يوميات متظاهر
يوميات متظاهر
كان يوماً عادياً كأي يوم جمعة أقضيه في بلدي الغالي
بين أعمدة مسجد الرفاعي جلست أصلي صلاة الجمعة، لكنها كانت صلاة مختلفة وجديدة كلياً
خطبة الشيخ أسامة الرفاعي التي أتت لتضع النقاط على الحروف، أتت لتحق الحق، نعم أول مرة في حياتي أرى راية الحق مرفوعة تنتظر من يقف تحتها
خطبة ألحقت العار بالكثير من علماء الدمشق الذن اختاروا تنظيف القذارة التي حصلت بعمائمهم ولحاهم
انتهت الصلاة وانفجر المسجد، تجمع عدد من الناس وسط المسجد يهتفون لا إله إلا الله، لا إله إلا الله
كان عددهم بضع مئات هتفوا ونادوا باسم الله العلي العظيم، التف الناس في دائرة محيطة بالمتظاهرين واندسست بين الملتفين نراقب المظاهرة من بعيد كان بيننا وبينهم حوالي 5 أمتار
وهنا وجدت بعبع الخوف الذي تمت زراعته بداخلي منذ صغري، كان قلبي يخفق برعب شديد وأنا أنظر للمظاهرة وللهتاف يعلو، كل خلية في جسدي تريد أن أكون بينهم ولكن البعبع كان أقوى بكثير جلست أتفرج وأنا أعيش صراعاً داخلياً رهيباً
تحركت المظاهرة ببطئ تجاه باب المسجد وكنت أرى الشباب الذين سبقوني وانتصروا على بعبعهم ينضمون للمظاهرة، مع كل دقيقة كان ينضم بضعة عشرات من الشباب المراقبين للمظاهرة وكنت ألحظ تغيراً كبيراً في وجوههم وأصواتهم فور دخولهم إلى قلب المتظاهران
تحركت المظاهرة تجاه باب المسجد وهنا هتف الناس بالروح بالدم نفديك يا درعا، رددوها وصدحوا بها، صوتهم قتل البعبع الذي بداخلي فانضممت إليهم، ووالله إنه لأطيب طعم ذقته في حياتي
وما إن نطقت بها لأول مرة، بالروح بالدم نفديك يا درعا حتى سالت دموعي أخذت أصدح بها أريد لصوتي أن يبلغ الدنيا كلها
سرت مع المظاهرة إلى خارج المسجد وكان حذائي بالداخل، سرت حافياً حتى خرجنا من المسجد وقد أصبح عددنا قرابة 500 أو 600 نهتف لدرعا ولشعبها البطل
كنت أرى الشباب الذين يراقبون من بعيد وهم يعيشون صراعهم الداخلي مع بعبعهم، لازال البعبع أقوى منهم وهم لازالوا يدفعونه
ابتعد بعض الشباب عن المظاهرة وابتعدوا عنها بعد ان وقفوا يتفرجوا لدقائق، نعم هزمهم البعبع وعادو كالخراف ليختبئوا في بيوتهم
العدد كان في ازدياد وكان الناس الذين يحيطون بالمظاهرة يراقبوها من بعيد أكثر من المتظاهرين إن لم يكونو بنفس عددهم
هنا بدأت الأحداث تأخذ منحى آخر
دخل باص بلون أخضر، وهو باص الأمن إلى الموقع وبينما كانت أعين الناس عليه تفاجأنا بأعداد من رجال الأمن يركضون من الجهة الثانية علينا، كانوا قد نزلوا من الباص قبل أن يصل إلينا، دخل هؤلاء الكلاب أولاد الكلاب بالعصي المطاطية وانهالوا ضرباً بالناس
رأيت شاباً تلقى ضربة على وجهه مباشرة فغرز لح خده بأسنانه وسقطت قطعة لحم من فمه على الأرض وتضرج وجهه بالدماء
وأقسم بالذي خلقني أني رأيت هذا الحدث أمامي
عندها تراجع الناس إلى باب المسجد وهم يصيحون سلمية سلمية
تجول كلاب الأمن راكضيت يضربون الناس ويلتقطون أكبر عدد ممكن من الناس ويرموهم في باص الاعتقال
وكان بضعة منهم يحمل عصياً كهربائية يحاولون بها تفريق المظاهرة
مظهر الدماء دفع كل من كان يقف يراقب من بعيد إلى الانضمام للمظاهرة فبمجرد دخول الأمن تضاعف عدد المتظاهرين وأصبحوا حوالي الألف
احتاج هؤلاء الجدد لرؤية الدم الطاهر ينزف على تراب الوطن الغالي ليهزموا البعبع الخاص بهم
وحاول المنضمون القادمون من خلف رجال الأمن التقاط بضعة من هؤلاء الكلاب عندها خاف كلاب الأمن وتراجعوا لجوار باصهم الذي كان يقف بالعرض على شارع الجمارك قرب جامع الرفاعي
وبقي بقية رجال الأمن في ساحة كفرسوسة يعتقلون كل من يحاول الانضمام للمظاهرة
وهنا تبين أن خطة الأمن تنقسم إلى ثلاث خطوات، الأولى وهي ضرب وتخويف الناس قدر الإمكان،
أما الثانية فهي تطويق المظاهرة لكي لا تكبر ولا تتحرك مع اعتقال أكبر عدد ممكن ليعودوا بهم كغنائم لغاراتهم
أما المرحلة الثالثة وهي تفريق المظاهرة
كان الناس مجتمعون يهتفون
الله سوريا حرية وبس
الخاين يللي بيقتل شعبو
وهنا لي وقفة لكل عاقل، العنف يرفع سقف المطالب من تعاطف مع درعا إلى الحرية والتغيير
تجمع عشرات من رجال الأمن والتفوا حول المظاهرة، توقفوا في ساحة كفرسوسة وبدأوا يهتفون الله سوريا بشار وبس
وتقدموا يمشون ببطئ وتمركزوا على يمين المظاهرة
تم تكرار هذه العملية ثلاث مرات من عدة جهات وأصبح المظاهرة من الداخل مظاهرة تعاطف مع درعا ومطالبة بالحرية
أما من الخارج فهي مظاهرة مؤيدة
وتم نشر صور لهذه المظاهرة على أنها مؤيدة حيث يحتشد عدد كبير من الناس، والكاميرا تصور من الخارج، ضوضاء لا يفهم منها إلا ما يهتف به رجال الأمن المطوقين للمظاهرة
بالروح بالدم نفديك يا بشار
هذه الطريقة الذكية تم استخدامها للإظهار أي مظاهرة حرية على أنها مؤيدة
إلى هنا كنا لانزال نهتف
ولا نجرؤ على الخروج والابتعاد عن المظاهرة
فكلما خرج شاب من المظاهرة وابتعد عنها التقفه رجال الأمن وساقوه إلى مكان مجهول
تجمعنا عند سور المسجد ونحن نهتف لدرعا وكان هناك شاب يقف فوق سيارة تاكسي مركونة أمام المسجد يقود الهتاف
هو يهتف ونحن نردد خلفه
ورأينا رجلاً آخر يقف بجواره وبدأ هو يهتف معه ثم دفعه من على ظهر السيارة وبقي وحده يقود الهتاف
لحظة الحسم في هذه المظاهرة أتت هنا حين تبين أن هذا الرجل من الأمن
في لحظة أوقف الهتافات لدرعا وللحرية وقال الله سوريا بشار وبس
عندها سكتنا كلنا وردد خلفه عصابات الأمن المندسة في المظاهرة أقدر عددهم بحوالي المئة شخص
هنا علا صوتهم وظلوا يرددون هتافات مؤيدة
تحركت المظارهة للابتعاد عنهم والبدء من جديد ولكن فريق الأمن كانوا يتحركون معنا حيثما اتجهنا وهم يهتفون بهتافات مؤيدة
هنا فقدت المظاهرة عامل التنظيم وأصبح كل مجموعة صغيرة تهتف لوحدها بدون توافق فلم يعد يسمع إلا الهتافات المؤيدة واضحة جلية
استمر الوضع على حاله وبدأ الناس يتفرقون وكنت من الذين تفرقوا في هذه اللحظة، عدت إلى المسجد وجلبت حذائي وأنا أتلفت خوفاً من وجود عين تراقبني وتنتظرني لأبتعد عن الناس ولكن الحمدلله كتب الله لي السلامة
أخذت حذائي وخرحت من من الباب الجانبي للمسجد حيث اخترت لحظة مرور مجموعة رجال فاندسست بينهم وسرت معهم مسافة طويلة جداً بعدها افترقت عنهم وعدت إلى بيتي
عدت إلى بيتي رجلاً، كان طعم أنفاسي مختلفاً
نعم لم أجلس أتفرج على أهلنا يقتلون
ولم أرضخ لبعبع الخوف الذي رافقني لعقود
من تجربتي هذه سألت نفسي
ماذا لو أطلق الأمن الرصاص وسقط قتلى!!!
لم يكن ليفعلها كوننا كنا في ساحة رئيسية في قلب العاصمة وآلاف الكميرات الرسمية ستلتقط هذا الدليل القاطع
ولكن هذا ماحدث في درعا
تذوقت جزءاً من طعم الطغيان الذي ذاقه أهل درعا
وبعدها أهل اللاذقية وحمص وحلب ودمشق
فمن يضرب الناس بالعصى على وجهه فيسقط مضرجاً بدمه، وما إن يسقط حتى يمسكه إثنان ويجرونه ويرمون به في سيارة الاعتقال
ألا يطلق الرصاص؟؟؟
والله طلق الرصاص يحتاج لشجاعة أقل بكثير من المهاجمة بالعصى وبعصى الكهرباء
يحتاج لشجاعة أقل بكثير من ان تقف على بعد نصف متر من رجل أعزل تكيل له الضرب المبرح وتمتلئ العصا بدمائه
هذا ماحدث في مسجد الرفاعي
والله تعالى على ما أقول شهيد
ووالله لم أزد بحرف ولم أنقص حرفاً
وإلى كل عربي سوري
نعم تأكد أن دماء طاهرة أريقت على الأرض
وتأكد أن الدم لا يزيد الناس إلا غضباً
لذلك أرجو منك احترام هذه الدماء وأن تدعو لها بالرحمة ولأهلها بالصبر
ولبلدنا بالحفظ
تحيتي لكم