رسالة إلى ملوك الطوائف

عبد الكريم ناتي

[email protected]

ها قد أعدتم على التاريخ نفسه وجعلتمونا على أعتاب الدنيا نتجرع مرارة اللاهوية حتى كدنا أن ننسى أوطاننا بل قد كدنا أن نكون بلا أوطان, و ما الوطن إلا كرامة واحتضان و أنتم ما حضنتم إلا أنفسكم و أهواءكم و أشياعكم من بطانات السوء ثم مشيتم على أجساد شعوبكم تبنون مجدا مزيفا من جماجمهم و أشلائهم حتى كدتم تُعبدون من دون الله لولا فداحة الأمر في عين من آمن برب السماء مالك الملك...ذكَّرتومنا الذي كان من أسلافكم في الأندلس من تشرذم حتى تكالب عليهم من كانوا بالأمس القريب يخشونهم لكنه تربصوا حتى قضوا منهم مأربا بالتفرقة والشهوات و أجلوهم عنها في مذلة منقطعة النظير.و يا ليتكم بنيتم أندلسا أخرى تذكُركم في ريادة التاريخ و الحضارات لكنكم اخترتم الحضيض على القمة فلم تشبهوا ملوك الطوائف إلا في الفرقة و الإغراق في ملذات التسلط و الإغذاق على مرضى النفوس أمثالكم لتجعلوهم سوطا على رعاياكم و يدا تقمع بذور الأفكار و تسعى إلى سفك دماء الأحلام في مهدها.أعرتمونا للعالم عبيدا و قوالب بلا قلوب و أنفسا صدءت من التهميش و الإذلال وقول "نعم" والرقص لجلاديكم.و قد قيل " من التكرار يتعلم الحمار"...و تعلم الحمار لكن... هل تعلمتم أنتم؟ ألم يكن لكم يوما عظةً هذا المآل و أنتم تتربعون على العروش تارة بزعم "الثورة الشعبية" و أخرى ب "القومية" و أخرى و أخرى...لتوهموا الناس بأنكم صناديد و أذرع من حديد و بأنكم تخشون عليهم من الله خشية الفاروق عمر رضي الله عنه الذي كتب إلى قيصر الروم " من أمير المؤمنين عبد الله عمر إلى قيصر كلب الروم...إلخ"  وفي نفس الوقت يجوع أولَ من يجوع من شعبه و يحاسبه الناس كما يحاسبهم حتى يرق فيبكي أحيانا من خشية الله...تغافلت عنكم عقول مفكريكم بما طغا من سوادكم الأعظم الذي أمعنتم في تجهيله و كيف لا وقد جعلتم الناس يصدقون أنكم خلفاء الله في أرضه و قد بان منكم عكس ذلك في أحوالكم من رفاهية الظُّلام و ناهبي الحقوق...و لو دامت لغيركم ما وصلت إليكم لكن الله أعمى بصائركم فرأيتم أنفسكم على الجادة الصحيحة بما أفْتت عليكم به شياطينكم و أهواؤكم المريضة لتجعلوا العلمانية شعاركم فذهبتم فيها مذاهب عدة استوردتموها من قمامة التاريخ و مزابله و أودعتم شرع الله في محافل الخطابات و جعلتم آية الشورى شعارا غير معمول به إلا لتدويخ العقول و محاولة إقناع الأفهام بشرعيتكم ثم لتجعلوها إرثا حاولتم توريثه لأبنائكم و نسيتم أن زمن بني أمية و بني العباس قد انقضى وأن الضرورة دعت لإنتخاب من قبل الشعوب...جعلتمونا نحلم بالنموذج الغربي الأمريكي و الفرنسي والإيطالي...و كل الأنظمة الديموقراطية رغم "لا دينيتها" و أنسيتمونا شرع ربنا...كيف لا وقد رأينا من عدلهم ما لم نشم له رائحة قط في أكنافكم حتى فاضت عليهم الخيرات وصرنا نتابسق على أعتابهم-إن استطعنا- كي نتذوق في كنفهم طعم الحرية و الكرامة ونعيد صياغة الذات صياغة مزدوجة أصلها عندهم و فرعها عندكم ثم لتقتلوا فينا الفرع و الشعور بالإنتماء للأوطاننا  شيئا فشيئا...

يا ملوك الطوائف: حمَّلتمونا من الهوان ما ناءت عنه الجبال  فصرنا لا نقارن إلى أسفه سفهاء الأرض بما حقق و بما لم نحقق ونحن نتفلسف ونسفسط و نستحلي دور الناقد أوالمشاهد دون نقد فلم يعد لنا نظير في العالم من حيث حرارة الأفكار و برودة التطبيق و الإغراق في جلد الذات فصرنا منكم بموضع من يستلذ العذاب و يعشق العذاب و الإذلال...جعلتم مفكريكم يبيعون أفكارهم لأعدائكم (بين قوصين) ليؤذبوكم بها ساعة اللزوم حين تُسِرون مجرد إسرار بكلمة "لا"...جعلتم الشعراء شعراء الثورة بذل الحب و الجمال...حولتم أقلام ذوي الكرامة سيوفا تكسرونها بالنار و الحديد إن استطعتم فصار للكلمة في حلق الناس وجع تكسوه المرارة و الغصة لتُنَكس بها الأقلام في أتون الأشجان و تغرق في بحر لجي ما له من قرار...

يا ملوك الطوائف: لا رجعة بعد اليوم و قد نادت بضرورة التغيير ضمائرنا التي انبعثت من قبورها لتحي ما قتلتموه من كرامة و ما استبحتموه من عزة الأوطان و دماء الناس...خرج الذئب من إهابكم محاولا أن يسطوا على حملانكم الوديعة لكن الحملان لم تعد وديعة ولم تعد حملانا, وما يصنع الراعي قبالة رعية لا تقاد و لا ترعوي...آن أوانكم فلملموا نعوشكم و تخيروا قبوركم قبورا قد تلفظكم هي الأخرى...