دولة واحدة أم دولتان
دولة واحدة أم دولتان
جميل السلحوت
بعد أن فرضت الحكومة الاسرائيلية وقائع استيطانية على الأرض تجعل إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية ضربا من ضروب الخيال، ارتفعت أصوات فلسطينية تنادي بالدولة الواحدة، وهي الفكرة التي طرحتها منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح منذ تأسيسهما في أواسط ستينات القرن الماضي، وفي نفس الوقت فإن الحكومة الاسرائيلية تطرح يهودية الدولة منذ سنوات، بغض النظر عن حقل الألغام الذي يختبئ خلف هذا الطرح، وما يعنيه من ادخال الصراع في حلقات مفرغة لإبعاد الأنظار عن الحلّ السلمي للأزمة، والذي يكمن في إنهاء الاحتلال وكافة مخلفاته، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس العربية، وإيجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين.
ومما لا شكّ فيه فإن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تجيد فنّ إدارة الصراع بشكل لافت، لتكسب الوقت وتنفذ المشروع الصهيوني طويل المدى، والذي يتمثل بالتوسع واحتلال أراضي الغير، والذي يتخطى حدود فلسطين التاريخية، ولعل نشيدهم "للأردن ضفتان: الأولى لنا والثانية لنا أيضا" والذي لا يزالون يرددونه-بالرغم من اتفاقية السلام الأردنية الاسرائيلية الموقعة في العام 1994- يثبت ما يسعون إليه، وما يغرسونه في عقول أبنائهم منذ الطفولة. ومعروف أن الحكومات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تمارس سياساتها وكأنها فوق القانون الدولي، معتمدة على قوتها العسكرية، والدعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأمريكية لها على مختلف الأصعدة، وما يقابله من ضعف عربي رسمي يصل الى درجة الاستسلام، بل إن بعض الأنظمة العربية ساعدت وعملت على خدمة السياسة الاسرائيلية كنظام حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الذي وصفته مصادر اسرائيلية بأنه "كنز اسرائيل الاستراتيجي".
فهل ستقبل اسرائيل التي أعدمت فكرة إنهاء الصراع من خلال إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967 بحلّ الدولة العلمانية الديموقراطية الواحدة التي يتساوى فيها العرب والفلسطينيون بالحقوق والواجبات؟ وهل ستقبل اسرائيل بإعطاء حق المواطنة لحوالي أربعة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى حوالي مليون ونصف مليون هم مواطنون في اسرائيل؟ فاسرائيل منذ قيامها تعتبر مواطنيها الفلسطينيين "سرطانا في جسم الدولة"، وتريد الاعتراف بها كدولة يهودية للخلاص منهم.
إذا ما الذي تريده اسرائيل التي تملك القوة العسكرية لتنفيذ ما تريد، وتدعمها أمريكا الدولة الأعظم في تنفيذ ما تريد؟ خصوصا وأنها تؤمن بأن ما بين النهر-نهر الأردن- والبحر لا يتسع إلا لدولة واحدة، وبنيامين نتنياهو طرح ذلك في كتابه "a place between nations "الصادر في أوائل تسعينيات القرن الماضي والذي ترجم الى العربية تحت عنوان"مكان تحت الشمس"بأن حلّ القضية الفلسطينية يكون باقامة وطن بديل للفلسطينيين في الأردن، كون الأردن أيضا جزء من "أرض اسرائيل" التي تطلّ على الصحراء العربية، والمقصود الجزيرة العربية، وأن السلام مع الدول العربية يكون باحتفاظ اسرائيل بالأراضي العربية المحتلة بما في ذلك مرتفعات الجولان السورية، وهذ لمصلحة العرب- حسب رأيه- لأن اسرائيل ستطور مصادر المياه والزراعة في الدول العربية، وإذا ما اجتمعت"الانتلجنسيا" اليهودية مع الأيدي العاملة العربية فإن الشرق الأوسط سيتحول الى جنة.
وإذا ما كانت اسرائيل قد أنهت خيار إقامة الدولة الفلسطينية على حوالي 22% من أراضي فلسطين التاريخية، وهي بالتأكيد ترفض خيار الدولة العلمانية الديموقراطية الواحدة، فماذا تريد؟ وما الذي تخطط له؟
وهي أيضا لم تخبئ ما تريده، لكنها تنفذه خطوة خطوة، كي لا تثير الرأي العام العالمي ضدها، فهي تريد دولة يهودية نقية من "الغرباء"
وليس مستبعد عنها أن تنفذ ترانسفير "طرد جماعي" للفلسطينين المقيمين في ديارهم وعلى أرضهم، وهي تنتظر الفرصة المناسبة لذلك، والتي قد تكون خلال حرب اقليمية قادمة ستفتعلها، فقادتها يؤمنون أن ما لا يمكن حلّه بالقوة يمكن حلّه بقوة أكبر، وقد تبقي على عدد قليل من الفلسطينيين كديكور تجميلي، تنفيذا لمقولة المنظر الصهيوني جابوتنسكي مُلهم نتنياهو الفكري"لا يضير الديموقراطيات وجود أقليات قومية فيها".