نتنياهو يعترف

قبل وقف اطلاق النّار في حرب نتنياهو على الشعب الفلسطيني صباح هذا اليوم الجمعة 21 مايو 2019 بست وثلاثين ساعة أي عصر يوم أوّل أمس الأربعاء، قال نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيليّة بأنّه لا يوافق على وقف اطلاق النّار، حتّى يستكمل الجيش الإسرائيلي أهدافه، وأضاف أنه يجب هزيمة حماس، لأنّ نصر حماس هزيمة للغرب جميعه! وقد يتساءل البعض عن علاقة الغرب بهذه الحرب التّدميريّة الهائلة على قطاع غزّة، فيأتي اعتراف نتنياهو بدور اسرائيل في المنطقة، فتدمير قطاع غزّة تمّ بأحدث ما أنتجته ترسانة الغرب الإمبريالي، يكرّس نتنياهو دور اسرائيل كحارس لمصالح الإمبرياليّة العالميّة في المنطقة، ورغم جرائم الحرب التي ارتكبت في هذه الحرب الجائرة، وإرهاب الدّولة الذي تمارسه اسرائيل إلا أنّ دولا غربيّة مثل أمريكا، فرنسا، ألمانيا وغيرها ركّزت على حقّ اسرائيل في الدّفاع عن نفسها، وتناست جوهر الصّراع وهو الاحتلال الذي يشكّل أبشع أنواع العدوان والإرهاب، وهو المسؤول عن أعمال العنف المختلفة.

ونتنياهو الذي يدافع عن مصالحه الشّخصيّة أكثر من دفاعه عن شعبه ودولته، هو المسؤول عن كلّ ما جرى ويجري، فهو يعمل ولا يزال على تدمير حلّ الدّولتين، وعلى تكثيف الإستيطان اليهودي في الضّفّة الغربيّة وجوهرتها القدس، وهو من عمل على سنّ قوانين عنصريّة.

ونتنياهو الذي فشل في تشكيل حكومة اسرائيليّة جديدة، لم يدّخر جهدا في سبيل استرضاء أحزاب اليمين الصّهيونيّ، فأطلق قطعان المستوطنين في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، ليدمّروا وليجرّفوا الأرض وليستوطنوا، وليحرقوا المزروعات، وليقتلوا وليهاجموا البلدات العربيّة متى وكيفما يشاؤون تحت حراسة الجيش الإسرائيلي، ولم يكتف بذلك، بل سارع لتنفيذ التّطهير العرقيّ في الشّيخ جرّاح أحد أحياء القدس المحتلّة، وأطلق العنان للمستوطنين؛ ليقتحموا المسجد الأقصى بحماية الأمن الإسرائيليّ، وليعتدوا على الصّائمين الرّكّع السّجود في العشر الأواخر من شهر رمضان، في محاولة منه لفرض تقسيم المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم، بعد تقسيمه زمانيّا منذ العام 2007.

ويبدو أنّ اسرائيل و"العالم الغربي" الذي يدعمها في حربها على العرب والمسلمين لا يدركون حتّى الآن مدى خطورة المسّ بالمعتقدات الدّينيّة، وما يمثلّه المسجد الأقصى في العقيدة الإسلاميّة، ولو كانوا يدركون ذلك لما أقدموا على هكذا جريمة قد تدخل المنطقة والعالم في حروب دينيّة، يعلم مشعلوها متى يبدأونها، ولا يعلمون لا هم ولا غيرهم متى ستنتهي، لكنّهم لم ولن يسلموا لا هم ولا غيرهم من لهيب نيرانها. وواضح أنّ نتنياهو وحلفاءه الغربيّين قد وصلوا بعد أن خرج استسلام كنوزهم الإستراتيجيّة من السّرّ إلى العلن في تطبيع علاقاتهم وتحالفاتهم المجانيّة مع اسرائيل، إلى قناعات بأنّه لا يوجد في العرب والمسلمين من يقول لهم "كفى" توقّفوا عن طغيانكم. ولم يحفظ نتنياهو ماء الوجه لأتباعه وأتباع حلفائه الغربيّين من المتصهينين العرب، فسارع بتهويد القدس وبقيّة أراضي الضّفّة الغربيّة. ويبدو أنّ المتصهينين العرب هو أيضا لم يتعلّموا من التّاريخ، فمحمد بن زايد وليّ عهد الإمارات كما ورد في مذكّرات باراك أوباما الرّئيس الأمريكي الأسبق، اتّصل بأوباما معاتبا بعد أن طلب الأخير عام 2011 من الرّئيس المصري حسني مبارك أن يستقيل من منصبه، وتساءل ابن زايد عن تخلي أمريكا عن حلفائها بهذه السّهولة! فهل يعلم ابن زايد أنّه سيكون محظوظا إن كانت نهايته شبيهة بنهاية حسني مبارك عندما يصحو شعبه من سباته؟ وهل يعلم هو وغيره أنّ من يحمي أيّ حاكم هو شعبه؟

توحيد الشّعب الفلسطينيّ

ويلاحظ منذ نكبة الشّعب الفلسطينيّ الأولى في العام 1948، أنّ هذه هي المرّة الأولى التي يتوحّد فيها الشّعب الفلسطينيّ في أماكن تواجده كافّة" في الدّاخل، وفي الأراضي المحتلّة عام 1967، وفي الشّتات." ففلسطينيّو الدّاخل لم تتعامل معهم اسرائيل يوما كمواطنين متساوين في الحقوق، وحكومة نتنياهو اليمينيّة المتطرّفة شرّعت قانون القوميّة وغيرها من القوانين التي تكرّس "يهوديّة الدّولة"، وتكرّس النّظام العنصريّ على أساس العرق والدّين. فجاءت قضيّة المسّ بقدسيّة المسجد الأقصى؛ لتكون الشّعرة التي قصمت ظهر البعير. لكنّ الحكومة الإسرائيليّة لم تراجع حساباتها العنصريّة في التّعامل مع مواطنيها العرب، فسمحت لقوّاتها الأمنيّة ولغلاة المستوطنين بمهاجمة العرب، ووصلت العنصريّة مداها عندما طالب وزير الأمن الدّاخلي الإسرائيلي بإطلاق سراح المستوطن اليهوديّ الذي قتل أحد المواطنين العرب في مدينة اللد، كما طالب نتنياهو قوى الأمن والمستوطنين باستعمال القوّة لردع العرب "دون خوف من التّحقيق"! بل وصل به العمى السّياسيّ بأن اقترح دخول الجيش إلى المدن والبلدات الإسرائيليّة لحفظ الأمن فيها!

ومن المضحك في حماقات نتنياهو وفي محاولة منه لكسب أصوات النّاخبين العرب قبل شهرين في شهر مارس، عندما قبل بنصيحة مستشاريه باستغلال الثّقافة العربيّة التي "تحبّ الكنية" فخاطب النّاخبين العرب" انتخبوا أبو يائير". ،وها هو " أبو يائير" يكشّر عن أنيابه لهم بعد انتهاء الإنتخابات.

المنتصر في الحرب

لا يقاس "النّصر" في الحروب بعدد القتلى ومدى الدّمار اللاحق بطرفي الصّراع أو بأحدهما، وإنّما بنتائجها السّياسيّة، فتعريف الحرب كما جاء في القاموس السّياسيّ، "معركة سياسيّة عنيفة"، ففي الحرب الكونيّة الثّانيّة التي حصدت أرواح سبعين مليون إنسان، كانت خسارة الاتّحاد السّوفييتي الذي انتصر في الحرب أكثر من عشرين مليون نسمة، بينما كانت خسائر ألمانيا النّازيّة المهزومة ثلاثة عشر مليونا.

وفي حرب الأحد عشر يوما الأخيرة هذه هي المرّة الأولى التي يعيش فيها اليهود في تل أبيب والقدس حالة الحرب، عندما وصلتهم صواريخ المقاومة، لأنّ اسرائيل في حروبها السّابقة كانت تخوضها على أرض الغير، فهل يتساءل اليهود في اسرائيل عن أسباب ذلك؟ وهل يدركون أنّ من يسلب حرّيّة الآخرين سيفقد هو الآخر حرّيّته.

وإذا كانت الإحصائيّات تشير إلى أنّ كل قتيل وجريح يهوديّ يقابله أكثر من من عشرين شهيدا وجريحا فلسطينيّا، وأن كل بناية تضرّرت في اسرائيل من صواريخ المقاومة، يقابلها تدمير حارة أو شارع في قطاع غزّة، إلا أنّ نتائج هذه الحرب قد قلبت معادلات وموازين القوى في المنطقة لصالح محور المقاومة، ولفتت انتباه العالم إلى خطورة استمرار الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي العربيّة، وأكّدت من جديد أنّ القوّة العسكريّة لن تجلب الأمن والسّلام لأصحابها.

ملاحظة: إذا كانت الحركة الصّهيونيّة تعتمد على الغيبيّات الدّينيّة، وتعتبر فلسطين "أرض اسرائيل" التي وعد الله بها اليهود! فهل يعلمون أنّ الدّين الإسلاميّ يعتبر فلسطين من النّهر إلى البحر "أرض وقف إسلاميّ"؟

والحديث يطول.

وسوم: العدد 930