مججناك ومججنا خطابتك ووعظك
محمد فاروق الإمام
[email protected]
في خطاب ممجوج مستنسخ خاطب بشار الأسد لفيف حكومته الجديدة
القديمة المستنسخة عن الحكومات التي سبقتها في الشكل والمضمون، أراد به عبر وعود
(سين.. وسوف.. وتشكيل اللجان.. وأمرنا.. ووجهنا) أن يهدئ من غضبة الجماهير، ويلامس
عن بعد مطالبهم التي لخصوها بكلمتين (الحرية والكرامة)، اللتان غابتا عن هذا الخطاب
الذي تحدث عن مطالب معاشية يريد بها رشوة الناس وتمييع القضية الكبرى التي هي
العنوان الواضح والذي لا يحتاج إلى مزيد من التفكير والتحليل، وقد أخفقت رشوته
للإخوة الأكراد عندما وعدهم بمنحهم الجنسية السورية، دون أن يشير من قريب أو بعيد
بأن الجنسية هي حق من حقوق المواطنة وليست منحة أو منّة أو تفضلاً، ورفض الإخوة
الأكراد أن يبيعوا حريتهم وكرامتهم بهوية هي أصلاً حقاً من حقوقهم سلبها منهم هذا
النظام السادي لنحو خمسين عاماً.
هذا النظام السادي لا يريد أن يعي الدرس ويفهم مطالب الشعب، وقد
تعود أن يصدر القوانين والمراسيم من داخل أقبية الظلام والجهل والتخلف والاستبداد
والديكتاتورية ينفذها الشعب دون تردد أو محاكمة أو تبصّر كقطيع غنم لا يفرق بين
الطريق الذي يقوده إلى المراعي أو الطريق الذي يقوده إلى السلخ وجز الرقاب!
هذا النظام لا تستطيع معدته هضم مطالب الجماهير التي شبت على
طوقه وتمردت على قوانينه ومراسيمه وقراراته وثارت تطالب بالحرية المصادرة وبالكرامة
المداسة.. هذا النظام الذي لا يزال يعيش عقلية الحاكم الأوحد والقائد الملهم والفرد
الصمد الذي لا ينازعه في حكمه أحد.. هذا النظام الذي تعود أن تنحني له الرقاب
وَتُقوّس له القامات، لا يريد أن يسمع صيحات الجماهير وهتافاتها المطالبة بالحرية
والكرامة، وهو الذي تعود لنحو نصف قرن على شعارات ابتدعها وتفنن في إخراجها جيش من
المطبلين والمزمرين والهتافين والمتملقين والمنتفعين والمرتشين والفاسدين (بالروح
بالدم نفديك يا...)، ولم يسمع طوال هذه السنوات من الجوقة التي حوله لمرة واحدة
تهتف (بالروح بالدم نفديك يا وطن) وقد أُختزل الوطن والشعب في شخص هذا الإنسان
السادي، الذي نصب نفسه قائداً وموجهاً للمجتمع والدولة دون أي خيار للشعب أو رغبة
منه.
الرئيس بشار الذي قام بتوجيه تعليماته إلى حكومته الجديدة عشية
الذكرى السادسة والستين لجلاء المحتل الفرنسي عن أرض الوطن لم يلامس بتوجيهاته الحد
الأدنى من مطالب الجماهير التي لم يفهمها ولا يريد – على ما يبدو – أن يفهمها،
أدارت ظهرها إلى شاشات التلفاز وخرجت إلى الشارع في معظم المدن السورية وفي مقدمتها
العاصمة دمشق تعبر عن رفضها لكل ما جاء في توجيهات السيد الرئيس لحكومته الجديدة
رافعة سقف مطالبها (الشعب يريد إسقاط النظام).. (الشعب يريد إسقاط النظام)، ولم
تمهل شبيحة النظام هذه الجماهير التي هبت بعفوية إلى الشوارع متظاهرة بشكل سلمي
وحضاري لتعبر عن رفضها لكل ما جاء في توجيهات الرئيس لوزارئه، فقابلتها كعادتها
بسيل من زخات الرصاص العشوائي الجبان، لتزهق أرواح العشرات وتسفك دماء المئات من
حلب وحتى درعا مروراً باللاذقية وبانياس والرستن وحمص وتلبيسة.
الشعب الغاضب والجماهير الثائرة لم تثنها تلك الدماء عن مواصلة
المسيرة.. فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق، وقد شَدُت العزم بكل إصرار على
دفع الثمن واستحقاقات انتزاع الحرية واسترجاع الكرامة، وحناجرها تصدح بكل صراحة
ووضوح: (لقد مججناك يا بشار الأسد ومججنا خطاباتك ووعظك وتنظيراتك وتحليلاتك
وتوجيهاتك فارحل قبل أن تُرحّل).