الصاروخ اليمني في المشهد الإسرائيلي: مشاهدات أولية

لم يكن صباح الرابع من مايو 2025 صباحا عاديا في إسرائيل، بعدما استطاع صاروخ يمني أطلق من جماعة أنصار الله الحوثي، اجتياز أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية والسقوط في مطار بن غوريون، في حدث وصف إسرائيليا بأنه «حدث غير عادي». حدث لم يتوقف عن التكرار، وعلى العكس أكسبه التكرار المزيد من القيمة المادية والرمزية في مشهد التطورات الإقليمية، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن وقف متبادل لإطلاق النار مع الجماعة، ما اعتبر بدوره صدمة إضافية لإسرائيل، ضمن مجموعة «صدمات» الحراك الأمريكي المنفرد، بعد تحرك واشنطن على جبهات ممتدة من غزة إلى اليمن، ومن إيران إلى السعودية تحت مظلة المصالح الأمريكية، ودون التنسيق مع تل أبيب.

لا يكتسب صاروخ الحوثي أهميته من نقطة الوصول وأهمية مطار بن غوريون بالنسبة لإسرائيل فقط، ولا ما سبق السقوط من فشل لأنظمة الدفاع الجوي متعددة الطبقات، رغم أهمية تلك العناصر، بقدر ما يكتسب أهميته من السياق العام المحيط به، بداية من الوجود الأمريكي بالقرب من اليمن، سواء قبل أو بعد إعلان وقف عمليات الاستهداف الأمريكية، وما نتج عنه من انعكاسات بما فيها إلغاء اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي، والعديد من رحلات شركات الطيران بكل ما لحدث مماثل من انعكاسات اقتصادية وسياسية، خاصة في ظل تناقض الحدث مع خطاب إسرائيل المتكرر عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وقدرتها على دخول حرب متعددة الجبهات والقضاء على كل الأعداء.

يبدو التناقض واضحا بين إسرائيل، التي تحاول إعادة تعريف مفاهيم العالم وترسيخ سرديتها حول النور والظلام، والحضارة والهمجية، وهي تتجاوز كل التحذيرات الدولية حول المجاعة المتحققة في قطاع غزة، والتنديد الداخلي بعزلة إسرائيل دوليا، بما فيه حديث إيال زمير رئيس الأركان الإسرائيلي عن دور حرب غزة في تحويل الجنود إلى مجرمي حرب، ينتهي بهم الأمر إلى الإدانة في لاهاي. في حين تستمر تل أبيب في تكرار حديثها عن النظام الجديد، يبدو واضحا أنها لا تستطيع الوقوف أمام فاعل من النظام القديم يفترض أن لديه قدرات عسكرية أقل من القدرات العسكرية المتقدمة لدى تل أبيب، ومما تحصل عليه من الدول الداعمة، خاصة أمريكا. بدوره نقل مشهد الصاروخ اليمني في الرابع من مايو وما تبعه من صواريخ وصفارات إنذار ومشاهد هروب وفشل للمنظومة الجوية، اللحظة من خطاب غطرسة القوة الذي تصدره تل أبيب، خاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى حدود الواقع، حيث يمكن أن تقف الحياة في أية لحظة، وتظهر حدود القدرة العسكرية عالية التكلفة في مواجهة سلاح أقل من ناحية التكلفة المادية والقدرات التقنية، بما يعيد رسم المشهد وتناقضاته بين التصور والواقع، وبدء الحرب وقدرة الحسم، وسهولة القتل والتدمير، دون تحقيق انتصار حقيقي، كما يحدث في غزة، حيث يختفي النصر المطلق الذي لا يتوقف نتنياهو عن الحديث عنه. أوضاع تعيد إلى الواجهة تناقضات حديث النصر المطلق في مواجهة الانتقادات العسكرية والسياسية التي تشير بدورها إلى هزيمة إسرائيل المطلقة في غزة، حيث تستمر الحرب دون هدف ودون نتائج، بعيدا عما يرتبط بها من خسائر بشرية ومادية على الصعيد الفلسطيني، ومن الجنود والأسرى والرهائن على الصعيد الإسرائيلي، بالإضافة إلى الانتقادات الداخلية المتزايدة، التي وصلت إلى حد انتقاد تعدد الأسماء التي تطلق على مراحل الحرب المختلفة وسقف المتوقع منها، في حين أن كل ما يحدث هو المزيد من القتل والتدمير والتجويع.

ينقلنا المشهد أيضا إلى الحديث الأمريكي المثير للجدل حول أسباب العمليات التي يفترض أنها تستهدف القدرات العسكرية للحوثي، عبر استهداف اليمن وما تؤدي إليه من زيادة المعاناة والخسائر الإنسانية، والأطراف التي يفترض أن تتحمل تكلفة الخسائر الأمريكية، وكل ما ارتبط بها من محاولات توسيع الوجود وفرض الهيمنة وتعظيم المكاسب، دون دفع الثمن. تبرز هنا الرسائل المسربة من المحادثة التي تمت عبر تطبيق «سيغنال» في مارس 2025 حول استهداف اليمن، وضرورة تحمل الأطراف المستفيدة تكلفة العمليات الأمريكية، مع الربط بين «الاستفادة» وكل من مصر وأوروبا. وفي الوقت الذي تم فيه تقليل الاستفادة الأمريكية الاقتصادية من تلك العمليات، التي بررتها واشنطن بحماية الملاحة في العالم، فإن ما ذكر تاليا من مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمرور المجاني للسفن الأمريكية العسكرية والمدنية من قناة السويس، تناقض مع استبعاد إسرائيل من معادلة العمليات الغربية ضد الحوثيين، بداية من بروز دور الإسناد اليمني في معادلة حرب غزة، والجهود الأمريكية لحماية مصالح تل أبيب. في النهاية لم توجد تلك الأطراف من أجل حرية الملاحة، ولا تدفع ثمن الخسائر من أجل تحسين التجارة العالمية، التي تضررت بالعديد من القرارات التي اتخذها ترامب نفسه منذ توليه الرئاسة، ولكنها مثلت جبهة متقدمة للدفاع عن إسرائيل وحماية مصالحها، خاصة مع مطالبة واشنطن بعدم تدخل تل أبيب، ما قلل الضغط على إسرائيل مرحليا، وحول مشاركتها على ساحة جبهة اليمن إلى عمليات منفصلة، تستخدم في إيصال رسائل أكثر من مواجهة حرب فعلية. أوضاع قد تتغير في ظل إعادة رسم ترامب لتحركاته في الإقليم بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار في اليمن وتراجع حديث المرور المجاني من قناة السويس، دون إسقاط إمكانية عودة الحرب، وحديث المرور المجاني على طريقة الصدمات التي يتبعها ترامب في طرح مواقفه غير التقليدية، قبل التراجع عنها والعودة لها من أجل التوصل إلى نتائج قد لا تصل إلى حد المطلوب، ولكنها تقدم له أكثر مما كان قبلها.

يعيدنا صاروخ اليمن ومحاولة تحميل المنطقة العربية ثمن العمليات الغربية التي تتم من أجل حماية إسرائيل، والتخطيط لتحميل دول المنطقة ثمن القتل والدمار الذي تقوم به إسرائيل من غزة إلى لبنان وسوريا، دون قيود أو محاسبة، إلى مقارنة ذلك بما يحدث على المسرح الأوكراني، حيث حديث القانون الدولي والعقوبات المفروضة على روسيا لإعمار أوكرانيا، وغيرها من الخطابات والتحركات الغائبة عن غزة والمصالح العربية. وسط تلك الرسائل والتطورات التي شهدتها المنطقة على هامش زيارة ترامب يعاد تشكيل المشهد، حيث يستمر الإسناد اليمني، ويتزايد الحديث عن الربط بينه وبين أصل المشكلة التي يحاول الغرب التجاوز عنها، وهي حرب غزة والسياسات اللاإنسانية التي تتبعها إسرائيل ضمن سياسة العقاب الجماعي واستخدام التجويع، وجهود فرض التهجير القسري عبر القتل والمساعدات الإنسانية. بدورها تستخدم تل أبيب الصواريخ اليمنية لتشتيت الانتباه من خلال الربط بينها وبين التهديد الإيراني، بشكل يفترض أن يحل تل أبيب من كل القيود، كما أعلن إسرائيليا، مع التأكيد في مواجهة الصواريخ التالية على أنها صواريخ «إيرانية» ما يضع طهران في مقدمة التهديدات الأمنية الإسرائيلية، ويؤكد لواشنطن مخاطر التحركات الأمريكية المنفردة على أمن إسرائيل.

بهذا، يخلط الصاروخ اليمني الأوراق الإسرائيلية، ويطرح المزيد من التساؤلات الداخلية حول حدود القوة وقدرتها على حماية الأمن. كما يعيد التأكيد على الهدف النهائي وهو وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات إلى القطاع الذي يواجه مستوى غير مسبوق من المجاعة. ويبرز في الوقت ذاته التناقضات بين خطاب القوة والشرق الأوسط الجديد، وواقع الفشل في مواجهة تلك الصواريخ رغم الدعم العسكري، الذي يقدم من العديد من الدول الغربية بالمخالفة لمناشدات وقف تسليح تل أبيب، ووقف المشاركة في الإبادة التي تشهدها غزة، ومعها التساؤلات الكبرى حول غياب وتغييب القانون الدولي والحقوق والحريات الإنسانية.

وسوم: العدد 1126