سورية ثلاثية الثورة
سورية ثلاثية الثورة -1-
هل هي الثورة؟؟
ميخائيل عوض
[email protected]
سورية في ثورة، شعبية اصيلة، ادركت اهدافها، وبرامجها، وتشكلت
قواها وعبرت عن مطالبها..
سورية في ثورة فضائية تستهدفها قوى عالمية بقصد تفكيكها او
اضعافها الى الحد الذي تصبح فيه اداة طيعة في اعادة ترتيب مشروعات الهيمنة
الامبريالية على المنطقة والاقليم، وقطع مسارات الثورات العربية واغتصابها باسقاط
سورية وتأزيم حلف المقاومة المؤسس لحقبة الثورات.
سورية في حالة ارتباك، واختلاج، تبحث عن مكانتها ودورها في بيئة
الثورة العربية الجارية بالتقسيط، باحثة عن مكانتها التاريخية بمغادرة حالة الركود،
والاحباط من عربها.
سورية تنتفض على سياسات الفريق الاقتصادي التدميرية، وتسعى
لاستعادة روحها، وطبيعتها، فتصفع النظام السياسي الذي تكلس وعجز عن مواكبة فاعليتها
وحيويتها في المسائل الوطنية والقومية والاجتماعية، ومالت رؤياه الى الليبرالية
الاقتصادية والسياسية، فدنت الضرورة التاريخية منفعلة بالعاصفة الثورية العربية
تهزها لاختبار جذورها، وحفزها على الخلاص من الاعباء والطفيليات الهلاكة..
سورية في اضطرابات، وتوترات مناطقية، وفؤية، تستثمرها قوى
خارجية على صلة بتيارات داخلية تضن بها شر الاحتراب الاهلي، والالحاق بعثمانية
اردوغان مرتكبة، والمفوضة من القوى الدولية لترتيب المنطقة بصفتها القائد للتنظيم
العالمي للاخوان المسلمين، واخضاعها لهيمنة من طراز جديد تتقاسمها اسرائيل وتركيا،
وتستنزف ايران.
احداثها مؤامرة، وجدت لها بيئة خصبة في الفقر، والبطالة،
والتهميش، ومجاميع تنشد الفوضى لحماية مصالحها، والاحتماء من الاحكام القضائية،
مهربون، ومتهربون، ومجاميع تكفيرية وكيدية ثأرية لاحداث الثمانينات ومثالبها التي
لم تعالج جراحاتها فتقيحت..
سورية مهددة بالضياع بين الحل الامني كخيار للسلطة والعمل
العسكري لمندسين وامراء التكفير والحروب..
كثيرة هي القراءات التي بحثت في الازمة السورية، وانشغلت
بتوصيفها، لتأخذ ملامح حرب اهلية عقيدية وفكرية، مع تطور الحراك الشعبي والمثقف
وتقاطر مؤشرات الفرز التي اطلقها مؤتمر السميراميس وما استدرجه من هجمات وتخوين
لمنسقيات التحركات، ومعارضات الخارج، ورموز الثورة الفضائية، وثوار عواصم الغرب
الامبريالي.
كلها دلالات على ان سورية مختلفة، وحدثها مختلف كمكانتها،
وقيمتها وطبيعتها، وخياراتها.
هل يمكن ضبط الحالة السورية، بطريقة منهجية؟؟ هل من منهج ووقائع
تتوفر لوضع توصيف واقعي علمي لما هو جار فيها ؟؟
المتفق عليه بين مختلف العقائد والايديولوجيات، وخلاصات التجارب
التاريخية، ومناهج التحليل العلمية، وجود امكانية لضبط الجاري من الاحداث، مادام
البحث قائم في ما جرى وعما هو جار، اما ما سيكون فتلك مسألة مختلفة، ويختلف فيها
المنهج، من قائل: بان المستقبل في نطاق رؤيتنا ولو لم يكن في مطال يدنا، الى الحكمة
القديمة التي تعتبر الحكيم هو من يعرف جنس المولود قبل ان يلد، فالفلسفة الاشتراكية
التي تحفز على فهم الواقع الملموس لصياغة البرامج الملموسة لتغييره، فالايمان الذي
يقر للعقل قدرة معرفة الخير من الشر.
في التحليل المنهجي، يمكن التوصيف بالاستناد الى امرين اساسيين:
الواقع وحراكه، وقواه، وحاجاته، اي تحديد مدى مطابقته للشروط والظروف الثورية
الموصوفة والمتفقة بين مجمل الثورات الانسانية حتى ساعتنا، ومستلزمات الولوج الى
المستقبل وقواعد بنائه وصياغته.
والقول صحيح: ان ليس كل ظرف ثوري ينتج ثورة، فالظروف الثورية
تخلق بيئة مؤاتية للفعل الثوري، يقطعها غياب الفعل فيجعل منها بيئة الفوضى او
الاحتراب التهالكي المديد وانتاج اقتتال افنائي همجي نتيجة تعادل قوى الماضي مع قوى
المستقبل، وقد تذهب البيئة الى توليد الردة، والعودة الى الوراء بدموية فاجرة، وقد
تستمر مرحلة الانتقال الفوضوية حتى تقويض ما انجز، واعادة المجتمعات الى ما قبل
التاريخ الانساني بتفكيك البنى، والعودة الى تلك التي جاوزها الزمن.
في مطابقة الواقع السوري مع القانون التاريخي المحدد للشروط
والظروف الثورية نستخلص:
ثورات التاريخ الانساني الى الثورة الفرنسية والاوروبية،
فالثورة البلشفية، وليس انتهاء بالثورة الاسلامية الايرانية، بل اتصالا بثورتي مصر
وتونس الشعبيتان الاصيلتان يمكن ضبط العناصر المحدد لنضج الشروط الثورية في الواقع
المادي على النحو الاتي:
وجود ازمة عامة عميقة لايمكن السيطرة عليها او الاحاطة بها
واحتوائها، لاسباب وطنية او لاسباب اجتماعية اقتصادية، او لكلاهما.
تصدع في الطبقة المالكة، والحاكمة، وتصادمات في اجهزة السلطة،
ما ينتج شروخا تفت من قدرتها على التحكم بمسارات الازمات، وتزداد التصدعات، فتسهم
في رفع منسوب الوعي التغييري، وتدخل اطراف منها في الفعل الثوري لاسيما في المرحلة
الاولى للعملية الثورية.
افتقاد النظام، ومؤسسته، وفئته الحاكمة للشرعية، واستحالت
استعادتها، والعجز عن احداث اصلاحات تعالج الازمات او تلطيفها، واللجوء الى القمع
طريقة وحيدة، وتقليص الفئة الحاكمة وانغلاقها الى اصغر الحلقات الضيقة.
تمرينات للحركة الشعبية، بفئاتها المختلفة، وعلى امتداد الساحة
الوطنية، ولزمن لازم لاختبار قوتها، وتوحيدها، وامتلاكها الجرأة والوعي والقدرة على
التنظيم، والادارة، وتقدم السياسي على المطلبي والعام على الفؤي والمحلي.
بيئات اقليمية ودولية مؤاتية وحافزة، وعجز القوى الرجعية
العالمية عن حماية الطبقة المالكة، وعدم القدرة على رعاية الثورة المضادة.
الى الكثير من الظروف والشروط الثانوية المساعدة، فحصول حدث
عابر يشعل الحقل اليابس، ويفاجئ الجميع بما فيهم الثوريين، الغارقين في انتظار
الظرف الثوري، وعندما يأتي لايدركونه، ويكون للعفوية والشباب فعل البدء.
في واقع الحال، اذا وضعنا خارطة الواقع الموضوعي في مصر وتونس
نستنتج بيسر انها مطابقة لتلك الشروط، ما يفسر ان الشرارة العابرة احرقت الحقل
واطلقت عاصفة ثورية اسقطت الشجيرات اليابسة بسرعة البرق، بينما جاء تأثيرها في
ليبيا، واليمن، وعموم المغرب، والبحرين، وسورية والعراق مختلف باختلاف الظروف
والمسارات، ومدى نضج الظروف الثورية.
فالشجيرات اهتزت ولن تنجوا واحدة من اختبار العاصفة تسقط ما يجب
ان يسقط او تلويها، ومن يثبت يصير عصيا بعد ان يتحرر من اعبائه وطفيلياته.
في مصر وتونس، تقزمت الطبقة المالكة والحاكمة الى الاسرة،
ومريديها، وطردت حتى الهوامش من المشاركة في البرلمانات والحياة الاقتصادية
والسياسية، وتصدعت الطبقة المالكة واختلفت فئاتها، وحفزت الازمة الجيش المهمش
والمخترق، والمستثنى من جنة الحكم والامتيازات، وتململ جهاز السلطة، من قضاة،
ومحامين واعلاميين، واداريين، وموظفين، ومنتجين ونخب ونخب الطبقة الوسطى، و قد اجرت
الحركة الشعبية تمريناتها في الحراك، الوطني، المناطقي، والفؤي الاجتماعي،
والوجهوي على مدى سنوات مديدة.
تقاطعت مع البيئة الثورية في مصر وتونس، والحالة هنا عامة تشمل
المنطقة العربية والعالم، بيئات اقليمية ودولية متغيرة، منفتحة على عوالم وهيكليات
جديدة في حالة مخاض كسرت حالات الاستقرار الستاتيكي المديد، فغلت يد القوى الدولية
والاقليمية على التدخل لحماية النخب الاقلوية الحاكمة المتحالفة مع قوى العالم
القديم، وصارت ازمات العالم القديم تتسبب في تفجير ازمات الدول والنخب الموالية.
فالعالم على عتبة نظام عالمي جديد يرث النظام الاحادي،
والاقتصاد الامبريالي مأزوم الى حد التهالك والعجز عن الاحاطة بالازمة، وتصديرها،
ولا من امكانية لمعالجتها باعادة هيكلة النظم الاقتصادية الاجتماعية والسياسية في
المراكز الرأسمالية الامبريالية ذاتها التي بدأت تضربها حيوية سياسية واجتماعية
تؤشر الى تصاعد دور الشارع، وتزايد التصدعات الطبقية والاثنية، وصعود ظاهرات
الراديكالية اليمنية الفاشية واليسارية الاشتراكية .
والبيئة الاقليمية في حالة اضطراب، ومرحلة مخاض تبحث عن بدائل
للاقليم، وفي النظام العالمي وتسعى الى مكانتها تحت شمس القارات والامم، في عصر
سمته الوحدات ما فوق القومية المشروطة بتحرر كل امة على حدى.
فتركيا تعيش حالة انتقالية مرتبكة، باحثة عن دور يرث في حالة
الفراغ التي يتركها انحسار الهمينة الغربية.
واسرائيل في حالة انعدام وزن وافتقاد لعناصر القوة الاستراتيجية
و التكتكية تضربها الازمات والمخاطر من كل جهة.
وايران الساعية الى مكانة يكبل يدها النظام وطبيعته وعقائديته
وتشققاته.
وباكستان وافغانستان تعيش حقبتها الانتقالية تحولت الى بؤرة
استنزاف للعالم الانكلوساكسو صهيوني، وتعجز عن استعادة دور المنصة الداعمة لليهمنة
الغربية على العرب والمسلمين.
اسيا تسعى الى مستقبلها وتبني قوتها، وتنتزع دورها بتقانة وهدوء
ببناء القاعدة الاقتصادية والتحول بالاقتصاد العالمي الى الشرق، وتنتزع مكانتها
دافعة القوى الامبريالية وتحالفاتها الى الخلفية، وتستثمر في الهمجية تورطها
بالحروب الاستنزافية.
اثيوبيا، القوة الخلفية الحليف الاقليمي كواحدة من منصات الغرب
للهمينة على الاقليم تعاني من ازمات، وعجز، وافتقاد القدرة للتدخل المطلوب في
الصومال، والسودان، وعموم افريقيا منطقة الصراع الدولي المثلث الاضلاع بين الصين
وامريكا واوروبا تتحفز شعوبها التواقة للاستقلال والسيادة والحرية.
امريكا اللاتنية استمثرت في تجربتها، وفي انشغال الغرب
الامبريالي في حروبه على العرب والمسلمين واخفاقاته، فاتقنت خطواتها باتجاه التحرر
والسيادة والتكامل القاري.
النظام الرسمي العربي الذي تشكل وتحول الى قوة اسناد وتمرير
للمشروعات الغربية وحماية اسرائيل والتنكيل بالقوى والتجارب التحريرية القومية
والوطنية، يعيش مأزقه، وينقسم على نفسه، ويتحول ظاهرة صوتية، وتفقد الهمينة
السعودية الساداتية ادواتها وقدرتها على الفعل الهجومي في لجم الثورات او اسقاطها
وقطع رأسها بحرفها....
والاقليات الاثنية والدينية، والنخب الحاكمة تفقد قدراتها على
التشكل قواعد ارتكاز للمشروعات الغربية، وبيئات لتصعيد نخب مواليه لها قادرة على
التخديم.
في البيئة الاقليمية المولدة للثورات، والمؤاتية للفعل الثوري،
يسجل لخيار المقاومة واستراتيجاتها وقواها انها على مدى اربعة عقود متصلة نجحت في
ازهاق فرص الغرب للهيمة على المنطقة وتحقيق حلم الهيمنة الكونية واعادة هكيلة
العالم ليكون قرن امريكي بامتياز، وفي حقبة المقاومة الاستراتيجية الدفاعية التي
تعززت بعد حرب تشرين وخروج مصر، وسقوط الاتحاد السوفيتي نجح العرب والمسلمون بهزيمة
الغرب، وتأزيمه، واعجازه عن تنظيم الهيمنة الامريكية الاحادية على النظام العالمي،
واطلق العنان لمقولة الاستشهاد، وحق الشعوب، واستعادت دورها في المواجهات وادواتها
التي جرت في لبنان، وخاصة في حرب تموز، وصمود غزة الاسطوري الشعبي، وفي احتضان
الشعب العراقي للمقاومة الابدع في تاريخ العرب المعاصر، وكذا فاعلية المقاومة في
الحاضنات الشعبية في افغانتسان وباكستان.
هكذا، يمكن الجزم بان البيئة الدولية، والاقليمية، وتوازن
القوى، والحقبة التاريخية القائمة تحفز على الثورات، وتستدعيها، والحال شبيه الى حد
كبير ماخلى الخاصيات العصرية، وعناصرها عن مجريات الحروب العالمية ونتائجها، تلك
التي شهدت الحروب العسكرية او التي جرت في فضاءات الاعلام والاقتصاد وسباق التسلح،
والتحفيز على النموذج المسماة الحرب العالمية الثالثة .
في حقيقة الواقع الدولي والاقليمي الحافز على الثورات، يمكن
تفسير الجاري في المنطقة العربية والاسلامية برمتها وتحديدا في الثورات الاصيلة
التونسية والمصرية، والاتيات الى عصر الثورة العربية.
الحروب العالمية السابقة التي حفزت روسيا على ثورتها البلشفية،
وتسببت بانتصار الثورة الصينية، واطلاق حركة التحرر العربية وعدم الانحياز، واسهمت
في انتصار الثورة الفيتنانية وشقيقاتها، والحرب الكونية الثالثة التي تسببت بتوفر
بيئات انتصار الثورة الاسلامية والثورة النيكاراغوية، وحماية الثورة الكوبية.
الى الحرب العالمية الرابعة التي اعلنها حلف الانكلوساكسو
صيهوني على العرب والمسلمين بحسب بوش، تعددت نطاقاتها واسلحتها وادواتها وساحاتها
وامتد زمنها منذ سبعينات القرن الماضي، تركزت في منطقة العرب والمسلمين، ودارت
بينهم وبين الحلف الهجمي، مع غياب وتراخي الامم والقارات وسكونها.
الحروب السابقة على الرابعة تميزت بانها جرت في اوروبا وبين
ظواريها، ورث المنتصر املاك المهزوم كما في الاولى، وفي الثانية ورث الروس
والامريكيون اوروبا المهزومة فقام النظام العالمي على نتائج الحروب. صار في الاولى
متعدد القطبية محترب، وفي الثانية ثنائي القطبية وفي الثالثة احادي القطبية متامرك
همجي ليبرالي استهلاكي مالي، وفي الثلاثة لم يكن للعرب حظ، فذهبت فرصتهم، بينما
اكملت الامم وانجزت ثورتها الديمقراطية الوطنية وبنت دولتها الامة، فنضجت المقدمات
التاريخية لنشوء ظاهرات الوحدات ما فوق القومية والقارية، كسمة حاكمة لعصر الالفية
الثالثة.
في الحرب الرابعة تختلف المعطيات، والبيئات، والشروط التاريخية،
فالحرب دارت مع العرب، وفي ارضهم، ويخرج منها مهزوم وسيكون منتصر، والمنتصر الوارث
من المنطقة ومن قواها، وفرصه واضحة، وثورته الديمقراطية الوطنية لم تنجزبعد
وانجازها حاجة تاريخية ليتقدم تاريخ الاقليم، واممه، وليتقدم تاريخ الامم ويبنى
النظام العالمي الجديد المتفاعل مع نتائج الحرب الكونية الرابعة وعناصرها وقواها.
هذا امر يفسر تسارع الثورة العربية بالتقسيط، وتحولها الى مركز
الهم الكوني، وتفعيلها للحلف الانكلوس ساكسو صهيو عربي اسلامي المتحالف ضدها في
الهجوم المعاكس لقطع مسارها ووأد نتائجها قبل ان تنضج.
فاستدعت حاجة الحلف الدولي، لحرب تفرض على ليبيا بتدخل عدواني
همجي. واستدعى، تدخل امريكي خليجي في البحرين، وفي اليمنواستدعى كسر قوالب وقواعد
لم يكن من اليسير كسرها في اعلان مجلس التعاون ضم الاردن والمغرب.....
وولد ارتباكا في مواقف تركيا وانقلابات في سياستها الخارجية غير
مفهومة الدوافع.
كما استدعى حرق وسائل ووسائط اعلامية وكشفها على اللا مهنية و
اللاموضوعية
واستوجب تدخلات سافرة في الشؤون الداخلية المركزة على سورية،
لهز استقرارها والاطاحة بوحدتها ومكانتها لاعادة احياء مشروع هيكلة السيطرة
الامبريالية وتطويق الثورات الاصيلة القاطرة للعرب والمسلمين الى العالم الجديد
وتشكيلاته.
والحال كلها تستدعي العرب، لاستكمال ثورتهم، وانجاز الحقبة
الثورية والتشكل امة واحدة، مالكة لاستقلالها وسيادتها ووحدتها، وحاضرة في بناء
الاقليمية الجديدة الشرط الواجب لبناء نظام عالمي جديد وارث لللاحادي المتداعي .
ذات الاسباب التاريخية، والعناصر المادية في حقب الحروب الكونية
والمراحل الانتقالية التي تلتها، ووفرت فرص للامم لاكمال شخصيتها تتوفر للعرب
والمسلمين، وتستدعيهم على عجل، وتضعهم امام المفصل التاريخ ان يكونو، او لايكونو
فتشتد المؤامرة عليهم ويتوحد العالم القديم لاسقاطهم، كما توحد في محاولة اسقاط
الثورة الفرنسية، ومحاولات سحق الثورة الاسلامية والبلشفية من قبل، فاستنزف قدراته
لاحتواء شروط الثورة في لبنان منذ سسبعينات القرن المنصرم، ويحاول اليوم لاسقاط
الثورة العربية البازغة من شوارع مصر وتونس والعربيات الاتيات الى العصر الثوري مع
اكتمال العملية الثورية هناك...
وبالعودة الى سورية، يعود السؤال، هل نضجت الظروف والشروط
الثورية ؟؟ وهل ينتج الظرف ثورة؟؟ ام شيء اخر؟؟
من نافل القول: ان ليس من عاقل يستيطع القول الجازم بان الظروف
في سورية شبيه بتلك التي توفرت في تونس ومصر، او توفرت من قبل في الثورات الاصيلية،
والادلة الواقعية كثيرة قاطعة...
والحال كيف يمكن فهم وتفسير الجاري في سورية؟؟ فان لم تكن
الظروف ثورية ناضجة فيها، فهي ناضجة في البيئات الاقليمة والدولية؟؟ وناضجة في واقع
الحاجات الانسانية العصرية، ففي مصر وتونس وسمت الثورة بثورة الكرامة والمعرفة.
في سورية بيئة توترات واضطرابات حفزتها وتحفزها الثورات
وعاصفتها، وما حققته من جرأة شعبية اسقطت اعتى واقوى الانظمة الاستبدادية القمعية
فانهارت هبية الدول والامن، وتجرع الشباب جرعات زائدة الى حد التهور وفي كل حال
الثورات تقلد ويدفع المقلدون والشعوب ثمنا للتجربة .
في سورية اثام، ومنكرات، وبيئات خصبة للفوضى، والاضطراب، صنعتها
السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي سرع من خطواتها الفريق الاقتصادي الليبرالي
الذي استولى على الادارة والتخطيط واخذها الى غير جهتها فحاول نزع روحها وتغيير
طبيعتها، وتحويل نظامها السياسي الى خدمة الحفنة الضيقة ممن وصفهم جمال باروت
بالمائة القابضة، وصب الماء في طاحونة هذ الفريق، تصلب شرايين النظام، وتلكؤه في
التفاعل مع الجاري في العرب، والتسمر في الحقبة الدفاعية الموصوفة بحقبة المقاومة
وصفة كانت مفيدة قبل انتصار المقاومة اللبنانية وصمود غزة، وهزيمة الغرب في
افغانستان والعراق، ولم تعد الوصفة مؤاتية لواقع يتطلب الانتقال الى الهجومية
واستعادة الخطاب والممارسة القومية ووضع هدف تحرير الجولان الان، وتحرير فلسطين
واستعادتها واعادة اصحابها لها.
استمرت عقلية الامن، والقبضة الحديدية، والكتم الاعلامي،
والاتكال على وطنية ووعي الشعب السوري، وقدرته على الصمود والتضحية ، وغاب عن البال
ان العالم تغير، وسورية ستتغير، بتغير العلاقة البنيوية بين الدولة النظام
والمجتمع، ووقع خلط بين الماضي والحاضر والمستقبل، فنظام القطاع العام، والاستقرار
الامني والاقتصادي، والثبات على القيم الوطنية القومية، في عهد حافظ الاسد، كان
ابويا للمجتمع، يفرض الامن والاستقرار ويقود سورية في وحدتها الوطنية في وجه
الخارج، ويحسم التناقضات الداخلية بشخطة قلم في بنية النظام نفسه، ويطعم المجتمع
ويلبي حاجاته بابتزاز دول الخليج مرة في ادارة الازمة اللبناينة وحروبهأ ومرات في
االصراع العربي الصهوني والقضية الفلسطينية، وفي كل الاحوال كان الاقتصاد اجتماعيا،
بشبكة امان اجتماعية، وريعي بمعنى التمويل من النفط او من المساعدات، تقدم هبات
للمجتمع وقطاعاته، كبنى تحتية او خدمات او ضمانات، بينما في السنوات العشر الاخيرة،
اختلفت الامور، وصار المجتمع يحمي الدولة والنظام، وصار يمولها ويمول فسادها،
ويتحسس تحولاتها الجارية لابعاد المجتمع عن دور الشريك في السلطة ومراقبتها الموازي
لدوره في الحماية والاستقرار والتمويل، فتخلخلت البنية الاجتماعية، وتقزمت القاعدة
الاجتماعية للنظام، واتسعت الوهدة بين الدولة والمجتمع، وتزاحمت الازمات، وتعاظمت
ارقام البطالة، والفقر، والهجرة الداخلية، والعجز عن تلبية الحاجات الاساسية
الضرورية، وانحسرت فرص الطبابة والتعليم والسكن وصار الاستهلاك الفاجر محرضا،
والثروات تنهب على الملء بلا وعد مستقبلي او جدية في المعالجة، فوعد الليبرالية
المزيد من الازمات والاكلاف، وافتقاد الفرص والمساواة الاجتماعية، والعدالة.
تكلس النظام، وتصلبت اللغة، وانهارت وسائط التفاعل مع الشعب،
وعلبت الحريات، وقننت الانتخابات المعروفة النتائج قبل اجرائها.
طاولت رياح الثورة العربية، وخاصيتها الشعب يريد، والشعب
يستطيع، والكرامة الانسانية والمعرفة ولفحت نسماتها الشعب السوري الاكثر حيوية،
وتسيسا، والدولة واجهزتها، تعيش في ماض درس واختلفت بيئاته وظروفه...
ولان الدولة واجهزتها اصبحت عبئا على المجتمع، معيقا لحراكه،
وعاجزة عن تلبية حاجاته، والتعبيرعن مصالحه، وافتقدت اليات الانتظام الاجتماعي
والسياسي القديمة لقدرتها على الاستمرار، جاءت حادثة عابرة في درعا، فاوقدت النار
في الحقل، وهزت الشجرة بعنف، وما زالت الهزة جارية.
تقاطعت في سورية ثلاث بيئات ولدت ما هي عليه:
حالة العصف الثوري والجرأة التي امتلكتها الشعوب بعد الانهيار
السريع لنظامي مصر وتونس .
بيئات الازمة الاقتصادية الاجتماعية وظهور حاضنات خصبة للحراك
الاجتماعي السياسي الوطني وجلها في الارياف، والمناطق الطرفية.
الهجوم الامبريالي المعاكس لاسقاط المنطقة ومنعها من تحقيق
ثورتها الوطنية الديقمراطية عبر ضرب اقوى الحلقات المؤسسة للمستقبل، بالتركيز على
ليبيا لقطع الجغرافية بين تونس ومصر، والقبض على الاموال الليبية، واقتحام افريقا
من بوابتها المتوسطية، واحكام تطويق مصر واستكمال تفكيك السودان، وحماية النظم
المغربية ، وتركزت في البحرين لمنعها من تشكيل قوة نموذج قاطر في مشيخات الخليج
العربي، والتركيز على سورية لاسقاطها وفك عرى حلف المقاومة والصمود لحرمان مصر
وتونس من قوة اسناد واعية متينة اسهمت في انجاز منصة البناء والنهوض في انجاز حقبة
المقاومة والصمود.
تفاعلت الثلاثية، فاطلقت عفاريت الازمة، وتداخلت فيها العناصر
والقوى، ووجدت القوى الخارجية استهدافاتها، وعناصر حافزة ومساعدة، وتحولت الحدود
السورية من جهة الاردن، ومن جهة لبنان، ومن جهة تركيا الى منصات لتصعيد الازمة
واخذها الى مجالات قد لا تكون الشرارة واولى التحركات تبتغيها .
وككل بيئة فوضى وحراك، يدلوا كل بدلوه ويحاول الاستثمار، والعمل
ليحقق ما يريد.
في بيئة سورية ثورات عربية، تنفعل وتفعل فيها، وفيها ازمة
اقتصادية اجتماعية طاولة قطاعات وفئات، ومناطق لم تبلغ ذروة الازمة الوطنية
الاقتصادية العامة
وفيها نظام مرن، لم يفقد مشروعياته الوطنية والاجتماعية، قادر
على التفاعل مع الناس وحاجاتهم ووعي سورية وحاجاتها ومكانتها وما يجب ان يكون.
وفيها مؤسسة حاكمة متماسكة والجيش والقوات المسلحة شريك فعلي .
ولسورية مكانة وموقع حاكم وقدرة على التحكم في مفاصل وخيارات
مستقبل الاقليم برمته وازماته المتفجرة.
ولها حلفاء قادرين على صد الهجمة الخارجية وضبطها عند حدود
الممكن والمعقول فليس من احد قادر على اخذها الى التجربة الليبية او البحرينية.
وفي بنيتها عناصر تفاعل خلاق، يسهم في اخذها الى الحوار،
والتفاعل والتغير السلس، والثورة البيضاء، وجل ما تحتاجه الثورة من فوق كعادتها
التارخية .
هذه ايضا عناصر مختلفة عما في تونس ومصر، والباقيات، والتجارب
الثورية التاريخية.
وهنا يمكن الرهان، ويجب البحث والتفحص لصياغة رؤية برنامجيه
للثورة في سورية لتعظيم وحدتها الوطنية ومكانتها، وتصعيد دروها في حماية وقطر
الثورات العربية، في حقبة الثورة الوطنية الديمقراطية التي لم تنجز مهاما التاريخة
بعد ولم تغادرها سورية برغم حالة العرب ونظمهم.
للبحث صلة، بمحاولة تفحص الواقع، وعناصره للتعرف الى القوى
الثورية، وللكتلة الشعبية التاريخية القادرة على حمل مشروع المستقبل وصناعته، وصولا
الى صوغ افكار اولية في مشروع رؤية برنامجيه ثورية للعرب من سورية.