عن الحمام والرمل
يوميات إبراهيم جوهر؛
عن الحمام والرمل
إبراهيم جوهر -القدس
في الأول من أيار هذه الأيام ( أيام هذا الزمان ) يعمل العمال ، ويحتفل الموظفون ! الموظفون يعطّلون ويفرحون ، وفي أوقات الفراغ يحكون عن هموم العمل وشقاء العمال !
كانت المناسبة في سنوات خلت مناسبة للتعبئة والتنظيم والحشد والتوعية ،
اليوم أضحت باهتة تحمل ظلالا من العبث وشيئا من رفع العتب ، وكثيرا من احتفالات رفع العتب ، والصور والأخبار .
بات العمل النقابي في بلادنا يرثي حال نقابييه ، والعمال العاطلون ينتظرون فرصة عمل ، بينما هناك من يخطب باسمهم في الاحتفالات .
حال عمالنا من حال شعبنا ، وقضايانا . حال من رمل ، وهديل ، ودموع ، وأعشاش تبنى فوق الرمل .
هذا الصباح ، وأنا في عطلة يوم العمال (!) كان بإمكاني مراقبة جارتي البلهاء الغبية المتقاعسة ...تلك الحمامة البرية التي ظلت تلحّ بإصرار غريب على عودة جزئها الآخر الغائب ، ولعل هذا الإلحاح ( حسنتها) الوحيدة ...
راقبتها وهي ( تبني) عشّا جديدا فوق الدالية القريبة من الشباك أمام منزلي . اكتفت بعدد من الأوراق الناشفة عشّا لها ، تلك الكسولة .
تميل إلى الدعة والراحة معتمدة على النوايا الطيبة وصدق الأقارب ...تماما مثلنا ! إنها تشبهنا هذه الحمامة التي سألني عنها صباح اليوم صديقي الساخر ( محمد مكي) .
كانت في بداياتها الحمائمية (!!) نشيطة فذهبت إلى آخر مدى وعادت لتبشّر بالحياة . اليوم بعدما أسلمت مهمتها للجرافات التي تحمل الزيتون بأكمله وتقتله ، واكتفت بالقعود والاعتماد على المساعدات التي يمنّ بها المحسنون ، لم تعد رمزا صالحا للحياة ...
( الحمامة الحديثة) ذات الأنياب ستقتلع مؤسستين مقدسيتين كبيرتين هما ؛ مستشفى المقاصد وشركة الكهرباء ،
المشاورات للتعديل الوزاري بدأت ،
المصالحة قريبة بعد التدخل المصري ،
الطلاق على الشاشة ،
السياسيون يكتبون بأقلام الأدباء ،
الشاعر العربي المخضرم ( تميم بن مقبل ) قال :
ليت الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم . وقال الشاعر ( محمود درويش ) : ليت الفتى حجر ، ليت الفتى شجرة .
ليت الفتى حمامة ...حمامة نوح ، لا حمامة حديثة بأسنان معدنية تقتل الحياة والزيتون .
ليت الفتى رمل يعرف طريقه ، ويصر على البقاء ، ويحارب الذوبان .
هل يذوب الرمل في الماء ؟!
رمل اليوم غطى العيون والبلاط والسيارات ، ودخل العيون والرئتين .
الرمل لا يقاوم . الرمل يقاوم .