مقدور عليهم

د. نور الدين صلاح

عبارة استوقفتني في خطاب وليد المعلم الأخير عندما سئل عن احتمال التدخل العسكري الخارجي وعن احتمالية تسليح وتدريب الجيش السوري الحر، فاستبعد التدخل الخارجي حسب معلوماته وتحليله الشخصي، ثم قال أما هذه العصابات فمقدور عليهم، لقد تابعت هذا اللقاء الصحفي وسأسجل ملاحظاتي على ما دار فيه:

الأول : لغة الاستعلاء وعدم الاكتراث بإجراءات الجامعة العربية وقابلها باستخفاف وبعد قليل قال إنها ستضر بالشعب السوري ولن تضر النظام كثيرا، وهذا فخ وقع فيه فالشعب شيء والنظام شيء آخر، وبين لنا أن العقوبات لها مساران متقابلان، لكنه غفل وتجاهل بل تغابى أن كل الدول صار لها مساران والنظام صار عليه أكثر من عشرين مساراً، وتهكم بدول الخليج بقوله فهل يستغنون عن غنم (العواس) الذي يربى في سوريا، مسكين هذا الوزير فهو نسي أن دول الخليج تشتري هذا الغنم بمالها ولا تأخذه صدقة أو هدية من سوريا وعدم تصديره لهم  يكون المتضرر الأكبر هو سوريا، وهو لا يعلم أن هذه الدول تعيش في انفتاح تجاري كامل بحيث تحصل على ما تريد وصار عندها مناطق محمية للرعي داخل حدودها وخارج حدودها، إن غنم سوريا وغير سوريا يرعى اليوم في مراعي إثيوبية مستأجرة فهذه الدول مستقرة غذائياً وتحاول أن تبني أوطانها الصحراوية وتزرعها مع الكلفة الباهظة، فهم شجّروا الصحراء وواحات القمح والشعير تراها من الطائرات ومن الخرائط الجوية في (غوغل إرث) وغيره وبإمكانك أيها المعلم أن تزور دبي لترى التشجير أو تزور تبوك لترى الثمار المتنوعة ولترى أشجار الزيتون على طرفي الطريق الواصل إلى حالة عمار وبإمكانك أن تشتري أطيب أنواع الزيتون من مزارع الجوف وقد أقيم معرض لأنواع الزيتون المختلفة، وفي كثير من مناطق المملكة هناك اكتفاء ذاتي من الفواكه والخضروات، أما أنتم ماذا فعلتم بأراضي الجزيرة وماذا فعلتم بغوطة دمشق، هم خضروا الصحراء وأنتم صحرتم المساحات الخضراء، راتب معلم في المرحلة الابتدائية في دولة قطر بعد العلاوات الجديدة فوق الأربعين ألف ريال شهريا أي ما يزيد على نصف مليون ليرة، وراتب معلم الابتدائي في بلدكم يمكن أن يصل إلى عشرة آلاف ليرة، أي راتبه في قطر خمسين ضعف راتبكم، السعودية تؤمن مياه التحلية التي تكلف الدولة أضعاف ما يباع للمواطن وكيلو الكهرباء في شريحته الدنيا للمستهلك العادي خمس هللات أي ما يزيد قليلا عن نصف ليرة، والمستشفيات تؤمن العمليات الجراحية المعقدة والعلاج مجاناً، المواطن السوري ينام على أبواب السفارات ليحصل عقد عمل يرضى به ولو وكان مجحفاً ويغامر أحياناً بمصاغ زوجته ليشتري فيزا عمل في تلك البلاد، ومواطن تلك البلاد الأبواب مفتوحة أمامه ويكفي أيها (المعلم) أن تعلم أن السعودية ابتعثت في سنة واحدة أكثر من خمسين ألف مبتعث على حساب الدولة ليدرسوا في أرقى الجامعات العالمية، وما زالت سوريا عالة على مستشفيات لبنان والأردن وإلى أمد قريب كان الطلاب السوريون يدرسون في جامعات الأردن الخاصة وينتثرون في جامعات اليمن والسودان ومصر، سوريا دولة نفطية فليحدثنا (المعلم) لماذا (البنزين) في سوريا سعره أغلى من كل دول المنطقة وليحدثنا عن أزمة (المازوت) والناس تعتمد عليه اعتمادا كلياً في التدفئة في فصل الشتاء، وليحدثنا سعادته عن الضرائب المفروضة على كل السلع المستوردة، ولماذا سيارة في دول الخليج تباع في دول الخليج بخمسة آلاف ريال تعادل في سوريا ما يزيد على مليون ليرة أي ما يعادل أربعين ضعفاً

ثانياً : يعلم سيادته أن النظام السوري بقي طول عمره مطلق اليد على شعبه يقتل ويسجن ويهجر ويصادر ويقهر ويتعسف ويعربد ولا أحد يقول له لم ؟؟

وهو يظن بل ويعتقد أنه إذا لم يتدخل الخارج فالشعب مقدور عليه، هكذا جرت العادة تغلق الأبواب وترخى الأستار وتنطفئ الأنوار وتكمم الأفواه وتتم الجريمة في جنح الظلام وتدفن الضحية وتمحى الآثار ويضلل الإعلام، لكن الشيء الذي لم يدركه النظام أن هذا في عصر الفضاء الإعلامي المفتوح وعصر (النت) وعصر (الاتصالات) لم يعد ممكناً وهذه النقطة بالذات التي ستصيب النظام السوري في مقتل وأنا أقول بالفم الملآن إن النظام السوري خسر المعركة الإعلامية في كل مراحل قمعه وصراعه لشعبه وكل يوم يفقد مصداقيته للسبب الذي ذكرت فنقل وقائع الثورة بنفس اللحظة من مكان الحدث في الفضائيات وفي مواقع التواصل على (الشبكة) وما زال النظام يعتمد أسلوب إجراء المقابلات (فالاعترافات والصور المأرشفة واللقاءات المسجلة) وكل ذلك تناله يد (الفبركة) و (مقص الرقيب) فيأتي إعلامه متأخراً دائماً عن الحدث لأنه لا يريد أن يراه الناس كما هو على الواقع، وأنا أقول للمعلم هذا ليس مقدوراً عليه

ثالثاً : يعترف (المعلم) ضمنياً بوجود الجيش الحر والمنشقين عن الجيش السوري وهذا ما دأبت الماكينة الإعلامية السورية على نفيه دائماً حتى لما أجرت اللقاء الشهير مع (المقدم هرموش) وقعت في هذا الفخ وحارت أن تجد مخرجاً له فماذا تقول للناس عنه ؟؟؟ وكل الناس رأوا بياناته وإعلاناته المتكررة عن انشقاقه، وإذا كان النظام ظل عاجزاً في دولة أمنية بامتياز تمتلك جيشاً كبيراً وسبعة عشر جهازاً أمنياً له مئات الفروع في المدن والقرى، ويمتلك (مليشيات حزبية) وانضمت إليه فرق الشبيحة (المرتزقة) التي سأل المعلم الجامعة العربية عن معنى كلمة (شبيحة) كأنه لا يعرفهم والناس جميعاً يعرفونهم بل العالم كله صار يعرفهم، أضف إليها المليشيات الطائفية الذي سلحوا في هذه الأزمة، فضلاً عن المقاتلين المستوردين كحزب الله وجيش الصدر والحرس الثوري وبعض الأحزاب اللبنانية الموالية كأمل وغيرها، ومع هذا كله ظل عاجزاً عن القضاء على عصابات مسلحة تأتي من خارج الحدود وتمول من هنا أو هناك فكيف يكون الأمر مقدوراً عليه بتنامي ظاهرة الجيش الحر والتخطيط لإقامة مناطق آمنة أو مناطق حظر طيران و(المعلم) هو الذي يحدثنا عن التدويل، فماذا يفصد بالتدويل إذاً إذا بقيت المسألة مجرد تصريحات وتهديدات

رابعاً : علق المعلم على قول وزير خارجية فرنسا (جوبيه) إن أيام النظام السوري باتت معدودة باستخفاف ورد عليه (عيش وشوف) وبغض النظر عن مقالة الوزير الفرنسي ورد (المعلم) فما زال النظام يتصور نفسه أنه خارج التاريخ ولا تجري عليه السنن وأنه (غير) وما زالت عقلية العنتريات وأسلوب الصراخ والشعارات والوطنيات التي تكون شيكات بلا رصيد، وكنت أظن أن المحللين السوريين (ضباط الأمن) الذين يظهرون على الشاشات ويتكلمون بهذه الطريقة (اللا مسؤولة) ويقامرون بالوطن وبهذا الوطن المسكين ويتبجح أحدهم فيقول عندما سئل عن الحظر الجوي بأننا نحن الذين سنطبق عليه الحظر الجوي، والثاني لما سئل عن العقوبات قال (أكثر من القرد ما مسخ الله) أنهم شواذ عن القاعدة، لكن ها هو الوزير يشبح بنفس الطريقة ويلمح بإغلاق مجاله الجوي وهذا ما ليس بمقدوره، ولما سئل عن اتفاقية (أضنه) مع تركيا وهل سيلتزم بها النظام مع أن تركيا أسفرت عن عداوتها فلم ينبس ببنت شفه لأن هذا ليسبمقدوره، وكان يمكن أن يتحدث عن الذل الذي وقع عليه النظام في هذه الاتفاقية ويلوح بها كورقة رابحة في وجه تركيا لكن هذا ليس بمقدوره

خامسأ : حدثنا المعلم عن الإصلاحات مسرباً لشعبه أن المادة الثامنة سوف تلغى من الدستور، ولكن سأسأل (المعلم) أين إلغاء حالة الطوارئ ؟؟؟ وما هي الإصلاحات التي تمت حتى الآن ؟؟؟؟ وإذا وصل الأمر بالمعلم أن يكذب صراحة بأنه لا يوجد دبابات في المدن ويجزم أنه لم يستخدم إلى الآن إلا الأسلحة الخفيفة وكل العالم يعلم خلاف ذلك فكيف سيصدقه الناس بإصلاحاته المزعومة، ولقد وصلت إلى نتيجة أن كل هذه الخطابات مصدرة للخارج فالجميع بالداخل يعلمون كذبه، والرئيس في كل خطاباته يخاطب الخارج ويقايض الغرب دائماً بدوره الوظيفي التاريخي (قمع الإسلاميين) و (أمن إسرائيل) وتوصلت إلى خلاصة أن هذه الأنظمة غير قابلة للإصلاح، لم ينفع الاتحاد السوفياتي إصلاحات غورباتشوف لأن هذه الأنظمة غير قابلة في بنيتها للإصلاح لأنها سوق فاسدة تسوق إليها الفاسدين، وفي اليوم التي تريد هذه الأنظمة الإصلاح  على الحقيقة فستسقط، فهذه الأنظمة أشبه ما تكون بالأجهزة التجارية الرديئة التي تروج في الأسواق اليوم فترمى ولا تستصلح عند أقل عطل، والنظام السوري قد مات سريرياً فبقي أن تظهر عليه كل أمارات الموت وتصدر له شهادة وفاة، وإذا كان يظن (المعلم) بأنه بأكاذيبه تارة وبتهديده تارة وبمسكنته تارة وبتطاوله تارة بأنه سيطيل عمر النظام فهذا ليس بمقدوره لأن العطار مهما كان بارعاً لا يصلح ما أفسده الدهر

سادساً : وإذا كان (المعلم) وهو الناطق باسم النظام يعتقد أن الجامعة العربية تمضي في المؤامرة ضد النظام من أول يوم فليفوت على الجامعة فرصة التآمر وإيجاد الذرائع وليسحب البساط من تحتها، لقد مضى تسعة أشهر على الأزمة والجامعة لم تفعل شيئاً ثم أعطته المهلة تلو المهلة وتعامل مع المهل بغباء وصلف فزاد من وتيرة القتل وزاد من نشر الجيش وزاد من الاعتقالات ولم يفصح عن أي بادرة حسن نية تشفع له حتى عند من يتعاطف معه من الدول العربية كالجزائر والسودان مثلاً، ألم يكن بإمكانه سحب الجيش خارج المدن ؟؟؟ ألم يكن بإمكانه إطلاق سراح عدد كبير من المحتجزين بحيث يعطي انطباعاً عاماً بالالتزام ؟؟؟ بل اعتقل في نفس اليوم الذي أطلق فيه سراح بعض المعتقلين أضعاف أضعاف من أطلقهم، إذا كان هناك مؤامرة فهي على الشعب السوري الذي قال عنه المعلم (مقدور عليه) وإلى الآن كل ردود الأفعال الخارجية ما زالت هزيلة لا تتناسب مع شلالات الدم المتدفقة في شوارع وحارات سوريا الأبية، والذي سيحسم الوضع في سوريا هو الشعب السوري وسوف يعلم (المعلم) ومن وراءه أن كل شيء سيجابهه المعلم يمكن أن يكون مقدوراً عليه سوى الشعب السوري فلن يقدر عليه لا هو ولا أسياده ولا من وراءهم من أدعياء المقاومة والممانعة

مركز الدراسات الإستراتيجية لدعم الثورة السورية