أليس من أوقفتموهم عن الخطابة لانتقادهم التطبيع يمثلون ضمير الأمة ؟

سؤال موجه إلى السيد وزير الشأن الديني وإلى من يعملون تحت سلطته أليس من أوقفتموهم عن الخطابة لانتقادهم التطبيع يمثلون ضمير الأمة ؟؟؟

على إثر توقيف أحد الأساتذة  الفضلاء عن الخطابة  مؤخرا في الجهة الشرقية   بسبب انتقاده التطبيع مع الكيان الصهيوني في الوقت الذي يبيد هذا الأخير إبادة جماعية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تقتيلا ، وتجويعا ، خطر ببالي  أن أطرح السؤال التالي على وزير الشأن الديني، و على من يعملون تحت سلطته  : أليس من أوقفتموهم عن الخطابة  لانتقادهم التطبيع، يمثلون ضمير الأمة  يا سيادة الوزير ؟ ألم تبلغ إلى علمكم  أخبار مسيرات الأمة الحاشدة ، ومظاهراتها الصاخبة ، وشعاراتها وهتافاتها المدوية  لوقف التطبيع ، بما في ذلك  قرع أواني الطبخ تنديدا بتجويع أهل غزة ، وكل  تحركات شهدتها العديد من مدن المملكة  ؟... وكلها  كان تعبيرا عفويا صادقا عن رفض هذه الأمة المسلمة الأصيلة  التطبيع تضامنا مع الشعب الفلسطيني المضطهد فوق أرضه المحتلة.

ألم  يكن الخطباء الموقوفون عن الخطابة  ـ وأنا واحد منهم ـ بسبب انتقادهم التطبيع إنذارا مبكرا، ينذر بمثل هذه المسيرات والمظاهرات المعبرة عن ضمير الأمة الحي ، و التي لم تحسبوا لها حسابا، لأنكم لا تولون اهتماما لضميرها ،وهي التي استأمنتكم على  أخطر أمانة على الإطلاق، وهي أمانة أمر دينها  ؟  أليس خطباء الأمة أمناء على هذا الضميرأيضا ، وهم يحملون مثلكم أمانة التبليغ  الناصح الصادق التي قلدها إياهم رب العزة جل جلاله ؟ وأي صمام أمان تعول عليه الأمة  في أمر دينها غير هؤلاء الخطباء ؟

 والغريب في الأمر يا سيادة الوزير أن ضحايا التوقيف من الخطباء بسبب انتقادهم التطبيع هم من رجال التربية ،وأنتم واحد منهم ، وهم الذين ربوا أجيالا متعاقبة من الناشئة المتعلمة ، ولم يسجل عليهم في مسارهم المهني ما يطعن في استقامتهم ،أوتفانيهم  أوإخلاصهم  في عملهم ،  أو قيامهم  بواجبهم ،أو حبهم لوطنهم ، وتفانيهم وإخلاصهم أيضا في قيامهم بواجب الخطابة ، ورعاية أمانتها ، وهم أهل  اختصاص، وأهل تمكن واقتداربحكم طبيعة عملهم . ولم ترعوا لهم يا معالي الوزير تضحيتهم فوق منابرالجمعة ، و فوق كراسي الوعظ والإرشاد لعقود  تطوعا لا تكسبا ، في وقت كان يعز فيه الخطباء ، ومع ذلك لم ترقبوا فيهم إلا ولا ذمة .

ولم يراجعكم في قراركم  المتسرع السادة رؤساء المجالس العلمية ، وهم من يرجع إليهم القول الفصل في مخالفات الخطباء مهما كان نوعها ، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم  مجرد استدعاء من أوقفتموهم  إلى مجالسهم لمساءلتهم ، أو على الأقل لتبرير قراركم ، بل سكتوا سكوتا لا يحسن بهم باعتبار مهامهم ، وباعتبار الأمانة التي قلدهم الله تعالى،  وأنتم  جميعا قد زايدتهم علينا في الوطنية ، ولم تستحضروا لحظة أننا على مسافة واحدة ،وعلى مقدار واحد من حب  هذا الوطن ، ومن توقير وحب من قلده الله تعالى إمارته .

 وعلى افتراض أننا أخطأنا ـ وما أظن أننا  فعلنا في انتقادنا للتطبيع  كما أثبتت الأحداث ذلك اليوم ـ ألم يكن من الحكمة أن تتصرفوا على الأقل كحكام لعبة كرة القدم ، فتخرجوا أولا ورقتكم الصفراء عوض الحمراء مباشرة ،علما بأن هذه الأخيرة حين يخرجها أولئك الحكام، يكون التوقيف بعدها مؤقتا ، وليس مؤبدا كما هو الشأن عندكم ؟  وإنا شأننا كخطباء موقوفين  وإياكم كما قال الشاعر :

أيذهب يوم واحد إن أساته             بصالح أعمالي وحسن بلائيا ؟؟؟

وإني لأذكر يوما أنني ألقيت خطبة بمناسبة عيد العرش ، وحضرها  يومئذ مندوبكم في الجهة دون أن أعلم بحضوره ، ولعله حضر بسبب سوء ظن أو وشاية بأنني لن ألتزم بشرط المناسبة ، ولما أنهيت الخطبة والصلاة دخل علي المقصورة ، وأخبرني بأنه زارني لأنه سمع بوعكة صحية مررت بها ، فاغتنم الفرصة للثناء على الخطبة ، والله أعلم بما أعلن وما أسر .

ومعلوم أن وزارتكم  الوصية على الشأن الديني خلاف الوزارة الوصية على الشأن التربوي ـ كما هو في علمكم ـ ترسل رسائل تشجيع بين الحين والآخر  للمتميزين من رجال التربية  ، ومع أنها مجرد شهادات تقديرية ، فإنها كانت تخلف أعمق الآثار في النفوس ، وتبعث على المزيد من بذل الجهد ، ولكن وزارتكم تعدم مثل هذا التشجيع ، وهي أسرع إلى العزل والتوقيف دون مراعاة ا بذل جهد  أوتفان في مهمة الخطابة ، ولا شك أنكم تعلمون أن الوزارة الوصية على الشأن التربوي لا تتخذ قرارالعزل والتوقيف باعتباره عقوبة  في حق موظفيها إلا بعد سلسلة من الإجراءات التأديبية المتدرجة ، وكان أولى بوزارتكم أن تكون من يعتمد هذا الأسلوب بحكم اختصاصها الديني الذي يحث على العدل والقسط ، بل ويراعي التماس الأعذار .

ولقد كنت أنتظر منكم معالي الوزير في هذا الظرف بالذات  أن تصدروا مذكرة لخطباء الجمعة تأمرونهم فيها بإدانة المظاهرات والمسيرات الشعبية  ضد التطبيع كما تفعلون بين الحين والآخر عندما يطرأ من الأحداث أو الأمور ما يستدعي ذلك لتكونوا منسجمين ومنطقيين مع موقفكم الذي اتخذتموه ضد الخطباء الموقوفين بسبب انتقادهم التطبيع كما تفعل الأمة اليوم ، ولم يكن ذلك منهم إلا تعبيرا عن الضمير الحي لهذه الأمة الذي ربما يكون قد مات عندكم  أنتم وبطانتكم من علماء، وأعضاء مجالسكم العلمية ، وفيهم  ـ يا حسرتاه ـ خطباء كانوا هم الأسبق للتعبير عنه.

فهل ستستجيبون معالي الوزير ومعكم علماء وزارتكم إلى صوت ضمائركم  إن كانت فيها بقية من حياة ، فتقدموا مجرد اعتذار للخطباء الموقوفين على ما لا يمكنكم ،ولا تستطيعون اليوم إنكاره على الأمة  الغاضبة من التطبيع ؟

وهل ستختارون مسار النصح لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكتابه ،ولأئمة المسلمين، وعامتهم ، لا تخشون في ذلك لومة لائم أم أنكم ستختارون مسار المدخلية التي يدينها الصادقون من علماء الأمة  ولا يرضونها لأنفسهم ؟

وإن جاز أن أقدم لكم نصحا، قلت لكم : لعلكم  جميعا على مواعيد قريبة من الرحيل عن هذه الدنيا إلى دار البقاء بحكم أعماركم  ، فاشتروا ممن ظلمتم من الخطباء مظلمة توقيفهم  قبل الحشرجة والندم ولات حين مندم .

وأخيرا  يا معالي الوزير ـ إن لم تقدم عذرا  أنت ومن ساهم في  قرار التوقيف ـ وسأقبله منكم أكرر لكم و  مرة أخرى أنني سأقاضيكم يوم العرض على الله تعالى ،وكفى بالله عز وجل يومئذ حسيبا ، وهو أسرع الحاسبين . 

وسوم: العدد 1072