وحدة المعارضة بين الأماني والواقع
وحدة المعارضة بين الأماني والواقع
عقاب يحيى
أشهر والحديث عن وحدة المعارضة يتكرر ويتناوب شدة، واستيقاظاً، ونوماً ليعود هذه الأيام قوياً وبرايات الجامعة العربية التي تنوي ـ أخيراً ـ الدعوة لاجتماع في منتصف الشهر، إن تحقق ذلك ..
على مدار أشهر الثورة العظيمة التي تعاني ـ حتى اليوم ـ توليد قياداتها السياسية من بين صفوفها، الأجدر على حمل هويتها ومطالبها والدفاع عنها وتمثيلها في الداخل والخارج.. والكلام لم ينقطع عن المعارضة، وشرذمتها، وخلافاتها، وفصولها، وتصدير هذا الوضع دريئة للتصويب، أو ذريعة للنظام العربي ممثلاً بجامعته المنهكة، والمجتمع الدولي عبر هيئته الأممية، أو الدول صاحبة القرار والتأثير، والحجة ذاتها، بما جعل عديد المندفعين يعتقدون أنه لولا فرقة وتشتت المعارضة لفعل المجتمع الدولي المطلوب منه، ولاتخذ قراراته الحاسمة وفعل العجائب، وأسقط، أو أسهم في إنهاء نظام الطغمة .وهناك اليوم كثير من السوريين، والمحللين والكتبة من يحمل وضع المعارضة، أو " غموض" مواقفها، ورؤاها، وبرنامجها، أو ضعفها وعدم قدرتها على تشكيل البديل الجاهز.. المسؤولية، وأن الغرب لم يطمئن بعد إلى خط المعارضة ومقدراتها..ناهيك عن تنوع التحليلات عن الإسلام السياسي والإسلاموية، والقاعدة والسلفية، والوطنية السورية المتجذرة، والجولان وفلسطين والتسوية السياسية ..والنتيجة : أن كل الأوضاع في ملعب المعارضة.. وأنه عليها أن تلتقي وتتحد.. وإلا ...
ـ الحقيقة ليست كذلك أبداً، وأمر المواقف الدولية وأبعادها، وخلفياتها، وحساباتها لا علاقة له بوضع المعارضة وحالها، وإنما باعتبارات ومشاريع ومصالح متشابكة : داخلية وخارجية، دون إغفال دور الصهيونية العالمية وتأثيرها في تعفن الوضع السوري، وخراب الدولة، وتعميق الشروخ العمودية، وإغراق وطننا الحبيب بالشهداء والدماء والأحقاد كمثقلات عنيدة ستواجه أي وضع انتقالي قادم، وربما احتاج الأمر سنوات وسنوات من استنزاف داخلي وانشغال بها كمهمة لا تقبل التأجيل، وبما يؤدي إلى الإرهاق، وطلب عون الخارج المحمل بالشروط القاسية، أو الإذعان لاشتراطات تتعلق بالتسوية والصلح مع كيان الاغتصاب، وفي جوهر معنى استقلال القرار القادر على وعي منطق المصالح والتعامل معه بوحي الوطنية السورية، وليس من موقع الخضوع والتبعية .
ـ الدول الكبرى عندما تنضج قراراتها لن تسأل عن المعارضة وحالها، ولن تستشيرها، أو تأخذ بوجهة نظرها، وفي أحسن الحالات ستستخدمها عرائس كراكوز في مسرحها العنيف،وواجهات خلبية لا أكثر. لهذا فكل الجعجعة عن تشتت وخلافات المعارضة، وآثار عدم وحدتها على مواقف الهيئة الأممية والدول الفاعلة فيها،وخارجها.. نوع من تبرير وتمرير.. يشبه تماماً مبادرات الفرص التي أعطيت للنظام، أو اللعب في الوقت الفارغ، لأن تلك الدول، ولأسباب متراكبة، لا مكان لتناولها هنا، لم تصل بعد إلى حسم أمرها واتخاذ قرار بالتدخل، وهي تريد رمي الحجارة على المعارضة للهروب من التزاماتها، ولمزيد من انهيار الوضع السوري،وتوسيع الهوة المجتمعية بين مكونات الشعب، كما تتصور، وصولاً إلى ما يشبه الانهيار، حين يكون التدخل ـ إن حدث ـ استجابة واجبة لاستغاثات سورية تصل مستوى إنقاذ الشعب والوطن من الإبادة الشاملة .
ـ في جميع الحالات، وبغض النظر عن الوضع الدولي، أو العربي ودوافعهما، فإن وحدة عمل المعارضة يبقى هدفاً حيوياً إن كان ما يرتبط بدورمثل تلك الخطوة في تقديم العون الجدي للثورة، والانخراط المجدي فيها،والإسهام في بلورة رؤاها وتكتيكاتها، ومهامها البرنامجية، أو حتى فيما يخص العلاقة بالخارج لجهة التعامل معه من موقع الند، والقادر على الدخول طرفاً قوياً في المعادلة الدولية، وتحويل المواقف الدولية لصالح تحقيق الهدف المركزي : إسقاط الطغمة، وبما يحول دون فرض شروط تتعارض وجوهر الثورة وأهدافها في الحرية والكرامة،وبناء دولة عصرية تعيد بلنا لموقعه الطبيعي في الوطن العربي والإقليم والعالم . وبما يمنع، أو يحدّ من مخططات النظام الخبيثة بجر البلاد نحو الحرب الأهلية، وتنفيذ ما يرومه من دمار، واستقدام للتدخل العسكري الخارجي .
ـ لكن وحدة عمل المعارضة، واقعياً، أمر يتجاوز الأمنيات والرغبات لأنه يواجه واقع التعدد في الرؤى والمواقف والأساليب، والبنى والمرجعيات شأن معظم معارضات الدنيا، وربما مع فارق يعود لثقل آثار عهود الاستبداد وما فعلته فيها من ضعف، وتذرية، ومن تجفيف بحيرات الرفد حولها، وتلك المسافات القسرية، والنتاجية التي حصلت بينها وبين الأجيال المتعاقبة، بما أصابها بالشيخوخة، وتصلب الشرايين، وتكلس الخطاب، والعجز عن القيام بعمليات تطويرية تجعلها أكثر قابلية على الحياة، وعلى الاندماج بالجيل الجديد الذي فجر الثورة وقادها .
ـ بواقع الحال يجب رصد تطورات إيجابية كبيرة حصلت في مواقف ورؤى معظم أطياف المعارضة القديمة، خاصة لجهة الموقف من النظام، حيث، وبينما كانت مواقف بعضها جذرية منذ البداية من وعي مكونات النظامواستحالة إصلاحه، أو قدرته على الإصلاح، نرى أن المواقف الوسطية، والطرية، والرهانية لبعضها قد عرف ضمورا لصالح الاقتراب من مطالب الثورة في الشعار المركزي لها : إسقاط النظم بكافة رموزه ومرتكزاته، والذهاب خطوات أوضح فيما يخص رفض الحوار معه، واستبدال ذلك بالتفاوض مع من لم تلوث ايديهم بالدماء، شرط أن تسلم صلاحيات الوريث القاتل لنائبه، وإقرار الشروع في مرحلة انتقالية عبر تشكيل حكومة مؤقتة تتولى مهاماً محددة لمدة عام على أبعد تقدير يتم خلالها إعداد دستور عصري تعددي، والشروع في انتخابات تنافسية لبرلمان تشريعي سيد .
ـ هذه التطورات ورغم ما يشوبها من مراهنات لدى البعض على قابلية معينة في التعامل مع النظام تحت شعار تسليم السلطة لجهة أخرى،والخلاف القائم حول الجيش السوري الحر ودوره ومستقبله، ومفاهيم السلمية، وطلب الحماية الدولية، والمناطق العازلة والممرات الآمنية، والوقوع في أوهام الدعوة للتدخل العسكري الخارجي من البعض الذي يقابله لهوجة سطحية، وشكلانية في رفع شعارات رفض التدخل الخارجي على الطالع والنازل، وكأن بأصحابه مسّ من خوف باتهامهم باللاوطنية، وكأنهم حريصون على تقديم " حسن الوطنية" للنظام..فإن هذه التطورات، وما رافقها من وعي واجب إيقاف الحروب البينية، ونهج الانقسام، والاتهام والتصنيف، وتجسيد التعددية، والحق في الاختلاف، إنما توفر مناخاً صالحا لنهوض شكل من التعاون والتنسيق بين مختلف المكونات السياسية، يتيح لكل جهة أن تعمل وفق ما تراه مناسباً من أشكال شرط أنتصبّ في المجرى العام : نهر الثورة ..
ـ بالمقابل.. فالخلافات التي تكتسي طابعاً موضوعياً، ويتداخل فيها الذاتي المنوّع بكثافة وقوة تأثير تضعف آمال المراهنين على التوصل لنتائج مهمة، ومؤثرة،وقابلة للحياة.. في ةحدة عمل المعارضة، أو لقاء القاهرة المزمع عقده تحت سقف وراية الجامعة العربية، ويمكن أن يصطدم، منذ البداية، بقصة مشروعية التمثيل، ونسب التمثيل، والجهة الداعية، والنتائج المتوقعة، خاصة فيما يتعلق بما يمكنطرحه من أشكال تنتج عن اللقاء. فالمجلس الوطني، على سبيل المثال، يعتبر نفسه الجهة الممثلة لأوسع طيف معارض، والذي حصل على اعترافات دولية واسعة تجعله حقيقة واقعة بغض النظر عن إشكالاته،وأدائه، ومستوى مأسسته،ولن يقبل، والحالة هذه ولادة، أوتشكيل هيئة بديلة، أو منافسة له. وبدورها" هيئة التنسيق" التي تحاول النفخ بدورها، وثقلها، وتمثيلها للداخل ستعمل، عبر علاقاتها الطيبة بالجامعة العربية، والأمين العام على انتزاع أكبر نسبة تمثيل لها، توازي، مثلاً حصة المجلس الوطني، أو أقل قليلاً(إن تواضعت) ، كما ستعمل بكل الوسائل على طرح صيغة قيادية تكون فوق الهيئات القائمة، تتولى عمليات التنسيق والتمثيل، الأمر الذي سيرفضه المكتب التنفيذي للمجلس الوطني بالتأكيد، وبما يطرح أسئلة حقيقية عن إمكانية انعقاد اللقاء، أونجاحه، مع إبقاء احتمال مقاطعة " هيئة التنسيق" قائماً إن لم تنجح في تحصيل الحد المقبول الذي تحاول فرضه .
ـ من جهته يطرح " المنبر الديمقراطي" بشخوصه المعروفة نفسه كطرف مهم، وقد يطمح بعض قادته إلى القيام بدور قيادي يتوسط بين موقع المجلس الوطني، وهيئة التنسيق، في حين أنمواقف قياداته المعلنة أقرب إلى مواقف هيئة التنسيق، واقعياً، وإن حاولت التمايز عنها، واستباقها في بعض المفاصل والتفاصيل .
ـ وهناك قوى عديدة في الداخل والخارج تعتبر نفسها قوة لها الحق في المشاركة، وقد لا تكون مدعوة، او بنسب تمثيل هزيلة، ك"إئتلاف وطن" الذي يضم عدداً من التيارات والمكونات في الداخل، و"تيار بناء الدولة"، والتيار العربي الديمقراطي، والكثير، والعديد من التشكيلات والتيارات التي نهضت في الخارج ..
ـ مع ذلك يبقى اللقاء المزمع للمعارضة في القاهرة معطى حيوياً، ومهماً يستوجب من جميع أطراف المعارضة التفاعل الإيجابي معه، والمشاركة فيه، وبذل الجهد العملي لتجاوز العصبوية، ونهج الاختلاف ، والذاتية للالتفات إلى المشترك العام والبناء عليه، وأهمية ذلك في لوحة،ومسار الثورة السورية التي تمرّ بمنعرج مفصلي، والتي تحتاج دعم المعارضة بكل السبل والإمكانات، وليس أن تبقى عبئاً عليها، وعامل تيئيس، وتفريخ للأزمات، وسيكون مهماً أيضاً وبدرجة كبيرة في وضع الجامعة العربية، والهيئة الأممية أمام مسؤولياتهما المباشرة بقطع دابر الحجة المطروحة، والضغط عليهما لتقديم الدعم المأمول لشعبنا وثورته.