الحراك الشعبي السلمي أصل الحوار

م. شاهر أحمد نصر

[email protected]

عند الحديث عن الحوار الوطني في سوريا أول ما يذكر الحراك الشعبي السلمي والشباب الذين يستمرون منذ 15 آذار 2011 في التعبير سلمياً عن مطالب الشعب العادلة. فتحية إلى شهداء الحراك الشعبي الديمقراطي الثوري في وطننا الحبيب، وإلى الشباب والمواطنين المستمرين في هذا الحراك.

لن نفصل كثيراً في أسباب هذا الحراك التي تعود إلى عوامل اقتصادية، واجتماعية، وسياسية أصبحت معروفة لكل مهتم. ولكننا سنحاول مقاربة سبل الخروج من الأزمة التي تعصف بوطننا.

لقد أعلن ممثلو الحراك الشعبي أن الهدف الأساسي هو الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية يتمتع أبناؤها بالحرية والكرامة، وتنال هذه المهمة إجماع الغيورين على مستقبل وطننا. ولما كان كل طرف يملك رؤية وغاية وهدفاً من تطبيق هذه المهمة، فمن المنطقي أن يجري حوار حول كيفية تطبيقها. ولكن السؤال الجدي هو: من هي القوى المتحاورة؟ وكيف يجري الحوار؟ وما هي الأجواء المناسبة لإجراء الحوار؟ قد يحتاج الأمر لأن يحاور كل طرف نفسه في البداية لإقرار رؤيته حول هذه المهمة الكبيرة، ولكن لا بد في المحصلة من أن تتحاور جميع الأطراف. فمن هي هذه الأطراف؟ وكيف يمكن أن تتحاور؟

لمّا كان الحوار يحتاج إلى أجواء ثقة وحرية؛ فمن الضروري الاتفاق على أنّ الحل الأمني تعبير عن فشل النهج السياسي، ولن يحلّ الأزمة السياسية الراهنة، بل تكمن في طياته مخاطر جمة. ومع التأكيد على إدانة استخدام السلاح ضد المدنيين والعسكريين من أية جهة كانت، نرى أن الوفاء لدماء الشهداء من الشعب والجيش يتطلب تشكيل لجنة تحقيق محايدة تضم في صفوفها ممثلين عن الحراك الشعبي، لإجلاء الحقيقة، ومعاقبة المتسببين، ولردع من تسول له نفسه القيام بمثل هذه الأعمال الإجرامية. ومن الضروري معالجة قضية اللاجئين إلى خارج البلاد بالتنسيق معهم وتلبية طلباتهم المشروعة. وفي سبيل كبح الأساليب والتصورات الطائشة والسكرى، لا بد من إعلاء صوت العقل والضمير الوطني الغيور، ولن تحل الأزمة حتى يسود صوت العقل.  

تحتاج معالجة هذه الأزمة إلى الإعلان عن مرحلة انتقالية لمدة لا تتجاوز السنة، تسود خلالها أجواء الحرية، ومن الضروري أن تعترف مختلف القوى ببعضها، وبالدرجة الأولى يجب الاعتراف بضرورة وجود المعارضة الوطنية، وأنّ المعارضة عنوان الأوطان، يسمح لها أن تتشكل بشكل حر، ولا يحق لأية جهة التدخل في شؤونها، وتفتح أمامها وسائل الإعلام والنشر لتعبر عن ذاتها، والإقرار بأهمية وضرورة المعارضة يعني الإفراج عن جميع معتقلي الرأي، ومعتقلي الحراك الشعبي، ووقف عملية الاعتقال العشوائي، والافتراق نهائياً مع عبادة الفرد، وتقديس القائد، والتعود على قبول النقد، وسماع الرأي الآخر الذي قد لا يروق للكثيرين... كما أنّ من الضروري أن تدشن هذه المرحلة بإلغاء جميع القوانين والمراسيم التي تقيد النشاط السياسي، وتلك القوانين التي تحمي أية جهة أمنية، وغيرها، وتمنع مساءلتها القانونية عن الإساءة للمواطنين، وفسح المجال أمام جميع أبناء الوطن في الخارج أن يعودوا إلى الوطن، ومعالجة قضاياهم بشكل عادل، وإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي ومعتقلي الحراك الشعبي الذين لم يستخدموا السلاح، ومن الضروري أن يعلن في هذه المرحلة تعليق العمل بمواد الدستور التي تعيق التعددية السياسية، والإعلان صراحة أن الدستور الجديد سيكون دستوراً لجمهورية برلمانية رئاسية، خال من مادة بريجنيف (الثامنة)، ويقر عملياً فصل السلطات، وتحديد صلاحيات البرلمان ورئيس الجمهورية، على ألا تزيد مدة الولاية الرئاسية الدستورية عن خمس سنوات، وحصرها بولايتين دستوريتين لا أكثر، ومن الضروري أن يؤكد الدستور على مبدأ العدالة الاجتماعية، ومناهضة كافة أشكال التمييز الحزبي، أو الجنسي، أو الديني، أو القومي، وتنال عبره المرأة كامل حقوقها ومساواتها مع الرجل في العمل وفي الأسرة، وينال كافة أبناء الوطن حقوقهم الثقافية والوطنية، بما في ذلك المواطنون الأكراد.

لقد أضحى مجتمعنا منقسماً حول رؤية سبل الخروج من الأزمة، ويوجد طرفان رئيسيان اصطلح على تسميتهما بالموالاة والمعارضة، ينقسم كل منهما إلى تيارات واتجاهات متنوعة؛ ولكن القوى الرئيسية حتى الآن هي السلطة وموالاتها، وفي مقابلها الحراك الشعبي، والمعارضة التي عانى أغلب ممثليها من السجن، والمعارضة الصامتة التي عانت من إهدار الكرامة والتهميش.

قد يقول البعض أصبح لدينا قانون للتظاهر فعلى الحراك الشعبي أن يتوقف، في شكله السابق، وأن يأخذ إذناً للتظاهر. وبالتالي لا داعي للحديث عن إشراك ممثلي الحراك في الحوار، كونه أدى مهمته، والسلطة بدأت بالإصلاحات. لكن واقع الحال ينبئ بغير ذلك، فمن الضروري أن يكون قانون التظاهر جزءاً من رزمة متكاملة من قوانين حرية العمل السياسي، التي لم تر النور بعد، والحراك الشعبي الذي ساهم في فرض حالة تفعيل هذا الحق الدستوري، لم يجر في سبيل غاية واحدة هي وضع قانون التظاهر فقط، بل يجري هذا الحراك بهدف التغيير نحو دولة مدنية ديمقراطية، ولا يمكن أن يقف قبل التأكد من ضمان السير في هذه العملية، كل ذلك فضلاً عن التساؤلات حول كيفية وضع قانون التظاهر، وآلية تطبيقه، وآلية تطبيق قانون رفع حالة الطوارئ، وأجواء عدم الثقة المتراكمة لعقود نتيجة لكثرة سماع الأقوال وعدم رؤية الأفعال... كل ذلك يدل على أنّ الحراك الشعبي سيستمر، ومن المنطقي أن يتطور، وأن يشترك ممثلوه في الحوار. لأنّ الحوار بشكل أساسي يجب أن يتم في المحصلة بين القوى الفاعلة على أرض الواقع. ولكي يكون حواراً لا إملاء من الضروري أن يسود فيه مناخ الحرية والمساواة والندية... كما أنّه من الضروري الإقرار بأنّ الحراك الشعبي السلمي هو صاحب الفضل في البحث الجدي الحالي عن سبل الانتقال إلى الدولة المدنية الديمقراطية، وبالتالي المحافظة عليه واستمراره ضمانة الجدية في هذا الانتقال، ومن هنا تأتي أهمية استمراره سلمياً بحرية ومشاركة ممثليه في الحوار...

وينتج عن ذلك أنّ الحوار الجدي يتطلب أن تتشكل اللجنة، التي ستدير الحوار، بالتآلف بين جميع هذه الأطراف (الحراك الشعبي، والسلطة، والمعارضة) وبالتساوي، لا أن تفرض من قبل أي طرف.

  ومن الضروري أن تستمر عملية الحوار طوال المرحلة الانتقالية، التي يتم خلالها تبلور وتشكل وتنظيم القوى والتنظيمات المعارضة الوطنية، وتطرح مسودات مشاريع قوانين ودستور الدولة العلمانية الديمقراطية للنقاش العام، ويتوج هذا النقاش في مؤتمر وطني للحوار، تشرف على تنظيم شؤونه والدعوة لعقده لجنة الحوار التي تضم في عضويتها ممثلي قوى المعارضة، والحراك الشعبي، والحكومة، معاً وبالتساوي، وتقوم هذه اللجنة بتحديد أعضاء مؤتمر الحوار ليضم ممثلين عن قوى المعارضة، وممثلي الحراك الشعبي، وممثلي أحزاب الحكومة بالتساوي، ويعقد هذا المؤتمر في نهاية المرحلة الانتقالية لاعتماد مشروع الدستور الجديد وقوانين الدولة المدنية الديمقراطية وعرضها على الاستفتاء العام. ليتم إجراءات الانتخابات البرلمانية والرئاسية على أساسها، خلال مدة يتفق عليها من تاريخ إقرارها.