أليس في النظام السوري رجل رشيد

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

من يستمع لأعمدة النظام السوري وأبواقه يشعر وكأنه أمام نظام لا ينتمي لأهل الكرة الأرضية ولا سكانها، جاؤوا من عالم آخر قد يكون سفلي أو علوي، فحديثهم غريب وقولهم عجيب وتعليقهم أغرب وتحليلهم أعجب.. ففي الوقت الذي يتقدم الأصدقاء منهم بالنصيحة الصادقة والتحذير المشفق نراهم يديرون الظهر لهم ويتبرمون من سماع ما يقولون، وإذا ما كرر حلفاؤهم ما يدّعون ويتوهمون انبسطت أساريرهم وملأت الضحكة أشداقهم!!

هذا الحال الذي عليه النظام السوري يجعل المرء يتساءل: أليس في هذا النظام رجل رشيد يخرج علينا بكلام موزون ومنطق معقول وتحليل مفهوم يحسب حساب العواقب وينظر بجدية لما يتخذه المجتمع الدولي من عقوبات متدرجة ضده جزاء ما تقترفه يداه من آثام وما يرتكبه من فواحش بحق المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة، ويتعظ بما أصاب من سبقه ممن ركبوا رؤوسهم وغرتهم أنفسهم فناطحوا الصخر وجروا على أنفسهم المهالك وعلى دولهم الخراب والدمار وعلى شعوبهم المرارات والعذابات، أليس في هذا النظام رجل رشيد يتفاعل بجدية مع تصاعد الاحتجاجات في طول البلاد وعرضها، التي تمتد يوماً بعد يوم أفقياً وعمودياً، وقد أخفقت كل الحلول الأمنية التي راحت أبعد مدى تصل إليه وهو التصفية وزهق الأرواح، ويأخذ الدرس مما حدث في تونس ومصر، ويصيخ السمع للأصدقاء ويحذر مما يردده الحلفاء، فالصديق يصدقك ويهمه أمرك، والحليف يخدعك لأن همه مصلحته وأجندته!!

للنظام السوري صديق مهم هو تركيا التي يئست منه من كثرة ما قدمت من نصائح وتحذيرات دون جدوى وقد ضرب بها عرض الحائط وبلا مبالاة، مما دفعها إلى القول الفصل: إذا ما أصر النظام على انتهاج سياسة العنف والقمع والقتل وتكرير ما حدث في حماة وحلبجة، فإن المجتمع الدولي سيأخذ القرار الذي لابد منه من أجل وقف شلال الدم، وتركيا جزء من هذا المجتمع وستقوم بما يتوجب عليها القيام به.

أيضاً للنظام السوري حليف مهم هو إيران التي ما فتئت تردد نفس دعاوي النظام وما يوزعه من اتهامات بحق المتظاهرين والمحتجين المطالبين بالإصلاح والتغيير من أنهم مندسون وعملاء وخون وطائفيون ومثيري فتن ومنفذي أجندة خارجية، وتشد على يده وتدعمه بالخبراء في القمع وتقدم له أحدث أدوات القمع والوسائل المبتكرة في التصدي للمحتجين والمتظاهرين، وتزين له أعماله وتسوغ له أفعاله وتعده بالوقوف إلى جانبه إذا ما تعرض لأي عمل عدائي. وإلى جانب هذا الحليف القوي يقف حلفاء صغار هم صنيعة النظام في لبنان.. يتمثلون بمليشيات وتنظيمات فئوية وطائفية تقوم على البلطجة والزعرنة كحزب حسن نصر الله والحزب القومي وحركة أمل وتجمع ميشيل عون وبقايا حزب البعث، الذين ارتبطوا بهذا النظام وبقاؤهم من بقائه. وإلى جانب هؤلاء يقف قلة ارتبطوا بصداقة مع النظام يتوجعون لحاله ويشفقون عليه، ومن بينهم الزعيم الوطني اللبناني وليد جنبلاط الذي تناسى دم والده الذي كان أهم ضحايا النظام السوري في لبنان تناغماً مع ما يدعيه النظام من ممانعة واحتضان للمقاومة ودعماً لها، هذا الصديق لم يعد يحتمل مشاهدة ما يجري في سورية من قمع دموي وإزهاق للأرواح فأدلى بدلوه ناصحاً بشار الأسد بأن يصغي لنداء العقل ويبدأ بالإصلاحات الجذرية التي تجنبه السقوط وتجنب سورية من كل المخاطر التي قد تحل بها كما هي الحال في ليبيا، ومما جاء في مقاله الأسبوعي في جريدة "الأنباء" التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه: (أناشد الرئيس بشار الأسد أن يبادر بسرعة إلى اتخاذ الخطوات الكفيلة بتحقيق تغيير جذري في مقاربة الوضع الراهن والتحديات التي تعيشها سورية، والذهاب إلى مقاربة جديدة يتم من خلالها استيعاب المطالب المشروعة وتلبيتها للحيلولة دون انزلاق سورية نحو التشرذم والنزف المستمر كما يتمنى كثيرون(.

وأشار جنبلاط إلى أن موقفه هذا ينطلق (من موقع الحرص على سورية وأمنها القومي ووحدتها الوطنية واستقرارها الداخلي ومناعتها وحصانتها، وحفاظا على وزنها السياسي في المنطقة).

واعتبر أن (سوريا تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى الصدق في التعامل والموقف لأنها تمر بمنعطف تاريخي لا تنعكس تداعياته على وضعها الداخلي فحسب، بل تمتد إلى لبنان والمنطقة بأكملها).

وفي لبنان عدد من الصحف الصديقة للنظام السوري، ومن بينها صحيفتا (الأخبار) و(السفير) اللتان لم تتوانيا، منذ بدء التحركات الاحتجاجية، عن التأكيد على (مشروعية) مطالب المحتجين وضرورة الإصلاح في سورية.

وفي افتتاحية لافتة، كتب رئيس تحرير جريدة السفير طلال سلمان الاثنين 23 أيار الحالي، والذي يعتبر من أهم أصدقاء النظام في لبنان: (أين هو الرئيس الشاب ولماذا لا يخرج ليواجه الناس بخطته الفعلية للإصلاح؟!).. (أين هو لا يتحرر من قيود الشكليات ومن المحطات الوسيطة، ليعلن بنفسه أنه قد أمر بوقف العمليات العسكرية، داعياً الجميع إلى المشاركة في الحوار من أجل إنقاذ الوطن ودولته من أخطار مصيرية؟!).

وأمام تخوف أصدقائه في لبنان عليه وعلى سورية نرى مواقف حلفائه هم رجع الصدى لدعاويه وفبركاته، فهذه قناة (المنار) التلفزيونية التابعة لحليفه نصر الله تتبنى رواية النظام فيما يجري على أن مبعثه، وجود (عصابات مسلحة ومندسين ومؤامرة خارجية)، ولم نسمع منهم نصيحة واحدة للأسد أو دعوته لوقف شلال الدم التي تفجره أجهزة الأمن والشبيحة والحرس الجمهوري من أجساد السوريين، وزهق أرواح المحتجين الذين يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة التي كم تغنى بها حسن نصر الله وضحك فيها على عقول السذج من أبناء هذه الأمة، هذا الشعب الذي وقف مع المقاومة الوطنية اللبنانية عام 2006 عند تعرض لبنان للعدوان الذي شنته القوات الصهيونية، واستقبل مئات الألوف من الفارين من الضاحية الجنوبية من قصف الطيران الإسرائيلي المدمر، وفتح لهم بيوته وقاسمهم رغيف الخبز وحبات الماء وقطرة الدواء، وكان جزاؤهم عند حسن نصر الله، عندما طالبوا بالحرية والكرامة والعدالة بشكل حضاري وسلمي، أنهم مندسون وإرهابيون وينفذون أجندة مؤامرة خارجية، وأنه مع النظام السوري في إزهاق أرواحهم وقتلهم وقمعهم وقلع أظافرهم وبقر بطونهم وجدع أنوفهم وكسر رؤوسهم وتقطيع أطرافهم والدوس على ظهورهم ولطم وجوههم بالأحذية، ومع محاصرة المدن وقطع الماء والدواء وحليب الأطفال والاتصالات عن سكانها، ومع انتهاك الحرمات وأماكن العبادة وتمزيق القرآن ونهب الممتلكات الخاصة والعامة وتحطيم كل ما في الدور والمحلات والشوارع، ومع تكديس جثث القتلى وبقايا أشلاء المعذبين حتى الموت في مقابر جماعية، شاهدناها وشاهدها العالم على شاشات القنوات العربية والعالمية، ووحدها قناة المنار امتنعت عن نشرها في تعتيم متعمد عما تقترفه العصابة الحاكمة في دمشق من جرائم وموبقات بحق الشعب السوري.

هذا هو الفارق بين صديق محب ومشفق وحليف همه تحقيق مصالحه.. فالغاية عنده تبرر الوسيلة مهما كانت قذارتها ووحشيتها، ومن هنا علينا أن نتساءل بحرقة أليس في هذا النظام رجل رشيد؟!