حجر الزاوية المفقود في العراق

احمد حسن الصائغ

[email protected]

في خضم التسونامي الذي يضرب المنطقة العربية قد يكون من المبكر القول أن العراق بات في مرمى تيارات مد الغضب الشعبي الهائل الذي يعتمر في نفوس أبنائه لأسباب كثيرة. لعل أبرزها الوجود الأمريكي في العراق وما يوفره من دعم وحماية لحكومة المالكي. غير انه لا يمكن التنبؤ بالمدى الزمني الذي سيبقى العراق فيه بعيدا عن أمواج المد العظيمة خصوصا مع تلك الأمواج الفتية التي بدأت تتشكل في شواطئ ساحة التحرير وبعض حواضر المحافظات العراقية . وقديما جاء في المثل الصيني" لا تحتقر الأفعى لأنها بدون قرون فقد يأتي اليوم الذي تصبح فيه تنينا".

قد يكون اختلاف الساسة المزمن في العراق احد أهم الأسباب المؤدية لنشوء وتعاظم حالة السخط عند العراقيين, حيث يترتب على تلك الخلافات تراجع مستمر للمستوى ألمعيشي والخدمي والإنساني للعراقيين.ولذلك وقبل أن تخرج الأمور عن السيطرة وقبل أن يعود العراق إلى مربع السقوط الأول عند الاحتلال, حيث الفوضى والحواسم وحرق الدوائر وتعاظم دور إيران وإسرائيل فوق ماهو عليه دورهما الآن, وقبل عودة مشاهد الجثث المجهولة المرعب التي أدت إلى هجرت ملايين العراقيين (مع ملاحظة عدم احترامي للمالكي أو لأي من أعضاء حكومته) أجد أن من الواجب القول أن المالكي ورغم سلبياته التي لا حصر لها, إلا انه لا يقارن بأتباع مقتدى ( الذي لا أكاد أجد وصفا وضيعا يناسبهم إلا وجدته يترفع عنهم). ومع أن الجميع قد سمع مقتدى وتابعه الاعرجي وقد تبرءا من تظاهرات 25 شباط إلا أن الكل يعلم أنهم أول من سيركب الموجة في حال تعاظمها , بل سيطرحون أنفسهم كقادة للثورة ودعاة للتغير,كما حصل  عندما سقطت بغداد بيد المحتل الأمريكي . فلا احد يصدق هؤلاء لكثرة ما يكذبون .

لذلك أظن أن الأوان قد آن لكي يسعى المالكي وبكل مسئولية وحرص ( إن كان هناك من بقية عنده) للبحث عن حجر الزاوية الذي لن يستقيم بنيان العراق إلا به, ومع إقراري بصعوبة المهمة ,إلا أن حجر الزاوية لن يكون وبكل وضوح, سوى طارق الهاشمي الذي ترفع عن كل رعونات السياسيين والذي تعرض لأبشع مؤامرات الإبعاد والإقصاء من القريب قبل الغريب... فبعد أن اطمئن كل ذي مطمع إلى منصبه ونال جائزته , إذا به يرمي كل شي خلف ظهره, سوى مصلحته الشخصية .فالهاشمي ليس علاوي أو المطلك, اللذين صدما وأحبطا جمهورهما الذي استقتل من اجل أن يكون للأول سلطة فوق سلطة رئيس الوزراء ( مع وقف التنفيذ) والثاني نائب رئيس الوزراء ( لا يحل ولا يربط) . فيما الهاشمي ما زال ولما يقرب من العام بعيد عن كل منصب, رغم انه حصل على أكثر من 250 ألف صوت . لذلك على المالكي أن يستقرأ  ما بين السطور, ويستثمر عرض الهاشمي, التي تبدو من خلاله ملامح المراجعة واضحة فيه, بعد توتر في العلاقة بينهما استمر على مدى السنوات السابقة . واغلب الظن أن الهاشمي بموقفه هذا إنما يبادر بموقف نبيل يمنح فيها المالكي فرصة لتنفيذ الوعود التي قطعها للشعب . ولا أخاله سوى رجل يريد أن يخضع الأمور للمنطق , كون تحقيق وعود البناء والأعمار يحتاج إلى وقت للانجاز , خصوصا في بلد مدمر مثل العراق. فيما عينه تبقى على العراقيين الذين أتعبهم الانتظار . وبذلك يحظى المالكي بفرصة ذهبية من الهاشمي .

وفي نفس الوقت على المالكي أن يدرك إن تواضع الهاشمي ليس انكفاء, كما حصل لقيادات عرفت بمواقفها المعارضة وقد سكتت بعد أن حصلت على المناصب السمينة. فعين الهاشمي ليس على المنصب وإنما على الظروف المعيشية التي يعاني منها المواطن. بدليل انه ما زال بلا منصب ولمدة عام , مع انه قادر على إلهاب الشارع وجعله يستعر بوجه المالكي , في سبيل الحصول على المنصب, الذي هو بالأصل استحقاق عن أصوات جمهوره. ولكنه لم يفعل. إذ إن مطالبات الهاشمي كانت دائمة تحمل صفة المنطقية والواقعية , فهو لحد الآن لم يطلب المستحيل . بل رمى الكرة في ملعب المالكي , حيث طالبه بقضايا محددة تصب في مصلحة الوطن والمواطن , وتعبر عن حقيقة ما يجول في خاطر الإنسان العراقي وعلى المالكي أن يدرك أن مصيره آيل إلى السقوط لا محالة إذا ما فشل في تحقيق تلك المطالب . فصبر العراقيين لا يمكن المراهنة عليه طويلا . فكما أن مائهم غزير فان شمسهم لا تطاق. ومن الماء والشمس استقى العراقي طبعه.

وأخيرا أقول : ربما يكون الهاشمي قد اخطأ عندما منح الفرصة لمن لا يستحق , ولكن الحق سيكون هذه المرة مضاعفا على المالكي الذي لم يحسن استثمار الفرصة التي لعلها تكون الأخيرة له لتحسين حياة العراقيين .