أردوغان العرب... لماذا لم يولد ومتى سيولد؟؟
أردوغان العرب...
لماذا لم يولد ومتى سيولد؟؟
د. مصطفى الحاج حامد
لا يختلف أثناء على شخصية العقد الحالي على المستوى العالمي والعقود الثلاثة الماضية على المستوى التركي...الأسم الذي أصبح يتردد على ألسنة الشعوب العربية كلها ، في فترة ماقبل الثورات العربية ...أيام الظلم والكبت والإستبداد بالأخص بعد مؤتمر دافوس ووقفته الشهيرة...بالطبع المقصود هو رجب طيب أردوغان.
عرفه الشعب التركي شاباً خطيباً يحاول منافسة جهابذة السياسة المخضرمين،ويزاحمهم السباق على رئاسة بلدية أكبر مدينة بتركيا ،رغم إفتقاره لأبسط قوى الدعم الإعلامي والمادي والسياسي. لكنهم وجدوا فيه شيء آخر يمتاز عن منافسيه الأقوياء -الضعفاء -(أقوياء بالدعم الخارجي والداخلي ،ضعفاء بقدارتهم الذاتية والشخصية والفكرية.).وجدوا الصدق والعزيمة والجرأة والشفافية...أحسوا أنه منهم وإليهم فأختاروه لرئاسة بلدية اسطنبول لتكون بداية إنطلاقة النجاحات تلو النجاحات، فلم يخطئ الناخيون بحدسهم هذا ،ولم يخيب أملهم هذا الشاب،بل قاد بلادهم لمرحلة لم يكن أحد يحلم بها .لقد إستطاع هذا الشاب أن يقوم بعملية تغيير لمفاهيم وقوانين ودساتير وقوى كانت تقف حجرة وعثرة أمام عجلة التغيير والتحول الديمقراطي الحقيقي.
أما العرب الذين كان يفبع جلهم تحت أنظمة القهر والكبت والأستبداد، فقد أصبح أردوغان حلمهم وأملهم في حلحلة هذا الوضع الحالك ،وزاد هذا التعلق والإعجاب بعد وقفته الشهيرة في مؤتمر دافوس أمام الغطرسة الإسرائيلية وكلمته الشهيرة -وان منيت – التي أصبحت تتردد على ألسنة الجميع من كل الأعمار و الأطياف .لمست هذا وقرأته من الردود والتعليقات على مقال لي أسميته -جنون أردوغان وجنون الحكام العرب- المقال الذي تم نشره على كل المواقع من أقصى اليسار لأقص اليمين ومن علمانية وجهادية وشيعية وشيوعية،كان دليلا ملموساً على شعبية هذا القائد .وعلى تمني هذه الشعوب أن يحكمها من يشبه هذا الرجل.
ورغم الإنتقادات لبعض المواقف التركية تجاه الثورات العربية خاصة منها الليبية في بدايتها والسورية حتى الآن ،تظل تجربة العدالة والتنمية وشخصية أردوغان النموذج الذي تحلم به الشعوب العربية قبل معارضاتها.الكل يحلم بأردوغان العرب والكل يسعى ليقول أنا الفارس المنشود. وحتى الدول الغربية تريد أن ترى قائداً يوحد أغلب القوى الفاعلة خلفة ،حتى ينال الدعم الخارخي بعد الداخلي.بدى هذا واضحاً أكثر ما يكون في الحالة السورية حيث تعاني المعارضة الخارجية من تشرذم أطيافها وتزاحم كثير من الشخصيات التي لاتملك سوى شعبية إعلامية وصحفية وهمية.
وهل عندكم أردوغان ؟؟يقود هذه المرحلة بدون مخاطر ،ويقدر على جمع غالبية الشعب خلفه،ويضمن عدم إنجراف المنطقة للفراغ والصراعات المذهبية والحرب الأهلية؟ سؤال سمعته من كثير من السياسيين والصحفيين والمقربين من مراكز الحكم والقرار هنا في تركيا.
فهل عجزت الأمة العربية أن تلد مثل أردوغان؟؟أم أن الثورات العربية بدأت تفرز وستفرز العشرات إن لم نقل المئات من الأردوغانيين العرب؟؟
الأمة العربية أفرزت على مر التاريخ شخصيات وقادة ،لا تزال سيرهم المضيئة نبراساً يقتدى به حتى من قبل القائد الذي نتكلم عنه.حتى في ألحك الظروف وتحت الإستعمار الأجنبي ظهرت نماذج ألهبت حماس الجماهير وقادت الثورات للتحرر من الاستعمار،في كل قطر كان هناك أشخاص لامعون منهم من ظل أسمه محلياً ومنهم من سطر ملاحم البطولات ليصبح رمزاً عالمياً حتى يومنا هذا.
فالمشكلة ليست بالأمة ،والأمة التي أنجبت الفاروق عمر وخالد بن الوليد وعمر المختار وطارق بن زياد ـلم تصب بالعقم وهي قادرة على الانجاب على مر الزمان والمكان.
أسباب عديدة هي التي منعت ظهور أردوغان العرب وسمحت بظهور أردوغان الأتراك من أهمها وأبرزها :
1-أنظمة الأستبداد:لم تكد الدول العربية تخرج من براثن الإستعمار حتى وقعت تحت سيطرت أنظمة استبداد ظالمة فاسدة،كمت الأفواه ومنعت الكلمة وحاربت الحرية في أبسط أشكالها،نادت بالوحدة والحرية لكنها لم تتحمل أي رأي معارض,سعت في كل مراحل حكمها لتصفية معارضيها بالحديد والنار ،والاعتقال والنفي والتشريد.لم تترك هذه الأنظمة أي متنفس مهما كان ضيقاً ولا أي مجال للحوار مهما كان مهمشاً يستطيع من خلاله اصحاب الشخصيات القوية من البروز وتقدم الجماهير.ورغم كل ما قيل ويقال عن هدم الخلافة العثمانية وقيام دولة النظام الغربي قي تركيا على أيدي أتاتورك ،فإن كثير من الإسلاميين وخاصة المنتسبين للعدالة والتنمية التركي يكنون بالاعتراف ولو ضمنياً لفضل هذا الرجل لجلبه نظام يعتمد على صناديق الاقتراع والنزول عند رأي الشارع ،وهاهم الاسلاميين الذين حاربوا هذا النظام في بدايته يستلمون زمام القيادة بفضله بعد أن تعلموا فنون هذه اللعبة التي يركض وراءها أخوتهم العرب في هذه الأيام.هذا المناخ من اليمقراطية وحرية الكلمة مهما ضيق على المعارضين في البداية ،سمح في النهاية ببروز شخصيات وطنية استطاعت الوصول لمراحل متقدمة من قيادة الدولة التركية.بينما نرى النقيض من ذلك تماما في الدول العربية.
2-المعارضة وتركيباتها المرضية:المعارضة هي ايضاً لم تختلف عن الأنظمة في كثير من تصرفاتهاـ، فالمعارضة المقربة من الانظمة ومن يدور في فلكها أستخدمت هذا القرب ورقة ضاغطة وسيف مسلط فوق كل صوت يحاول البوح بمطالب الشعب ورغباته ،وقمعت كل شخص يحاول التململ من الواقع ويحاول البروز .لم تسعى على تطوير أنظمتها الداخلية لتفتح المجال أمام المنافسة الحرة، فضل قادتها -كالانظمة- المصلحة الشخصية على مصلحة الحزب ومنفعة الوطن. لذلك لا عجب أن ترى قادة أحزاب معارضة سبقوا قادة الانظمة بالتشبث بالكرسي لعقود عديدة ربما سبقت الانظمة أنفسها. أما المعارضة التي في صراع حقيقي مع الأنظمة فلم تسطيع لملمة شملها في فترة من الفترات ، وذهب خيرة شبابها في أقبية الأنظمة وزنازين السجون .وأحيانا تم التغرير بهم ودفعهم للخروج من بلادهم الى بلاد اخرى للجهاد ومقامة العدوان للخلاص منهم ،ومن عاد لفقت له التهم ليودع السجن إن استعصى على الترويض و قبول الانضواء تحت ظل الأنظمة وقبول نمط الحياة المفروضة عليه .هذا الوضع حرم الامة من التعرف على خيرة شبابها ،وحرم هؤلاء الشباب من دخول المحك الحقيقي لمعرفة قدرهم وقبولهم من قبل الشعب والشارع.أما المعارضة التي عاشت بالخارج فقد أنكفأت على نفسها نتيجة للمعانات والضغوط والعوائق المفروضة عليهاـ لكن ورغم هذاكله لم تستطع تحويل هذه المحنة الى منحة ـولم تغتنم أجواء الديمقراطية التي عاشت بطلها في بلاد الغرب ،لتفرز شخصيات قوية لا خلاف عليها على المسوى الخارجي والداخلي,لم تستفد من هذه الاجواء ولم تفسح المجال أمام من يريد البروز ويأخذ دوراً ريادياً في قيادة الحزب أـو الجماعة بشكل ديمقراطي ليكون نموذجاً صالحاً يحتذى به في سوريا المستقبل, وهناك بعض الحركات من استغل هذا الوضع وحاجة الأفراد لوثائق السفر والدعم المادي لتوطيد مركزه وبقائه في القيادة.
عدم وجود الرؤية المستقبلية لدى هذه المعارضات والحركات ،ووصولها لدرجة اليأس والقنوط من الإصلاح ،أفقدها حافز التخطيط على مستوى جماعي للمستقبل ،وهذا ما حرم كثير من الشرائح الوطنية بالمهجر من العمل الجماعي والمناخ الذي يهيئ من لديه القابلية والاستعداد لتقدم الصفوف بحق وجدارة,هذا المناخ البعيد عن الشفافية والعلنية والديمقراطية لم يفرز سوى شخصيات ضعيفة ،غير متمكنة وغير قادرة على الصمود أمام أي رياح حقيقية للتغييروالمنافسة .
3- الثقافة والمفاهيم المغلوطة:
سادت الأمة العربية منذ عصر الإنحطاط مفاهيم واصطلاحات وأمثال وحكم مغلوطة تعبر عن حالة اليأس والقنوط والهزيمة النفسية الداخلية.مفاهيم دينية وغير دينية تدفع المواطن للأبتعاد عن ممارسة السياسة ،وعدم التدخل بشؤون الدولة لأنها من إختصاص الكبار والطبقات الخاصة والعوائل المعروفة.مفاهيم عن الطاعة والولاء وعدم الخروج على الحاكم مهما كان غلوه في البعد عن الحق والطريق الصحيح واضحاً وجلياً ،أحاديث ومفاهيم تم تفسيرها بما يخدم الحاكم والطبقة المستفيدة..هذه القواعد كانت من الثوابت لدى كثير من الطبقة المتعلمة والمتدينة حتى نفاجئ بعد بداية الثورات العربية بتفسيرات جديدة تلائم العصر والواقع ،لنكتشف من جديد أننا كنا مغفلين ومعتم علينا ليس من قبل الانظمة بل من قبل كثير من العلماء ورجال الدين الذين صمتوا لعقود عن هذا الفهم الجديد.هذه المفاهيم والقيم ساعدت على ظهور جيل يائس قانط منطوي على نفسه، لا يهتم بمشاكل امته ولا يسعى للتغيير لاعتقاده باستحالة هذا الامر وصعوبته، بينما نجد على النقيض من ذلك في الحالة التركية حيث يقف رجل الشارع العادي ليبدي رأيه في أمور السياسة والدستور والقوانين على كافة مستواياتها .
4- المناهج الدراسية : سعت كل الدول العربية على السعي لتغيير مناهج الدراسة لتكريس سيادة الرجل القائد والأوحد ،فكل ما يقوله القائد هو حقيقة لا يمكن مناقشتها حتى لو تعارضت مع أبسط قوانين الفيزياء والقوانين الطبيعية,فلا صوت فوق صوت المعركة ،ولا حياة لمن يخالف القائد الملهم,هذه المناهج زرعت في الاذهان أن مصلحة البلد واستقراره مربوط بهذه الشخصية التي لا مثيل ولا بديل لها، ومن هنا فلا يمكن لأحد أن تسول له نفسه حتى بالحلم في الوصول إلى هذه المراكز,و على النقيض من ذلك نجد في تركيا وفي كل عام بمناسبة عيد الطفل تكون كراسي الحكم من رئاسة الجمهورية للبرلمان ورئاسة الوزراء وكل الوزرارت يجلس عليها أطفال صغار لعدة دقائق أمام الاعلام والصحافة ،ليقدم هذا الطفل رؤيته للمشاكل التي تعيشها البلاد ويجيب على أسئلة الصحفيين المتعلقة بالمواضيع التي تشغل المواطن التركي.هذه اللحظات تزرع في نفوس هؤلاء الاطفال أن بالامكان الوصول لهذه الكراسي التي لن تدوم لمن يجلس عليها الآن.هذا يدفع هذه الأجيال للعمل والتنافس لكي تكون هي صاحبة الحق في الوصول لاعلى مراتب القيادة.
5-رجال الفكر وحملة الأقلام:لقد أبتليت أمتنا العربية بحملة أقلام سيطروا على الصحافة لعقود طويلة،كان همهم التقرب للسلطان بكتاباتهم ،يغضون الطرف عن الأخطاء الجسام ،يضخمون الزهيد من المفيد منها على حساب أمور أساسية تتعلق بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية,هذه الشريحة المنفصمة نفسيا تدعوا للتغرب والإحتذا بعصرنة الدول الاوربية بينما ،لا تكتب كلمة واحدة عن الاستداد والفساد والديكتاتوريات والزعامات العربية الوهمية.حملة أقلام خانة الامانة ولم تسعى لبث روح الأمل في نفوس الشباب ولم تدفع به للاهتمام بالسياسة بل خوفته من ذلك.ورسمت له عواقب مخيفة لكل من حاول التفكير بذلك.كان الأولى بهؤلاء أن يقودوا الأمة للتغيير ،يزرعوا الثقة في نفوس الشباب ويدفعوا بهم لأخذ زمام المبادرة والاهتمام بشؤون بلادهم السياسية والاقتصادية وتقديمها على مصالحهم الشخصية.
6-البيت والأسرة:عندما تقوم العلاقة بين أفراد الاسرة على ثقافة بعيدة عن الحوار والنقد والنقاش ،عندما يكون الأب كآمر بالثكنة أو المدرسة، والأبناء كمأمورين عليهم السمع والطاعة، بدون ابداء أي رأي أو اعتراض.عندما تهمش شخصية الطفل منذ البداية ويحرم من التحفيز والتشيجع للجرأة بقول الحق والشجاعة للمطالبة بحقوقه والنقد ضمن حدود الأدب، هذه البيئة تخرج لنا أجيال لا تميز بين النقد والطعن وأن طالبت بحقوقها طالبت بشكل لا يخلو من الغلو والتفريط.او خنوع وانطواء على الذات وعدم الاكتراث حتى بأهم حاجيات الفرد من حرية وكرامة.ولا يختلف الأمر في كل باقي المؤسسات الحكومية منها والخاصة ،وليس بحال النقابات ومنظمات المجتمع المدني بأفضل حال من الاسر والمدارس.
كل هذه العوامل المشتركة ساهمت بدرجات متفاوتة في خنق جو الحرية الذي ينمو به القادة والمبدعون ،ومنعت بروز الشخصيات التي تقود التغيير نحو الديمقراطية والتحول الثقافي والفكري الاجتماعي نحو وطن يتسع للجميع.
وهاهي الثورات العربية تقلب الأمور رأساً على عقب ,الشباب هم من فجرها ويقودها،جائت هذه الثورات لتغير مفاهيم الكبار والعلماء ورجال الدين وحملة الأقلام ،بعد الثورات تغيرت المفاهيم والمصطلحات والاصطلاحات والقيم والأمثال,رأينا أجيالاً جديدة تطرح شعارات تختزل مجلدات من علم السياسة والاجتماع.الكل يتطلع اليوم لقائد يأخذ بيد هذه الشعوب في كل بلد لبر الأمان ويحقق له ما يتطلع إليه من حياة حرة كريمة.
اليوم، قبل أنتصار الثورات وبعده، تظهر حاجة كل بلد من بلاد العرب لأردوغانها بشكل جلي وملموس .
الكل يبحث عن أردوغان العرب... الذي لم نره بعد ، هذا إن كان قد ولد ؛؛؛
لكن
الحلم ولد من رحم المعاناة والآلام ،وأن أمة كانت نبراساً للعالم كله في ماضيها ،وأبهرت العالم بثوراتها السلمية النزيهة وتضحياتها العظيمة، أمة قدمت أروع البطولات من أجل حريتها وكرامتها ،هي قادرة اليوم أكثر من أي يوم مضى على إنجاب أردوغان العرب والعشرات بل المئات من أمثاله.
ويبقى السؤال الأهم هو هل ستفسح المعارضات العربية الحديثة والثورات العربية المجال لبروز وصعود مثل هذه الشخصيات أم ستعمل على تحجيمها وتقزيمها كما فعلت بنا الأنظمة البائدة.؟؟