلامي، لن يكون المرشح الوحيد». ما يعني أنه يعد نفسه للمنافسة على هذا المنصب، الذي طالما حلم به. ومبكرا بدأ دحلان حملته الانتخابية، بسلسلة من المقابلات التلفزيونية، ودفع كبار مساعديه للعودة إلى غزة ومنهم عماد جار الله (المطلوب رأسه ثأرا) ورشيد أبو شباك خليفته في الأمن الوقائي، وسمير مشهراوي ذراعه الأيمن، إلى غزة بعد نفي اختياري لـ14 عاما، لاستقبال «القائد المظفر» مع حراسه الصربيين، الذين يحمل جنسيتهم نفسها وحصل عليها و10 آخرين من أسرته مكافأة له على صفقات السلاح. ويتصرف دحلان وكأنه يحشد قواته استعدادا للمعركة الحاسمة والأخيرة، فإذا ما خسر هذه المعركة فستكون نهاية أحلامه في الوصول إلى رأس السلطة، ولن تقوم له قائمة رغم كل ملياراته.

وبعودة كبار مساعدي دحلان هل سيصبح قطاع غزة ملاذا للفارين من عدالة السلطة في الضفة؟ وهل ستكون غزة قاعدة الانطلاق للاستيلاء على السلطة في رام الله، كما حلم دحلان في تسعينيات القرن العشرين، ومطلع القرن الحادي والعشرين، لخلافة ياسر عرفات خلال وجوده في السلطة، بدفع وتخطيط من جانب الولايات المتحدة ودول غربية أخرى؟ أم أن الأمور قد تتطور إلى معارك دامية بين الأطراف المتناحرة.

وأختتم بسؤال، هل يمكن أن يكون لناصر القدوة الذي فُصل من فتح قبل أسبوعين، بسبب استعداده لطرح قائمة انتخابية ضد قائمة فتح، ضلع في هذه المؤامرة التي تشارك فيها أطراف عدة، تبدأ من إمارات محمد بن زايد، مرورا بعمان والقاهرة وتحت شعار توحيد حركة فتح، وهل عودته الوشيكة، كما أعلن عنها صلاح البردويل القيادي في حماس إلى غزة لها علاقة، خاصة وهو الذي لم يزر القطاع منذ زمن، وأنه بعد فصله من فتح غازل الدحلان بقوله «ولديّ احترام كبير للكل بما في ذلك محمد دحلان الذي جاهد كثيرا من أجل الشعب الفلسطيني».

وسوم: العدد 921