عُدْتِ يا مِصرُ، و العَوْدُ أَحمَدُ
محمد عبد الرازق
بعد طول غياب عن المسرح السياسي ( عربيًّا، و إقليميًّا ) هاهي مصرُ تعود لتشغل مكانتها اللائقة بها على هذا المسرح بقيادة رئيسها المنتخب ( ديمقراطيًّا ) الدكتور محمد مرسي.
و فيما يتعلق بالملف السوري فإنَّ هذه العودة تُعدُّ فأْل خير لها، فالسوريون مازالوا ينظرون إلى مصر على أنها الشقيقة الكبرى لهم، و هم بانتظار موقف عمليٍّ منها يجلِّي الغموض الذي ران على موقفها طيلة فترة حكم المجلس العسكري المصاحب لثورتهم، و ما زالت ذيول هذا الموقف قائمة إلى اليوم، فقبل يومين عبرت قناةَ السويس بارجةٌ عسكرية إيرانية محملة بالسلاح باتجاه الشواطئ السورية، و كان من المنتظر أن يكون لمصر شأن معها.
إنَّ ما نُقِلَ عن الرئيس مرسي في أثناء حملته الانتخابية عن الدور الإيراني السلبي في الأحداث الجارية في سورية أرسلَ إشارة إيجابية في حينها، و بالتالي فإنَّه من المتوقع أن يتمَّ البناء عليها بعد أن أصبح رئيسًا؛ لذلك ترانا ننظر إلى المبادرة المصرية لحلِّ الأزمة سلميًّا بعين ملؤها الرضا، على اعتبار أنها إذا لم تأتِ بجديد للسوريين، فإنها لن تنقصهم حقوقهم.
فالسوريون ليسوا من هواة القتل، فثورتهم بدأت سلمية، و هم يتوقون للعودة إلى ساحات التظاهر بعيدًا عن آلة القتل الجهنمية التي وجهها النظام نحو صدورهم. و ما حملهم للسلاح برغبة منهم بقدر ما هو ضرورة دفعهم إليها النظام دفعًا.
لقد انكشف عوار الموقف الدولي تجاه الثورة السورية؛ و ما عاد الركام اللفظي من المواقف يقنع أيًّا من أبنائها. و هم بحاجة إلى مواقف عملية تتعدى فُتات الموائد إلى ما يُسرِّع من إنهاء هذه المأساة من خلال السماح بوصول الأسلحة النوعية التي تُفقِدُ النظام أمضى سلاح بات يقتل به الشعب، و هو سلاح الجو ( المروحي، و الثابت ).
في ظل حالة الاحباط هذه التي باتت تفرض نفسها عليهم تأتي تصريحات الرئيس مرسي في مؤتمر دول عدم الانحياز المنعقد حاليًّا في طهران، التي جلَّى فيها موقف مصر الحالي تجاه مطالب الشعب السوري في حقه بالحرية، و الديمقراطية، و التخلص من نظام الأسد؛ لتؤشِّر على بداية نهج جديد في التعامل مع القضايا الاسترتيجية العربية، و الإقليمية. و هي رؤية في السياسة طال انتظارها من الشقيقة الكبرى مصر.
لقد انقسم الشارع العربي على نفسه حينما أُعلن عن مشاركة الرئيس مرسي في هذه القمة لسببين اثنين:
1ـ لجهة مكان انعقادها في طهران، الداعم الأكبر، و الشريك الأعظم لنظام الأسد في الجرائم التي يرتكبها ضد السوريين.
2ـ لتزامنها مع المبادرة الإيرانية، التي روجت طهران أنها ستطرحها خلال هذا المؤتمر؛ حيال ما يجري في سورية.
و نحن كطرف معنيّ بالمبادرة المصرية لم نرَ غضاضة في هذا الحضور؛ فليس حضور الرئيس مرسي في مؤتمر طهران بأقلَّ جدلاً من حضور أحمدي نجاد في مؤتمر مكة الأخير. ثمَّ ما الضير في أن يسمع الإيرانيّون في عقر دارهم أن الدقائق المتبقية في عمر حليفهم الأسد قد لا تفي للقيام بحركة اِلتفافية من قبلهم بعيدًا عنه.
لا بأس عليهم أن يراعوا مصالحهم في المنطقة؛ شريطة أن يكون ذلك بعيدًا عن دعم أنظمة القتل التي أصبح وجودها عبئًا عليهم، و أججت تجاههم مشاعر الغضب و الكراهية، و هو الأمر الذي سيندم عليه ساستهم كثيرًا مستقبلاً.
إنَّ عودة مصر إلى دورها العربي، و الإقليمي إلى جانب السعودية، و تركيا أمرٌ مرحبٌ به من قبل الشعب السوري؛ لأن هذه الدول الثلاث موضع ثقة في تعاطيها مع الملف السوري، و قد باتتْ تنظر إلى نظام الأسد على أنه عبءٌ عليها، كما هي الحال على الشعب السوري، و لم تعُدْ تحفل بتصديره الأمن لها؛ فمن يُصدِّر الأمن في يوم سيكون الخوف بضاعةً له في يوم آخر.
إنها لعودةٌ مرحبٌ بها من الشعب السوري، و هو يأمل أن تتبوَّأ فيها قضيته موضع الصدارة ضمن الملفات العربية، و الإقليمية؛ لأنه لم يعُدْ يحتمل أن تكون في موضع الانتظار بعد أن أوغل نظام الأسد فيه قتلاً، و دمارًا، و لاسيما بعد أن أعلنها صراحة أنه ماضٍ في سعيه لكسب المعركة مهما كلَّف الثمن.