مورثات الحرية المزروعة في خلايا الشعب السوري
مورثات الحرية المزروعة في خلايا الشعب السوري
هي الدافع الحقيقي للصمود والتصدي
م. هشام نجار
najjarh1.maktoobblog.com
أعزائي القراء
الذي دعاني لكتابة هذه المقاله والمدعومه بوقائع عاصرتها في
فترة الخمسينات من القرن الماضي وأخص منها ردود فعل الشعب السوري للضغوط الخارجيه
التي أحاطت بسوريا في عام ١٩٥٧ وانا في ذلك العام تلميذ في الصف الثامن إعدادي ولي
من العمر أربعة عشر عاماً لأبرهن ان الشعوب هي التي تفرض على الأنظمه طريق الصمود
,أما الأنظمه فكل همها الإستفاده من وعي شعوبها لتبقى في سدة الحكم لأجل لا يعرف
مداه الا الله سبحانه وتعالى.
أعزائي القراء في تلك الأيام كانت سوريا تحكم ديموقراطياً تحت
قياده واعيه بقيادة الرئيس الراحل شكري القوتلي رحمه الله وكان الشعب السوري يعيش
افضل ايام حريته ممزوجة بأقسى لحظات الضغوط الخارجيه عليه . فكيف كان تصرّف الحكومه
السوريه آنذاك ؟ وكيف كانت ردود فعل الشعب تجاه الضغوط الخارجيه عليه؟ ,هذا ما
سأحدّثكم به في مقالتي تاركاً لكم الإستنتاج والذي
سيؤكد لكم انه لا خوف على سوريا إذا أصلحت أمورها إصلاحاَ شاملاً وليس إصلاحاَ
غايته إمتصاص الصدمات ,بل أكثر من ذلك انه لا وجود لصمود حقيقي يخيف إسرائيل إذا لم
يكن هناك إصلاح كامل وشامل وبمشاركة رموز الشعب السوري الوطنيه
أعزائي القراء
الواقعه التي سأرويها لكم تبرهن ان الصمود والتصدي هو
بمثابه جين او مورث موجود في خلايا المواطن السوري من يوم ولادته وليست هي خصلةٌ
مكتسبه يصّدرها النظام للشعوب,كما أود ان أبين لكم حقيقه ساطعه أفتخر
بها تابعتها منذ ولادة ذاكرتي هي أن الشعب السوري ومنذ إستقلاله في مثل هذا الشهر
من عام ١٩٤٦ وحتى اليوم إختلف مع حكومات عديده توالت عليه من أجل أمور داخليه ولكنه
لم يختلف مع أي منها لأسباب خارجيه تمس كرامته والدفاع عن حقوقه وحقوق الأمه
العربيه,لأن الحكومات المتعاقبه على هذا الشعب الوطني غير قادرة على نزع جيناته
الوطنيه المزروعه في خلاياه من يوم ولادته فلننس معاً ان النظام يصنع الصمود
ونستبدلها بالحقيقه القائله إن الشعب السوري هو الذي يصنع الصمود بل أكثر من ذلك
يعرف كيف يحافظ عليه .وكلما كانت الحريه تعيش في دمه كلما ادت مُوَرِثاته الوطنيه
المزروعه في خلاياه وظيفتها على أكمل وجه
أعزائي القراء مع المشهد السوري في تلك الأيام
الزمان: عام ١٩٥٧
المكان: مدينة حلب شمال سوريا
الوضع السياسي: سوريا تحت حكم ديموقراطي.الشعب يرفض التحالفات
المشبوهه مما عرّضها إلى ثلاث ضغوط من ثلاث جهات كبرى الغايه منها حرف سوريا عن
خطها الوطني.
الجهة الأولى: كانت بريطانيا صاحبة النفوذ الأكبر في المنطقه في
تلك الأيام فهي صانعة حلف بغداد الذي يضم تركيا وتحيط بسوريا من الشمال,
والعراق يحيط بسوريا من الشرق , وإسرائيل من الجنوب إضافة إلى القواعد البريطانيه
المتمركزه في قبرص وكريت ومالطا.هذا الحلف كان يريد من سوريا ان تكون جزءاً منه.أما
الولايات المتحده فكانت تسعى لسحب البساط من تحت أقدام بريطانيا لتبسط نفوذها على
المنطقه وكانت تريد سوريا جزءاً من مخططها والتي تشكل السعوديه أحد أركانه. اما
الجهة الثالثه فكان الإتحاد السوفيتي والذي بدأ زحفاً على المنطقه بسياسته الناعمه
المختبئه تحت شعارات الحريه والإشتراكيه ونصرة العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين.
رفضت سوريا الضغوط مجتمعة وقررت الدفاع عن الحقوق العربيه والتي
أستبيحت من قبل إسرائيل وبدعم من الدول الكبرى بأي ثمن.هنا أخذت بريطانيا زمام
المبادره بالتعاون مع الولايات المتحده بتهديد سوريا بإحتلالها من قبل تركيا أو
الإستسلام والرضوخ للغرب وإسرائيل...رفض الشعب السوري ومعه حكومته الإستسلام وتوتر
الجو, فزحفت القوات التركيه بإتجاه سوريا وتمركزت على حدودها ودقت طبول الحرب
بإنتظار ساعة الصفر.
أعزائي القراء
تحولت مدينتي حلب إلى ثكنة عسكريه,وصار لكل مواطن مهمة خاصه
به. الشباب الصغار وانا منهم كنا نشتري الصحائف الزرقاء من المكتبات من مصروفنا
الشخصي ونوزعها على السكان ليغلفوا نوافذ بيوتهم تمشياً مع نظام التعتيم إضافة
إلى دهان مصابيح السيارات باللون الأزرق عدا دائره صغيره في منتصفها فتحولت حلب إلى
كتلة مظلمه ليس بمقدور أي طائره معاديه ان تهتدي إلى أهدافها. طلاب المرحله
الثانويه كانوا يشكلون كتائب الفتوه يوم كانت الفتوه خط الدفاع الثاني عن الوطن
وليست فرقاً إستعراضيه , أخوي زهير وغسان كانا جزئين من خط الدفاع عن الوطن, فما أن
تنتهي دراستهما اليوميه في المدرسه حتى ينطلقوا مع رفاقهم في كتائب الفتوه من مختلف
المدارس الثانويه إلى الشاحنات العسكريه, كل يحمل بندقيته التشيكيه النصف آليه على
كتفه وبعضهم يشكل طواقم الرشاش عيار ٥٠٠ والبعض الآخر يحمل قاذفات ضد الدبابات من
طراز آر بى جي وآخرين يحملون قاذفات اللهب من طراز بازوكا, وتنطلق الشاحنات الى
محيط مدينة حلب حيث حُفرت الخنادق في كل محيطها إستعداداً لقتال دائروي, بينما كانت
فرق المقاومه الشعبيه المدربه تدريباً عالياً تحتل قطاعاً آخر من محيط المدينه ,أما
قطعات الجيش ومدفعيته فقد نصبت مواقعها على خطوط
بعيده عن خطوط كتائب الفتوه والمقاومه الشعبيه المتمترسين في
خنادقهم خارج المدينه وفي داخلها قرب قنابل المولوتوف الموزعه في أماكن آمنه مع
مختلف انواع الذخيره. أزيز الرصاص وتفجيرات القنابل كانت جزءاً من التدريبات
الليليه تعودنا عليها كل ليله بل صارت إنشودتنا للنصر
أعزائي القراء
أريدكم ان تتصوروا معي وجود الآف البنادق بأيدي الشعب.. والآف
القنابل اليدويه الدفاعيه منها والهجوميه بأيدي الشعب.. ومئات الرشاشات وقاذفات
اللهب بأيدي الشعب .. ومستودعات الذخيره تحت تصرف الشعب ..كل ذلك والأمن مستتب
والحكومة مطمئنه والشعب واثقٌ من النصر.
مضى على حالة الإستنفار القصوى شهراً تأكد لتركيا وأمريكا
وبريطانيا بعدها ان قهر هذا الشعب بإيمانه وإستعداده وتنظيمه وتصميمه على الصمود
والتصدي أمر مستحيل, فإنسحب الجيش التركي وإنتصر الشعب السوري,
أعزائي القراء
القصه لم تنتهِ بعد.. فخاتمتها لا تقل فخاراً عن بدايتها,فقد
أعلنت القياده العسكريه عن إعادة قطع السلاح الى مستودعاتها بموجب الجداول المنظمه
لهذه الغايه...فكانت المفاجأه الرائعه والمذهله وهي إسترجاع كل قطعة سلاح وزعت على
الشعب دون نقصان قطعة واحده أو حتى ضياع خرطوشة واحده ..أما أنا فقد ودعت البندقيتن
اللتين تخصان أخوي زهير وغسان بدمعتين بعد أن تدربت على فك قطعها وإعادة تركيبها
وأنا معصوب العينين بزمن قياسي.
أعزائي القراء وأنا أستعيد ذكرى وقائع تلك الأيام
المجيده...طرحتٌ على نفسي سؤالاً اعرف جوابه كما تعرفون أنتم جوابه: هل بإمكان أية
دوله عربيه صامده أوغير صامده في أيامنا الحاضره أن تضع بيدِ أحد مواطنيها مقلاع
داوود ولا أقول بندقية صيد؟ رجاء الإفاده حتى تسمع الأنظمه رأي الشعوب بها؟
الصمود له مقوماته ولن يكتب له نجاحاً الا إذا كان الشعب حراً
لإنه هو الذي سيحسم المعركه .
وأخيراً أقول :إن على القياده السوريه مسؤولية كبرى وهي تنفيذها
لحزمة الإصلاحات كاملة غير منقوصه فصمود سوريا في نيل حريتها..وأكررها ثلاثاً
وآخر كلمة لي هي ترديدي مع الشعب لعبارة بدأت تُسمع في كل مكان
من سوريا ..في الجامع والكنيسه..في المدرسة والجامعه..في الثكنة والمعسكر...في
المصنع والمزرعه الكل يقول بصوت واحد: سوريا الله حاميها وبَسْ
مع خالص تحياتي