عندما تغدو المجازِرُ مَسْلَكًا

عندما تغدو المجازِرُ مَسْلَكًا

محمد عبد الرازق

لحكمة أرادها الله قدَّر لمجزرة (الحولة) أن تشيعَ، و تنتشر، و من بعدها محزرة ( القبير)، و قد حركتا بقايا من ضمير الإنسانية المتبلِّد عند أصحاب المصالح المادية التي علَتْ قاماتُها على أشلاء الشعب السوري؛ فبدَتْ خضراء من كثرة ما ارتوت به من دماء هذا الشعب الطاهر الأعزل. و هاتان المجزرتان ليستا الوحيدتين في سجل النظام الرهيب؛ فربوع سورية ذاخرة بقصص و حكايا عن مجازر لا تقلُّ بشاعة عنهما, فأنت حيثما تجولت في مناطق أغارَ عليها مغاوير الأسد تسمع من الآلام ما يبكي صخور الجبال الصمَّاء.

 هل سمعتَ أيها العالم المتبلِّد بما جرى في ريف إدلب الشمالي قبل أشهرٍ قليلة عندما أطلقت صواريخ المروحيات على أناس عُزلٍ في الجبال، و الأراضي الزراعية فأحالت رؤوسهم، و أجسادهم إلى أشلاء و تجاويف تشبه أي شيء ما عدا أن تكون هياكل بشرية؛ لقد اتصل بي أحد الأصدقاء و أخبرني أنه رأى فديو لرجلين من بلدة كللي من بيت ( خرزوم ) قامت قوات الأسد بإطلاق النار عليهما فاحترق من جراء ذلك جسماهما، و فصل اللحم عن العظم بشكل يدعو للقشعريرة، و تجوَّف رأساهما حتى لم يبقَ فيهما إلاَّ العظم، و حدثني و هو رجل خبير في الطب الجنائي أنه لم يسبق له أن رأى مثل هذا الإجرام طيلة عمله المهني، لا بل حدثني أيضًا عن شاب من بيت غنيمة تمَّ قصف سيارته بصاروخ آثم أطلقته مروحية ضلَّتْ طريقها من الجولان المحتل فمزقت و حرقت جسده النحيل حتى لم تترك له إلاَّ قطعة من اللحم يصعب على أيٍّ من الناس حتى الأقربون أن يعرفوا هوية صاحبها لولا أنه عُرِف من خلال سيارته التي كان يحتمي بها من نيران المدرعات و المروحيات عند هجومها على تلك البلدة الواقعة في الريف الشمالي لإدلب، و ليست في هضاب الجولان المحتل، فقلتُ له: و ماذا لو حدثتك عن فظائع لا تقلَّ وحشية عنها في: تفتناز، و إدلب، و كفريحمول، و كفر تخاريم، و مناطق معرة النعمان، و جبل الزاوية، و قرى و بلدات جسر الشغور.

 ألمْ يرَ العالم ما كان من فِعال الأسد في تلك القرى و البلدات الوادعة، ألم يسمعوا عن تهديد، و وعيد ( نوفل الحسين، ريس فرع المخابرات العسكرية في إدلب) الذي توعَّد محافظة إدلب بمصير يجعل محافظة حمص الجريحة تبكي عليها؛ لهول ما سيحلُّ بها حينما تغزوها كتائب الأسد؟

 لكِ اللهُ يا سورية الحزينة؛ لقد حلَّت بربوعك الآلام و الأحزان من جراء تلك المجازر التي تذكرنا بفِعال هؤلاء الشراذم في غابر الزمان في: بغداد، و حرم مكة، و البحرين؛ عندما غزاها أحفاد القرامطة، و الحشاشين، الذين جعلوا المجازر مسلكًا لهم في التعامل مع أبناء الأمة الإسلامية.

 و يبقى السؤال الذي يلحُّ على الذهن: ما هو المطلوب من أبناء سورية أن يقوموا به تجاه هذا المسلك الذي غدا سمة لتعامل النظام مع الشعب في قراهم و بلداتهم عندما تجتاحها شراذمُه؟

 نقول: عليهم أن يأخذوا حذرهم، و يحتاطوا لمثل ذلك؛ فهذا حقٌّ كفلتْه لهم الشرائع و القوانين قديمًا، و حديثاً، و لا يسمحوا لشلة من شُذاذ الآفاق أن تنال من أعراضهم، و أموالهم، و دمائهم؛ فمن مات منهم دون ذلك مات شهيدًا إن شاء الله. و كما يقول شعبنا في أعراسه اليومية: ( الموت، و لا المذلَّة).