وانفجرت براكين الغضب

حسام مقلد *

[email protected]

ربما تكون جموع الشعب المصري قد تحركت عقب ثورة تونس الشعبية بأسرع مما توقعه الكثيرون، ولعل عنصر المفاجأة من أهم سمات الثورات الشعبية الكبيرة، إذ تتسارع الأحداث بشكل كبير، وتتصاعد ردود الأفعال بعنف وتتضخم بشدة بشكل غير محسوب أو متوقع، وينفجر الوضع  بقوة هائلة لا يمكن معها التراجع!! والشعوب لا تصل لهذه الدرجة من اشتعال الغضب إلا بعد مراحل من الاحتقان والغليان، وهذا تماما هو ما حدث في مصر ويحدث منذ سنوات، ومع تراكم الإحباطات وتزايد مناخ القهر والبطش والجبروت، وتزايد وتيرة الأحداث خلال الأشهر السابقة كان لابد أن تتفجر الأوضاع في أية لحظة؛ لأن الضغط يولد الانفجار كما هو معروف!!

الغريب في الأمر أن الحكومة المصرية لم تأبه لشيء من ذلك رغم كل المناشدات وكل النصائح وكل المطالب التي ارتفعت بها عقيرة الكثيرين، بل راحت بغباء عجيب تستفز الناس أكثر وأكثر، وتضغط عليهم أكثر وأكثر، وتهيَّج مشاعرهم أكثر وأكثر، فواصلت الأسعار ارتفاعها، واستمر مسلسل القمع والكذب والتضليل والخداع والفساد الممنهج، وفي تحدًّ سافر لمشاعر الملايين تم التلاعب بالورقة الطائفية بشكل أرعن أخرق لا فطنة فيه ولا عدالة ولا مراعاة لمشاعر المسلمين!! وبمنتهى الفُجْر واللامبالاة بأرواح الناس تم قتل الشاب (خالد سعيد) والشاب (سيد بلال) ونسي من قتلهما قول الله تعالى: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"[المائدة : 32]وبكل الصلف والغرور ركل ضابط شرطة طالبة في جامعة الأزهر، وفعل زميل له نفس الشيء مع أستاذة جامعية! وأصرت الحكومة على غرورها وسدرت في غيها واستمرت في استفزاز الشعب المصري الحر الأبي، بل حرصت أكثر وأكثر على تجاهل مشاعره تماما ومجاملة أعدائه من الصهاينة والأمريكان وغيرهم، وأبلغ دليل على ذلك الاستمرار في بيع الغاز المصري لإسرائيل بأبخس الأثمان، وما نراه من موقف الحكومة المصرية المخزي من أهلنا في غزة، وإصرارها الغبي على إغلاق الحدود في وجوههم رغم الحصار والتجويع، بل وبناء الجدار الفولاذي العازل ـ الموصوم بجدار العار ـ على الحدود بين مصر وغزة الأبية، وكانت تصريحات بعض المغمورين من كتبة الحكومة بأن أهل غزة أخطر على أمن مصر القومي من الصهاينة مثالا بشعا وفاضحا على مناخ الفساد الذي حاولت الحكومة المصرية إشاعته بين الناس؛ لتزييف وعي الأجيال الجديدة، وتنشئتها على وهم كاذب اسمه السلام!!

وبدلا من أن تستجيب الحكومة لدعاة الحق ونصائح المخلصين من أبناء الوطن وما أكثرهم!! استمرت في ضلالها وزورت الانتخابات النيابية الأخيرة بطريقة شديدة الفجاجة والبجاحة وانعدام الضمير، فضلا عن الغياب التام لأدنى درجات الوعي السياسي والاجتماعي، وفعلت الحكومة المصرية كل هذه المخازي وهي تراهن على الغرب رغم مواقفه المعادية للإسلام والمسلمين والرافضة والكارهة لأي تطور حقيقي في أي دولة عربية أو إسلامية، ولحماية مصالحها الضيقة حاولت الحكومة المصرية استثمار لوثة (الإسلاموفوبيا) التي ضربت الغرب، وشهدنا تداعياتها رسميا على النحو الآثم في تصريحات بابا الفاتيكان ومن قبله مستشارة ألمانيا ورئيس فرنسا... وغيرهم، ومن ثم راحت تلعب على وتر الإسلاميين والأصوليين، وتخوِّف الغرب بفزَّاعة الإخوان المسلمين والجماعات المتشددة، وكأن البديل الحتمي هو استمرار الأنظمة الحالية بكل سجلاتها الحافلة بالقمع والظلم والقهر والفساد.

لكن الشعب المصري الأبي وشبابه الواعي أخذ زمام المبادرة بيده، وقطع الطريق على هؤلاء الأغرار الفاسدين، وصرخ بأعلى صوته قائلا: كفى ظلماً واستهتارا وفسادا!! كفى نهبا لخيرات مصر وثروات شعبها!! كفى ذلا ومهانة!! كفى خوفا واستكانة!! كفى سرقة  لمستقبلنا من أجل مصلحة قلة جشعة وطغمة فاسدة وأنانية!! كفى تضييعاً للهوية وتفريطا في الثوابت!! كفى مداهنة للباطل ورضاً عنه وعن فساده وشروره!!

لقد انفجر بركان الغضب المصري لأن  شعب مصر الحر الأبي ينشد الكرامة والعزة والحرية، هذا الشعب العريق يريد أن يصنع مستقبله على أسس الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، ويسعى لتوفير الحد الأدنى من مستوى الحياة اللائق لجميع أبنائه لا أن تسرق ثروات مصر وخيراتها لمصلحة قلة قليلة من الإقطاعيين الجدد!!  

 نعم لقد انفجرت براكين الغضب المصري ولا مجال أبدا للتراجع أو الالتفاف على الحقوق الجماهيرية المشروعة، لكن مطلوب الآن تأمين هذه الثورة الشعبية السلمية المتحضرة وحمايتها بكل الوسائل من الإفشال أو الإجهاض، مطلوب الاستمرار فيها بنفس القوة وبكل تحدٍّ وشجاعة وإصرار، وبنفس الزخم وعلو الهمة وقوة العزيمة؛ حتى تتحقق جميع الأماني والطموحات وتُلَبَّى كافة مطالب هذا الشعب العزيز الأبي!! "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [يوسف : 21].

                

 * كاتب إسلامي مصري