تونس: المرتزقة الأوربيين...وأمور أخرى
تونس: المرتزقة الأوربيين...وأمور أخرى
د. ياسر سعد
[email protected]
كثيرة هي الدروس والعبر والتي يمكن استخلاصها من أحداث تونس، والتي أعادت الإعتبار
والكرامة للمواطن وللرأي العام العربي، وأدخلتهم في حسابات الطغاة والذين سارعوا
لإتخاذ خطوات تحاول أن تمتص الغضب الشعبي بسبب سوء إداراتهم وفساد حكمهم. وإذا كان
الموضوع التونسي بأبعاده المتعددة محورا لكتابات كثيرة، تعكس الشوق العربي الجارف
للحرية والكرامة، فإن قراءة ما بين سطور بعض أحداث ومواقف ما بعد انعتاق تونس، تكشف
أمورا جدير بنا أن نثبتها في مواجهة طوفان من التضليل والتزييف الدولي والعربي
الرسمي.
اتهم مندوب تونس في اليونسكو مزري حداد، بن علي بـ "بتعمد إشاعة الفوضى قبل رحيله"
و "إدارة العمليات عن بعد". وقال حداد "إنني أتهم بن علي بتعمد إشاعة الاضطراب
والفوضى قبل رحيله. واتهمه باختيار سياسة الأرض المحروقة"، موضحا "لقد أعطى أسلحة
وأموالا كثيرة لحراسه الشخصيين ولأتباعه حتى يشعلوا الحرب الأهلية بمجرد رحيله من
تونس"، وأضاف أن "هذا المخطط الإجرامي المكيافيللي لم يكن له سوى هدف واحد: استعادة
السلطة"، متهما بن علي بتوجيه العمليات عن بعد والإيحاء بأن جرائمه الحالية هي من
فعل الإسلاميين والمعارضة اليسارية. إتهام حداد جاء متوافقا مع العديد من الشهادات
بأن أعمال النهب والتخريب، اقترفتها عناصر في جهاز بن علي الأمني تسعى لإشاعة
الفوضى تمهيد لعودته.
الإعمال الإرهابية والتي تنسب لبن على –والذي كان شريكا للغرب في حربه ضد
"الإرهاب"- تكشف بأن دعاوى محاربة "الإرهاب" هي أكثر ما يلجأ إليه الإرهاب الرسمي.
كما إن مواقف الطاغية وزبانيته تظهر بجلاء تعاملهم مع الوطن كمزرعة إما أن تكون لهم
أو لتحترق من بعدهم. فيما تفتح الاتهامات الموجهة لبن علي الباب للمطالبة بمحاكمته
كمجرم حرب.
قالت الشرطة التونسية إن شخصين يشتبه في ضلوعهما في حادث إطلاق للنار خارج مقر
الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض كانا يحملان جوازي سفر سويديين، كما قالت الشرطة:
إنها اعتقلت أربعة أشخاص معهم جوازات سفر ألمانية فيما يتصل بالحادث. ملف الأجانب
المرتزقة يجب أن لا يمر مرور الكرام، وهو يطلق الكثير من الأسئلة الشائكة: هل أولئك
المرتزقة جزء من شركات أمنية مثل بلاك ووتر؟ وما هي أداورهم في النظام السابق؟ وهل
أمثالهم من يقوم بعمليات إرهابية تنسب للمتطرفين الإسلاميين ضمن أجندة سياسية
معينة؟ ثم لو كانوا هولاء الأجانب باكستانيون أو فلسطينيون، كيف سيكون التعامل
الإعلامي والسياسي الغربي معهم؟
أعرب نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم
عن تخوفه من أن يسهم سقوط بن علي في صعود الإسلاميين، وقال شالوم في حديث لإذاعة
الجيش: "إنَّ الأسرة الدولية
فضلت غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان. بالطبع، هناك اليوم تخوف
كبير من أن تعود الحركات الإسلامية التي كانت تعتبر حتى الآن خارجة عن القانون بقوة
الى البلاد."
وفي حديث مع الإذاعة الإسرائيليَّة كان شالوم أكثر صراحة بقوله أنه في حال تَمَّ
استبدال الأنظمة في الدول التي تحيط بإسرائيل بأنظمة ديمقراطيَّة فإن هذا يحمل في
طياته خطرًا كبيرًا على الأمن القومي الإسرائيلي، على اعتبار أنه يفترض أن تعتمد
الأنظمة الجديدة أجندة تشكِّل بحد ذاتها مسًّا بالمصالح القوميَّة الإسرائيليَّة.
هل يحتاج الأمر إلى توضيح، بأن هناك مصالح مشتركة بين أنظمة عربية – حتى تلك صاحبة
الجعجعة والممانعة الإعلامية- والكيان الإسرائيلي في قمع الحريات وملاحقة
الإسلاميين؟
من جهة أخرى نشرت "إسرائيل اليوم" تقريرا عن عملية تهريب يهود تونسيين، نقلت
"العرب: القطرية 17-1-2011 ترجمته جاء فيه: "وتشير بعض التقارير إلى أن الكثير من
هؤلاء اليهود يتخوفون بشدة على مصيرهم بسبب العلاقات الاقتصادية القوية التي كانت
تربطهم بعدد من كبار المسؤولين المنتمين لعائلة ليلى الطرابلسي قرينة الرئيس
التونسي أو أقرباء الرئيس نفسه، وهو ما زاد من شعورهم بالقلق والرعب على مستقبلهم".
إذا العلاقة بين إسرائيل وأنظمة عربية ليست سياسية فحسب يوحدها العدو المشترك:
الحريات والإسلاميين، بل إقتصادية تعمد لنهب مقدرات الشعوب العربية وخيراتها.
تنصلت الرئاسة الفلسطينية من بيان اصدره امين سر المنظمة ياسر عبد ربه اشاد فيه
ب"الشجاعة المنقطعة النظير للشعب التونسي وتضحياته البطولية لتحقيق مطالبه"، وقال
بيان لمكتبه ان "الانتفاضة الشعبية العفوية للشعب التونسي ضد مظاهر الفساد وكبت
الحريات والقمع تؤكد من جديد الطاقة الخلاقة للشعوب في تقرير مصيرها، واختيار
وجهتها الديمقراطية والتنموية."
فلقد أكد احمد عبد الرحمن مستشار عباس انه "لم يصدر أي بيان من اللجنة التنفيذية
للمنظمة حول الوضع في تونس، وانه لم يعقد أي اجتماع أصلا للجنة التنفيذية". تناقض
السلطة الرسمي يوحي بتخبطها السياسي وافتقادها للرؤى الواضحة والمشتركة. كما إن
السلطة جزء من النظام العربي الرسمي في مسألة الفساد وقمع المواطنين والاعتماد على
الأجهزة الأمنية، وبالتالي فالتغيير التونسي يلهم الشارع الفلسطيني وهو أمر يرعب
السلطة، فكيف سترحب به؟! أضف إلى ذلك بأن السلطة لا تملك الإرداة السياسية لاتخاذ
مواقف قد تغضب الاحتلال، أو لا تكون متناغمة معه.