نعم إنها جمعة الشهداء
نعم إنها جمعة الشهداء
محمد فاروق الإمام
[email protected]
(المؤامرة
كبيرة.. ونحن لا نسعى لمعارك، وإذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلاً وسهلاً بها)،
هذه هي العبارة الأكثر وضوحاً في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، الذي خصص لمناقشة
الانتفاضة الشعبية التي اجتاحت عدداً من المدن السورية وسقط خلالها العشرات من
الشهداء والمئات من الجرحى خلال الأسبوعين الماضيين لظهور الأسد الوريث في مجلس
التهريج الأراجوزي الذي ورثه عن أبيه شكلاً ومضموناً.
وإذا أسقطنا معادلة أن إسرائيل هي العدو للنظام بحسب المعطيات
على الأرض (هدوء جبهة الجولان المحتلة من قبل العدو الصهيوني منذ العام 1967،
والتأكيد على تنازل النظام السوري عن مرتفعات الجولان لإسرائيل عقب عقد اتفاقية فك
الاشتباك التي وقعها النظام السوري مع العدو الصهيوني في اتفاقية الكيلو 54 عام
1974 التي تضمنت فيما تضمنت الأمن والاستقرار للمستوطنين الصهاينة الذين تسابقوا
إلى هذه المرتفعات لإقامة مستعمراتهم عليها، والتي أدخلت الصراع السوري الصهيوني في
غيبوبة مزمنة، ومناداة الرئيس الراحل حافظ الأسد بخيار السلام الاستراتيجي مع
إسرائيل، وتخليه عن التوازن الاستراتيجي العسكري معها). كل هذه المعطيات تؤكد على
أنه لم تعد إسرائيل تشكل أي نوع من العداء في قاموس النظام السوري.
إذن فمن يهدد بشار الأسد بقوله: (إننا لا نسعى لمعارك، وإذا
فرضت علينا المعركة اليوم فأهلاً وسهلاً بها)، ولا يختلف اثنان في أن العدو الذي
يقصده بشار في خطابه هو الشعب السوري؟!
بشار اليوم يهدد الشعب السوري باستعادة (إنجازات) أبيه البطولية
ضد الشعب السوري عندما أقام له عشرات المجازر ونصب له المقاصل والمشانق في حماة
وحلب وتدمر وسرمدا وبانياس وحمص واللاذقية وجسر الشغور ودمشق، والقبور الجماعية في
صحراء تدمر على مدار سنوات ثلاث (1979-1982) راح ضحيتها عشرات الآلاف بحسب إحصائيات
محايدة، وتسوية أحياء كاملة من مدينة حماة مع الأرض بما فيها من دور عبادة وثقافة
وتعليم ورياضة وتاريخ وتراث، وساق الآلاف إلى السجون والمعتقلات وأقبية التحقيق في
أجهزة أمنه السبعة عشر، والتي أشقاها وأرعبها فرع فلسطين وفرع المخابرات الجوية
وفرع أمن الدولة، والمحاكم العسكرية والاستثنائية، وقد خلفت الآلاف من المفقودين
(20 ألف مفقود) الذين لا يعرف مصيرهم حتى الآن بعد أكثر من ثلاثين سنة، وضحايا
القانون (49/1980) الذي يحكم على كل منتم لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام بأثر
رجعي، ويطال هذا القانون أقرباءهم حتى الدرجة الرابعة، ونفي مئات الألوف إلى خارج
الوطن موزعين بين قارات العالم منذ العام 1980.
بشار الأسد يبشر الشعب السوري بمثل هذه المجازر وبمثل هذه
المقاصل والمشانق والسجون والمعتقلات وأقبية التحقيق والمحاكم العسكرية
والاستثنائية والإقصاء والنفي، والتي بالفعل أقدم عليها عندما أمر شقيقه ماهر الأسد
قائد ما يسمى بالحرس الجمهوري بتصفية سجناء الرأي في سجن صيدنايا عام 2008 وقتلهم
بدم بارد، وقد أظهر فديو وصل إلى وسائل الإعلام يقف فيه ماهر الأسد فوق بقايا أشلاء
جثة أحد هؤلاء السجناء وهو يصور الرؤوس المقطوعة والأطراف المبتورة والأحشاء
المتناثرة دون أن يرتعش له جفن أو يهتز له بنان .
وهو اليوم يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه بدأ بالفعل معاركه
الحقيقية مع عدوه الشعب السوري الذي انتفض شبابه منادين بالحرية والكرامة، وواجه
هؤلاء الشباب، الذين كانوا في معظمهم لم يتجاوزوا الخامسة عشرة من العمر وبينهم من
كانوا دون العاشرة، المسالمين الذين كانوا يرفعون أغصان الزيتون ويهتفون بشعار
واحد: (الله.. سورية.. حرية وبس) بالرصاص الحي دون الوسائل الأخرى التي يعرفها
العالم كله (قنابل الغاز ورش الماء والهراوات والرصاص المطاطي إذا لزم الأمر)..
قابل هذه الجماهير المتظاهرة سلمياً بالرصاص الحي الذي صوب إلى الرؤوس والصدور بهدف
القتل.. والقتل فقط، كما صرح بذلك الكثير من الأطباء الذين استقبلوا هؤلاء الشباب
في المستشفيات الرسمية أو الميدانية في الجوامع.
لقد كانت كلمة السر بين بشار وقتلته أوامره المشددة على (عدم
استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين حتى ولو اعتدي عليهم) ونفذ المجرمون أوامر السيد
الرئيس بفعلهم الجبان بقتل المتظاهرين وعدد من رجال الأمن لتكتمل الصورة التي حاكها
أمن النظام خلف الستائر السوداء.
وكانت التهمة حاضرة في كل مرة يسقط فيها الشهداء (إنهم
المندسون.. إنهم العصابات.. إنهم القادمون من خارج الحدود.. إنهم الأصوليون.. إنهم
الفلسطينيون).
الرئيس بشار يستغفل الناس ويهزأ بعقولهم ويتمادى بغباء مصطنع
تسوّقه حفنة من الإعلاميين المأجورين الذين فقدوا الحد الأدنى من مهنة الصحافة
وحياديتها، وقد فقدوا قبلها الضمير وشرف المهنة ليسوقوا – كما قلنا – هذه الأكاذيب،
وعندما جوبه أحدهم بسؤال إحدى مذيعات قناة الجزيرة: سيّرتم الملايين من المتظاهرين
المؤيدين للنظام ولم نسمع عن وجود مندس واحد يعكر صفو هتافاتهم (بالروح بالدم نفديك
يا بشار.. الله وبشار وبس) ولم نسمع أن هناك طلقة واحدة سمعت في هدير هذه الجموع
الغفيرة، وهي الأسهل للمندسين – إن كان هناك مندسين – لكي يتيهوا بين هذه الجماهير
المحتشدة، فبهت ذاك الإعلامي ولم يحر جواباً، كما بهت نيرون عندما قال له سيدنا
إبراهيم (إن الله يأت بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب)!!
شباب الانتفاضة سيكون ردهم على فعل بشار رداً حضارياً، ولن
ينجروا مهما غلت التضحيات وزادت أرقام الشهداء إلى مستنقع دموي يريده بشار ويخطط
له، فلن تمتد يدهم إلى رجال الأمن وعناصر الجيش وهم أخوتهم وأولاد عمومتهم إلا
بغصون الزيتون والورود وباقات الرياحين والزيزفون، محتسبين قتلاهم عند الله ودماء
جرحاهم تسقي الأرض التي تنبت من أديمها شقائق النعمان، التي لن يبخلوا بتقديمها
لرجال الأمن وأفراد القوات المسلحة كلما تظاهروا وكلما جوبهوا بالرصاص الحي.