وخرج هيثم المالح من السجن مرفوع الرأس
كما دخله مرفوع الرأس
الأستاذ هيثم المالح
طارق أبو جابر
بداية أود أن أقدم التهنئة لشعبي وأمتي ، وأعبر عن مشاعر الابتهاج بخروج المناضل الحقوقي الإنساني الكبير الأستاذ هيثم المالح من السجن شامخا مرفوع الرأس ، كما دخله شامخا مرفوع الرأس - كما توقعت في مقال سابق - وهو يحمل قضية شعبه ، ويدافع عن مأساة شعبه ، ويواجه بقلمه المقدس ، ولسانه المطهر ، أدوات البطش والقمع والظلم والتسلط والاستبداد ، الذي تمارسه سلطة غاشمة متجبرة على الشعب البائس المعذب الممتهن بحكمها ، وتفخر وتزهو بحرمانه من أبسط الحقوق الآدمية لبني الإنسان .. مكبرا ومقدرا جميع الأصوات والأقلام الحرة التي هبت تنافح عن هذا الرجل المناضل من أجل حرية شعبه وكرامته ، سائلا المولى عز وجل أن يفرج عن المسجونين المظلومين، ويرحم الشهداء الأبرار، ويلم شمل المهجرين والمبعدين.
خرج هيثم المالح من السجن مرفوع الرأس كما دخل .. دون استعطاف و دون تعهد بالاستقالة من النضال والدفاع عن كرامة شعبه وحريته ، بداعي العمر والسن والظروف الصحية .. كما كان يخطط بعض المشفقين – مع التأكيد على أنهم مشفقون – ودون أن يقرّ بأن شعب سوريا لا يستحق الحرية والحياة الكريمة .. وليواصل الدور الذي نهد له ، وعزم على المضي به ، من أجل شعب سوريا الذي لا يستحق الإهانة والإذلال الذي يعانيه ..
لقد طوفت على مدى ثلاثين سنة في أصقاع الأرض ، ومكثت في عدد من الدول - ولا والله - ما رأيت أعظم من شعب سوريا ، ولا أعز من شعب سوريا ، ولا أروع من شعب سوريا ، ولا أعذب من ماء سوريا، ولا أكرم من أهل سوريا ، وما يزال هذا تصور الناس الذين لقيتهم، وفكرتهم عن سوريا وشعبها ، دعك مما فعلته بها الغربان السود!
ولقد وقفت مرة في محفل ، وتكلمت أمام رجل عربي كبير جليل ، عن الوطن والوطنية فسألني بعد كلمتي ، وكانت شعرا ، وما أنا بشاعر: أأنت من (...)؟ قلت :أنا من سوريا ، فرفع يده تعظيما ، وقال : إيــــــــــــه ... أنتم مــين قــدكم !! نعم يا أستاذ هيثم : نحن لا أحد قدنا ومثلنا : رقيا ووطنية وإيمانا وعروبة وإنسانية واستبسالا وإخلاصا .. لا أقولها استعلاء وتفاخرا، وإنما أقولها تحببا وتقربا وزلفى لكل بني الإنسان .. فلماذا يفعلون بنا ما يفعلون ؟ هل يستأهل شعب سوريا هذا الذي يفعلونه به ؟ وهل جناية شعب سوريا أنه لا يستطيع أن يعيش خانعا بلا حرية وكرامة ، مهما بلغ به البطش والقمع ؟ لماذا يسخّرون وسائل الإرهاب والهلاك ، ليعزلوا شعبنا عن إنسانيته وحريته وكرامته ؟ لماذا يضعونك ويضعون أمثالك في السجون أو القبور، ويسمونك مجرما ، ويسمونهم مجرمين ؟ ثم يطلقون سراحك ب(عفو) رئاسي، ليوهموا العالم أنهم أصحاب (عفو) وتسامح ، بعد أن حاصرهم شرفاء العالم مستنكرين قمعهم وظلمهم وبطشهم بالشعب ، وعدوانهم على إنسانيتك وإنسانية أمثالك من الأحرار الأخيار؟ أما كان أكرم لهم ، وأندى لقلب شعب سوريا المكلوم ، أن يخرجوك من السجن بمرسوم يعلنون فيه براءتك وبراءة أمثالك من الذنب ، ثم يكرمونك ويكرمون أمثالك لمواقفكم الحرة النبيلة التي تعبر عن أصالة شعبكم، باعتبار أن كل واحد منكم أنموذج من النماذج الحية الكثيرة للرجولة والبطولة والفداء والاستبسال من أجل الشعب والوطن ، وهي النماذج التي تذخر بها سوريا، وتفتخر وتعتز بها أمام الأمم والشعوب؟
أن يكرموك ليس بالتماثيل الجامدة ، ولا بالأوسمة الصفراء الباهتة ، وإنما بالاستجابة لمطالبك برفع الظلم والقهر عن هذا الشعب الكريم ، ثم يعلنون بمرسوم يعزفون في مقدمته النشيد الوطني ، أن شعب سوريا شعب حر كريم عزيز، يفتخر برجاله العظماء الأبرار الأوفياء الذين وقفوا حياتهم من أجل قضية شعبهم ، وضحوا ويضحون بأنفسهم من أجل الحفاظ على وطنهم وحريته وكرامته ، ولا يستحق هذا الشعب الأبي – بسبب إبائه - السجن والقمع والملاحقة والتشريد ،وإنما يستحق الحرية والإعزاز والإكرام ؟
إنني أتوجه بالسؤال – وكثير من السؤال اشتياق = وكثير من رده تعليل - لشعب سوريا العزيز الكريم النبيل : قولوا بربكم ورب آبائكم بمن تفخرون ؟ ومن الذي ترون أنه يمثل شعب سوريا بأصالته وكرامته وحريته ونبله : من يرى أن هذا الشعب لا يستحق الحرية والكرامة، ويستحق السجن والبطش والقمع والذل والمهانة .. أم من هو مستعد للسجن والتشريد وبذل الروح ليرفع الظلم والبطش والقهر والتسلط عن هذا الشعب الكريم ؟ أجيبوا كيفما تشاؤون، وإنكم القادرون على الجواب ، والسلام عليك - أبا الأحرار،عاشق الحرية والشام - في العظماء والأوفياء.