الممثلون الجدد وصلوا، والمسرحية مستمرة
معتز فيصل / ألمانيا
منذ بداية الثورة المصرية المباركة، والنظام المصري المتعفن يتحفنا كل يوم بمفاجأت جديدة، صحيح أن الصدمة كانت عنيفة جدا يوم الثلاثاء المبارك الخامس والعشرين من كانون الثاني، ولكن النظام استفاق بعد ثلاثة أيام وبدأ يحشد العدة للرد على الثورة ومحاولة إجهاضها.
بدأت المسرحية بخطاب مبارك الأول والذي كان فاشلاً إلى أبعد الحدود وأدى إلى مزيد من الغضب في الشارع، وإلى المزيد من الدعم للمتظاهرين، وإلى ردود فعل متشددة من المجتمع الدولي، عدا إسرائيل.
الفصل الثاني كان محاولة إرهاب المتظاهرين الشباب، بالوسائل التي شاهدها العالم كله على شاشات التلفاز، والتي زادت في تشويه صورة النظام المشوهة أصلاً ورفعت عنه الغطاء الدولي تماماً، ودفعت المتظاهرين والشعب بشكل عام إلى المزيد من التصلب ورفع سقف المطالب، ودفعت بالجيش إلى تغيير موقفه، من الحياد السلبي إلى الحياد الفاصل الذي يحاول الفصل بين المجرمين والمتظاهرين.
أما الفصل الثالث فكان مشوقاً جداً، وصل فيه الممثل الجديد الذي يريد أن يلعب دور البطولة بالنيابة والذي اختارته إسرائيل وأمريكا ليواصل المسرحية في حالة غياب البطل الأصلي. الممثل الجديد والذي يلعب دور الحاكم الإسرائيلي العام في ولاية مصر الصهيونية (مع الاعتذار لكل الشعب المصري)، أصر أن يرينا أنه سيكون أعنف وأشد وطأً على الشعب من سلفه، وأنه قادم إلينا من قيادة المخابرات الشهيرة، وأن يديه الملطختين بدماء الفلسطينيين والمصريين على حد سواء، لن تتورعا عن المزيد من سفك الدماء على أرض مصر الطاهرة في سبيل إكمال المخطط الصهيوني الذي بدأ بمعاهدة السلام، واستمر لمدة ثلاثين سنة ويراد له الآن أن يتواصل مع تغيير الممثلين وتبديل الأدوار. كلامه كان عنيفاً جداً ولكنه مبطن، كشخصيته المخابراتية تماماً، ولكن المشكلة أنه لم يكن يملك من الأوراق أكثر من تلك التي كان الممثل القديم يملكها: وعود فارغة، وأموال جاهزة للتوزيع، وتهديدات كلامية مع أمثلة عملية، مثل الدهس بالسيارت واستمرار البلطجة في الشوارع واختطاف الصحفيين، وتكسير مكاتب أجهزة الإعلام الدولية التي تحاول نقل صورة صحيحة وواقعية للأحداث.
إذا قبل الشعب المصري والشباب بعمر سليمان فسيكونون قد أوصلوا مصر إلى ما وصلت إليه تونس بعد بورقيبة، ففي تونس رحل الرئيس الفاني ليستلم بدلاً منه رئيس مخابراته، الذي أذاق الشعب التونسي هوان ثلاثين عاماً. فهل سيرضى الشعب المصري برئيس المخابرات بدلاً من الرئيس الفاني ليذيقهم سوء العذاب ثلاثين عاماً أخرى؟ لا نعتقد هذا ونراهن على وعي الشباب وتجربتهم مع هذا النظام بكل مؤسساته وخاصة مؤسسة المخابرات.
هذا الفصل أيضاً كان فاشلاً جداً بعون الله تعالى وبإصرار الشعب المصري كله والشباب قبل كل شيء على مواصلة النضال، فكان الرد الشعبي العارم يوم الجمعة بالمظاهرات المليونية والتي لا أقول إنها تعبر عن رأي ثمانية ملايين مواطن مصري خرجوا إلى الشوارع في جميع أنحاء مصر، ولكنها تعبر عن رأي أربعين مليون مواطن على الأقل، لأن خلف كل واحد من الملايين الثمانية التي خرجت إلى الشوارع يوم جمعة الرحيل، خمسة أشخاص على الأقل من أسرته وأصدقائه وقريته يؤمِّنون حراسة بيته وحراسة مكان عمله ويمدونه بالطعام والشراب ويرعون أطفاله أو أسرته من ورائه، كل هؤلاء رأيهم من رأيه وكل واحد منهم يود لو أنه كان مكانه. إذا عندنا استفتاء حقيقي من أربعين مليون مصري شريف يقولون للنظام ولرأس النظام إرحل.
الغرب أيضاً تغيرت لهجته وأصبح يطالب بالتغيير الفوري، بدل الانتظار إلى موعد الانتخابات القادمة في سبتمبر/ أيلول المقبل، أربعة إجتماعات رئيسية على مستوى الرؤساء والقيادات في أوروبا وأمريكا كان همها الأول التدارس حول الوضع في مصر (بالمناسبة هل سمع أحد منكم عن إجراءات عربية أو مشاورات عربية؟ أم أن الأمر لا يهم العرب؟ على كل عمرو موسى متواجد الآن مع المتظاهرين ويلعب كومبارس في لجنة الحكماء لذلك لن تستطيع الجامعة العبرية أن تجتمع) المهم أن الغرب ممتعض جداً من الوضع المصري ومن أداء النظام المتخلف، ويبحث بجد عن حلول، لأن مصر ليست تونس بالنسبة لهم ولن يتخلوا عنها أبداً بهذه السهولة التي تمت في تونس.
الفصل الرابع ظهر فيه أيضاً الممثل الجديد الفريق أحمد شفيق، وهو من زملاء مبارك القدامى في الجيش، ومن مساعدية غير المشهورين ولكن الآساسيين طوال سنوات حكمه، يتقاسم معه المسؤولية عن كل مصائب الشعب المصري منذ ثلاثين سنة، لا يشفع له بعده عن الأضواء، ولا عدم اشتراكه مباشرة في جرائم القتل والفساد والاتصال بالإسرائيليين والتنازلات المستمرة المقدمة لهم.
حاول الممثل الجديد الظهور على الفضائيات وإيجاد المبررات والحلول الكاذبة، ولكنه هو أيضاَ يتمتع بميزة عدم الفهم أو عدم إرادة الفهم، فبعد كلام طويل وجميل ومعسول عاد لينقض غزله أنكاثاً عندما قال: إن مصر بحاجة لمبارك في هذه الفترة لإتمام الإصلاحات. يعني بالكلام الصريح أنا من النظام السابق والنظام السابق مني ونحن نلعب معكم لعبة كسب الوقت ولن نرحل وسنسومكم سوء العذاب بعد أن تنتهي هذه الأزمة وستعلمون أينا أشد عذاباً وأبقى.
الفصل الخامس اليوم السبت: ممثلون رئيسيون يرحلون ويتركون مناصبهم لكومبارس مؤقت، مثل حسام بدراوي بدل جمال مبارك وصفوت الشريف، كما ذهب كل أعضاء الأمانة العامة للحزب الوطني. والكومبارس جاهز في غرف المكياج.
أتعجب فعلاً من وزراء وسياسيين وضباط في الجيش، يقبلون في مثل هذه الظروف أن يكونوا خِرَقاً لستر عورة النظام، أو خرقاً لمسح أوساخ النظام، ماذا يطمع هؤلاء؟ ما هي الضغوطات والابتزازات التي تمارس عليهم؟ ما هي الوعود التي تقدم إليهم؟ كيف يبيعون دينهم ودنياهم في سبيل بقايا دنيا غيرهم؟ أنا أحسد مبارك وأمثال مبارك على هؤلاء الحمقى والمغفلين المخلصين إلى أبعد درجات الإخلاص، او المنافقين إلى أبعد درجات النفاق، أو الطامعين إلى أبعد درجات الطمع. هؤلاء عادة يكونون أكبر الخاسرين في مثل هذه الظروف لأنهم الأوراق الأخيرة التي يلعب بها النظام الدكتاتوري الراحل، هؤلاء غالبا ما يفوتهم قطار الرحيل فيداسوا على أرصفة المحطة بالأقدام.
الفصل الأخير اليوم أيضاً يلعبه رؤساء أحزاب ما كان يسمى بالمعارضة كالوفد والتجمع والناصري، هؤلاء ذهبوا للتفاوض مع عمر سليمان، أو بالأحرى نستطيع أن نقول أحضرهم عمر سليمان للتفاوض مع نفسه، فهم صدى لأقوال الحزب الوطني الحاكم كانوا يُستخدمون كديكور في المشهد السياسي المصري قبل الأحداث، وسبقتهم الأحداث بعشرات السنين الضوئية، ويحاولون بهذه الطريقة السخيفة أن يصلوا إلى شيء، ولكنهم لم يكونوا ولن يكونوا مؤهلين لأي تغيير حقيقي كالذي نراه حادثا اليوم في مصر. أكثر ما يمكن لهؤلاء أن يصلوا إليه أن يقبل الشباب الثائر في مصر أن يتركوهم كديكور في المستقبل ولكنه سيكون بألوان شاحبة جداً. يضاف إلى هؤلاء لجنة الحكماء التي لم يوكلها أحد ولم يسألها أحد وأكبر مصائبها أنها توافق على تخلي مبارك عن سلطاته لسليمان، يعني من الهروب من نار جهنم إلى الحطمة، وهنا السؤال السابق كيف نثق بسليمان؟ وهل يستطيع الرئيس إستعادة هذه السلطات بحسب القانون؟ وما هي مدى شراكة سليمان في كل مصائب مصر التي يطالب الناس برحيل الرئيس من أجلها؟ هنا أجد أن على حركة حماس في فلسطين المحتلة (وعلى كل من يعرف جرائم سليمان) أن تنشر ملف سليمان، فهم أكثر الناس معرفة به وهذا واجب شرعي في حقهم يستطيعون أن ينفذوه بكل الطرق الممكنة، لأنهم إذا تركوا الشعب المصري نهباً لهذا الإنسان يكونون قد قصروا في النصيحة وورطوا الشعب المصري في أكبر ورطة عرفها في تاريخه.
في الختام كلمة إلى الشباب الرائع في مصر وإلى الشعب المصري البطل، يجب أن تتشكل قيادة سياسية مؤقتة من كل الفرق الصامدة في الميدان وعلى الأرض لتقطف ثمار هذه الثورة الرائعة، ولا يجوز بحال من الأحوال ترك هذه الثمار في أيدي أزلام النظام ولا في أيدي الأحزاب الديكوراتية ولا في أيدي لجنة الحكماء ولا في أيدي الغرب. بارك الله فيكم وغفر لكم ونصركم وآواكم وأيدكم وأعزكم وأعز مصر على أيديكم وجزاكم عن كل الأمة العربية والإسلامية خير الجزاء.