ليس دفاعا عن العلويين!

عامر العظم

يتوقع المرء أن نظاما بعثيا يرفع شعار "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة" هو عابر للطائفية ولا يؤمن بها بل قضى عليها خلال عقوده الاستبدادية الأربعة.. لكن النظام السوري لم يستغل الطائفية ويمارسها بشكل مبطن لإحداث شرخ نفسي بين أطياف وطوائف المجتمع السوري فحسب، بل جعل كل السوريين يخشون بعضهم بعضا بعدما حوّل أكثرهم إلى مخبرين ومرتشين وخائفين.

كان أي ضابط أو مسؤول سني يخشى أصغر موظف علوي سواء كان هذا العلوي نافذا حقا أو لم يكن. كان هناك خوف متأصل يعيشه السوري، وبالتالي نفاق مزمن يمارسه السوريون تجاه بعضهم البعض. كنت ترى الأم تزمجر بصمت وعبر حركات الجسد الغاضبة _ خشية أن تسمعها الجدران أو المخبرين ـ  في ابنها إن علق مازحا على صورة أو تمثال أو تصريح للرئيس السوري وخاصة الراحل.

طبعا، لا يمكن أن نقول أن جل العلويين هم أتباع أو مؤيدون أو مستفيدون من النظام، فكثير منهم فقراء كباقي شرائح المجتمع السوري وبعضهم معارض وتعرض للاعتقال، وبعضهم شريف جدا لا يتكسب من النظام أو من خلال خلفيته الطائفية. تعرفت شخصيا على بعضهم ممن تعرضوا للفصل واضطروا للهجرة لأنهم شرفاء يرفضون استغلال الطائفة لتحقيق مصالحهم الشخصية.

لم يستطع ما يسمى "النظام العروبي أو الوحدوي" القضاء الكامل على الطائفية أو الفرز أو التوتر الطائفي حيث لم يسمح باحتكاك أبناء الشعب السوري ببعضهم بشكل سلس بدون ضغط نفسي من جهة، ولا بتواصل الطوائف ببعضها البعض من جهة أخرى، فكل لا يعرف أو يتوجس من الآخر، هكذا سمعت وفهمت الدكتور عارف دليلة وهو يتحدث على إحدى المحطات التلفزيونية.

حدثني سوري في طرطوس قبل سنة عن التمييز والتوجس المزمن من الآخر في الدوائر الحكومية والجامعات، كما حدثني سوري من اللاذقية عن الفرز الطائفي والتعايش الاصطناعي بين السوريين من مختلف الطوائف. سبب ذلك هو الفكر الطائفي أو الممارسة الطائفية المبطنة للنظام الذي لم يحاول أن يزيل هذا الجدار النفسي بل عززه ليظل سيدا وحيدا على سدة الحكم.

يرفع النظام حاليا فزاعة الفتنة الطائفية لتشويه وإفشال ثورة السوريين وهو الذي فشل في القضاء عليها، إن وجدت، خلال فترة حكمه، وبرغم ايماننا بأن السوريين غير طائفيين كباقي الشعوب والأفراد،  ويتعايشون مع بعضهم منذ مئات السنين قبل وجود هذا النظام وبعده، فإن من يجب أن يُلام، إن كان هناك شحن أو تأزم طائفي هو النظام الذي قبض على أنفاس السوريين لعقود.

يحدثني دائما صديق سوري (سني) – وما أصعب الحديث أو تصنيف الأشخاص حسب أديانهم وطوائفهم في عصر الانسانية ـ عن أصدقائه السوريين العلويين ويقول نحن في سوريا لا نهتم ولا نسأل الآخر عن دينه أو طائفته، وأراه دائما يمتدحهم ويثني على جيرتهم وثقافتهم وكرمهم واستعدادهم الدائم للمساعدة، ويقول لو قُدّر لي أن أختار جيراني، فإنني سأختار العلوييين والدروز فقط!

تعرفت على مئات السوريين من كافة الأديان والأعراق والطوائف ولم أجد فيهم إلا شعبا متحضرا. ينسى كثيرون أن كثيرا من العلويين والسنة كأفراد تصاهروا وتجاوروا وتشاركوا وتعلموا وتقاربوا حتى دينيا عبر السنين، وأن الفاسدين في سوريا هم من كل الطوائف حتى لو استغل النظام السوري طائفة أو فئة ما في مرحلة ما لهدف ما. ينسى النظام أن العلويين أناس متعلمون ومثقفون وهم أوعى وأذكى منه بكثير!