قنبلة البوعزيزي ورياح التغيير
قنبلة البوعزيزي ورياح التغيير
م. محمد حسن فقيه
لقد أطلقت الشعوب التونسية قنبلة التغيير في عالمنا العربي والإسلامي فانتشر شررها وتناثرت شظاياها وطارت أخبارها لتحذر كل الطغاة والمستبدين وتهز عروشهم الواهية .
لقد كانت رمية البوعزيزي التي هزت عروش الطغاة رمية محكمة من غير رام ، شحن شعبها وأطلق شرارتها الأولى ذلك المحبط المسكين محمد البوعزيزي ، الذي شغلته هموم البحث عن لقمة العيش بعد أن تخرج من الجامعة ولم تؤمن له دولته أي وظيفة يعمل بها ليستر عائلته ويكف نفسه ، حاله كحال أغلب شبابنا البائسين المحبطين على طول عالمنا العربي والإسلامي وعرضه ، فاضطر أن يتنازل عن شهادته ، ويركنها في زاوية مهجورة من بيته ، ووطن نفسه ليعمل عاملا كأي بائع متجول ورضي لنفسه هذه المهنة الجديدة مضطرا ، لكنه كان مجرد رضا من طرف واحد لا يساوي تنازله ورضاه شيئا أمام رفض حراس الظلم وأزلام الطاغوت ، فحاصروه في لقمة عيشه ، وصودرت عربته وبضاعته ، وأهينت كرامته ، فخرج يائسا محبطا ، وقد شل تفكيره من هول الصدمة فأضرم النار في نفسه احتجاجا على الظلم والاستبداد ، وهروبا من هذا الواقع المرير الذي تنكر له وسامه أزلام الطاغوت الذل والهوان ، فأشعل شرارة الثورة والتغيير في تونس الخضراء كلها ضد الظلم والاستبداد ، لتنتقل تلك الشرارة إلى دول أخرى وتحوم فوق رؤوس مستبدة قد لوحت وأينعت .
لقد سطر اسم البوعزيزي رمزا وطنيا في تونس الخضراء ، بل وفي جميع بلدان القهر والاستبداد كرمز للحرية وعنوان للتغيير، وسيبقى الأحرار والمثقفين يذكرون اسمه ويتغنون به ، رغم أنه لم يفكر عندما أقدم على ما أقدم عليه بأن الناس ستثور من بعده وتنتقم لكرامته ودمائه من الطاغوت وجلاديه ، ورغم أنه قد فارق الحياة وصعدت روحه إلى بارئها قبل أن تهنأ عينه برؤية الطاغوت مدحورا .
أما الطاغوت المستبد فقد جمع أمواله وهرب متخفيا تحت جنح الليل ، فارا كفأر ذليل من تونس كلها التي لفظته ، وأصبح هو وعائلته سبة على تونس وشعب تونس حتى حاشيته وأزلامه تنكروا له وخلعوه ، ورفعوا مذكرة للإنتربول الدولي بملاحقته والقبض عليه وعلى عائلته الذين فروا معه ، أما أسياده وأرباب نعمته الذين أذل شعبه وسرق أمواله لأجل شراء ودهم وكسب رضاهم ، فقد رفضوا أن تحط طائرته في بلدانهم حتى لا يدنسها بأرجاسه هو وبعض عائلته وحاشيته حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت من بقعة تستقبله كمنبوذ طريد ، بعد أ ن كان يملك تونس وما فيها ، ويظن أن العالم يتنافس لخدمته .
هذا هو الوجه الحقيقي لكل الظلمة والمستبدين ، وهذا مقامهم عند شعوبهم إذا جردوا من طغيانهم وجبروتهم ، وهذا موقف أزلامهم وجنودهم بعد أن خرجوا فارين من بلدانهم ، وهذه نظرة أسيادهم إليهم بعد استهلاكهم وانتهاء مفعولهم ، من تجاهلهم والتنكر لهم ، وعدم استقبالهم وإيوائهم ، وكشف مظالمهم وجرائمهم ، والمطالبة بملاحقتهم واعتقالهم .
إن البوعزيوي لم يخطط لهذا الأمر ولم يدر بخلده شيئا من هذا ، ولم يكن وراءه حزب سياسي أو تكتل وطني أو تيار مستقبلي أو تجمع دستوري ، وإنما هي إرادة الله لإنهاء الظلم وقصم الجبارين ، لأن الظلم لا يدوم ولو دام دمر ، والدولة الظالمة نهايتها الى دمار وبوار، وزوال ولو بعد حين .
إن طاغوت تونس المستبد ليس هو الوحيد في المنطقة ، وإن عائلته التي سرقت أموال الشعب ونهبته وتسلطت على رقابه وظلمته ليست حالة فريدة في تونس ، بل هناك في المنطقة مستبدين وطغاة أسوأ من طاغوت تونس وأكثر إجراما ، وهناك عائلات تتسلط وتنهب مقدرات الشعوب أكثر مما فغلته عائلة بن علي والطرابلسي ، وقد بدأ بعضها يراجع حساباته وآخرون يجمعون ثروتهم ويلملمون متاعهم ويحزمون ما نهبوه من قوت الشعب المساكين ، يتأهبون للفرار بها إلى الخارج .
إن ريح التغيير قد هبت ، وقد آن الآوان للشعوب المقهورة أن تتحرر من ربقة الظلم ، وتتنفس عبق الحرية ، وتعيش حياة كريمة .
لقد حان وقت الحساب ولئن سنحت الفرصة لابن علي للفرار بجلده فقد لا تسنح لغيره حتى ينال جزاءه العادل من الشعب .
أيها الزعماء المستبدون ، أيها الطغاة الظالمون ، لقد ادعيتم فوزكم باختيار شعوبكم لكم بنسب خرافية أصبحت أرقامها للتندر والسخرية عليكم وعلى الذين زوروها لكم ، يا من فزتم وفازت أحزابكم بنسب 95 % أو 98 % ...... أو 99.99 % وبايعوكم إلى الأبد ، هل لكم أن ترونا انتصار هؤلاء الذين انتخبوكم وموقفهم من مساندتكم وحمايتكم أمام غضبة الشعب والشباب بحثا عن الحرية ، وهم لا يمثلون 5% بل وربما 1% بحسب نتائج انتخاباتكم العتيدة .
إن كانت 5% بل 1% من الشعب الثائر ضد الظلم المتعطش للحرية الباحث عن العدل وحق المواطنة والعيش المشترك بحرية وكرامة قد هزوا عروشكم المتهالكة .
فهل تنبئونا ما عسى أن تفعل نسبكم الخرافية إن كانت حقيقية .... وكنتم صادقين وعلى قدر المسؤولية للتحرك لمصلحة الوطن وخدمة المواطن .... لو كان ذلك حقا لهززتم بل أسقطتم عروش أسيادكم الذين وافقوا على تعيينكم شرط أن ترهنوا لهم أوطانكم ، وتعملون عبيدا لهم مقابل حماية كراسيكم وتوريثكم الحكم من بعدكم لأبنائكم ، ولكن هيهات هيهات أن تتمرد الفئران على أسيادها من الخنازير .
إن ريح التغيير قد هبت ولا يظنن أحدكم أنه بمنأى عنها ومحصن منها بجلاوذته وعتاده ....
عندما هبت رياح التغيير في أوربا الشرقية في العقد الأخير من القرن الماضي بعد انهيار جدار برلين ، ظن تشاوسيسكو طاغوت رومانيا وأكبر دكتاتور مستبد في أوربا حينها أنه غير معني في هذا التغيير، وأن شعبه ليس أكثر من خاتم في إصبعه بحسب ما زين له غروره وصور له جلاوذته ، فكانت نهايته أسرع من تصريحاته ليسقط نظامه ويدوسه الشعب بأحذيتهم وسط عاصمته ، ويصبح عبرة لغيره في أوربا ، بل والعالم كله .
إن الشعوب المقهورة إذا غضبت لن يوقف غضبتها شيء ما لم تسحق جلاديها ، وتدوس الطغاة والمستبدين بأحذيتها .... فمن كان فيه بقية باقية من دين أو كرامة أو وطنية ، فليسارع إلى مصالحة شعبه ويعتذر عن جرائمه وأخظائه ، ويغير نهجه وخططه ، ويحترم شعبه ووطنه ، أو يعتزل موقعه لأبناء الشعب من الكفاءات والوطنيين الأحرار ، قبل أن يأتي اليوم الذي لا يفيده التنازل عن هذا العرش ... ولات حين مندم . لأن الشعب لن يرحم .... والتاريخ لن يرحم ... والله من وراء الجميع لن يرحم الطغاة والظالمين أبدا .
امضوا أيها الشباب بمشاعل النور لإزاحة هذه الطواغيت وبناء مستقبل مشرق وعهد جديد ، فإن ريح التغيير قد هبت على المنطقة ، ولا تقبلوا بما يعرض عليكم من بعض إصلاحات الفتات ، وجرعات التسكين الرخيصة ، وتعيين طبعات ونسخ عنهم تربوا على أيديهم ويقتدون بنهجعم ، ولا تساوموا المستبدين على شيء فليس أمامهم إلا الرحيل والتنحي عن سدة الحكم ، ولا يهولنكم بعض التصريحات العنترية والمظاهر القمعية من بعض الأنظمة المستبدة ..... فهذه ليست إلا رقصة المذبوح .
فالأوطان أوطانكم والمستقبل لكم ............ وما هؤلاء إلا سارقون ... ومحتلون .