نظام الأسد ما بين الورق و الواقع

نظام الأسد ما بين الورق و الواقع

معاذ عبد الرحمن الدرويش

[email protected]

يزغرد إعلام النظام و يهلل للدستور الجديد ، و قد فرد لهذه الاحتفالية صفحات الجرائد و المجلات الورقية منها و الإلكترونية ، و البرنامج تلو البرنامج عبر الفضائيات و هو يحلل و يفسر كل مادة و كل بند و كأن الدستور الجديد سيأتي بالمدينة الفاضلة  بين ثنايا سطوره لسوريا ، مؤكدين على أن النظام جاد كل الجدية في مسيرة إصلاحه المزعومة.

في ذات الوقت تعيث دبابات النظام و جيوشه فساداً و تدميراً في بابا عمرو و في حماة و في إدلب و في درعا و في دير الزور و في دمشق و ريفها وفي .....و في كل مكان لا يهلل و لا يزغرد للنظام بدستور آو بدون دستور.

هذا الصورة المتناقضة تعكس حقيقة النظام الذي حكم سوريا و لمدة تزيد عن أربعة عقود بالشعارات البراقة و الوعود المخملية على الورق ، في حين كانت الصورة  السوداوية المأساوية على أرض الواقع عكس ذلك تماماً.

استطاع النظام من خلال شعارات المقاومة و الممانعة أن يكسب ود  ليس الشعب السوري و إنما الكثير من الشعوب العربية في كثير من المراحل من خلال تأدية دوره المرسوم له على أنه مقاوم و ممانع لكل مخططات إسرائيل في حين أنه كان العبد الذليل و الابن البار لإسرائيل من خلال تخدير الشعوب العربية بهذه الشعارات الرنانة و الصور المزركشة لا أكثر.

و في نفس الوقت استغل هذه الصورة البطولية التي استطاع أن يرسمها لنفسه و بالتعاون مع الإعلام الإسرائيلي أن يستنزف خيرات البلاد و التي ذهبت في طريقين حيث ذهب " نصيب الأسد" إلى جيوب آل الأسد الخاصة و ما تبقى ذهب لتجهيز الجيش و تحت اسم و شعار الجيش العربي السوري  على الورق ، في حين أن الجيش لم يكن في حقيقة الأمر سوى جيش حماية لكرسي العرش  لا أكثر ، وما تبقى من عظام وزع على الشعب و باقي مناحي الدولة  .

نظام الحكم في سوريا هو  نظام جمهوري على الورق طبعاً ، في حين أنه على  أرض الواقع ليس سوى نظام ملكي عائلي و قد استطاع تحويل ذلك من خلال تأليه آل الأسد و قد أوصل الناس لفكرة على أنها لا جمهورية و لا دولة  ستكون بدون آل الأسد .

لا يزال و حتى هذه اللحظة و بعد كل الإجرام الذي ارتكبه النظام بحق شعب سوريا لا يزال هناك شريحة كبيرة مقتنعة على أن النظام كان يوفر أمن و آمان للبلاد ، و قد استطاع النظام أن يفرض ذلك من خلال حملاته الإعلامية على عقلية الشارع السوري ، مع أن الواقع يقول عكس ذلك، فالنظام السوري لم يكن يحكم سوريا إلا من خلال الإرهاب و ليس من خلال الأمن.

فالأمن ليس أن يصبح رجل الأمن و الشرطة رجل قلق و رعب لكل مواطن سواء أكان مواطنا شريفاً و  خلوقاً  أو مواطناً مجرماً يحاول الانفلات من قبضة القانون ليمارس طقوس حياته على هواه الإجرامية ، بينما في البلدان الأخرى ترى القانون هو الذي يحكم و ليس رجل القانون أو الأمن و هذا الأمر لا يشعر به إلا من ذهب إلى خارج بوتقة سوريا و شاهد دول و حكومات أخرى.و اسمحوا لي بالتعبير عن كلمة بوتقة لسوريا و قد حرص النظام على تحويل سوريا إلى بوتقة مغلقة لكي يتحكم بكل ما يدخل و ما يخرج منها من أفكار لأن نظام يحكم على هذه الشاكلة لا يهدد وجوده إلا الأفكار .

و قد حرص النظام حرصاً شديداً على إغلاق سوريا إغلاقاً محكماً مادياً و معنوياً حيث أنه و إلى ما قبل القرن الحالي كان الحصول على جواز سفر يعتبر بمثابة حلم لكل مواطن سوري، و خاصة في فترة الثمانينات، بالإضافة إلى أن سوريا كانت من آخر الدول العربية التي  دخل إليها العالم الفضائي و الانترنيت و هي حتى تاريخه متأخرة كثيرا عن معظم الدول العربية مع أنها تملك عقول كثيرة و كبيرة في علم البرمجيات و الإلكترونيات.

و لكن طوفان الفكر العالمي كان لا بد أن يتدفق و لو القليل منه إلى داخل البوتقة السورية .

و هذا ما حصل فعلاً ، عندما دخلت الفكرة إلى البيت السوري و منها تسللت إلى دماغه عبر الفضائيات و عبر الإنترنيت انفجر العقل و الوضع  في سوريا عندما اكتشف حقيقة مزيفة تلف به و تحكمه منذ عشرات السنين.