خطاب مفتوح إلى سيادة الرئيس بشار أسد
الطاهر إبراهيم *
في رسالتي إليكم أيها السيد الرئيس، سأكون صريحا معكم. أريد أن أؤكد أن رسالة الشعب التونسي قد وصلت إلى كل الشعوب العربية. ما أنا متأكد منه أيضا أن الرسالة وصلت إلى الرؤساء العرب تماما كالرسالة التي تلقاها الرئيس التونسي المخلوع "زين العابدين بن علي". وإن كانوا يتظاهرون وكأن شيئا لم يكن. فالشعوب العربية –أيها الرئيس- أقلّها يعيش حرية منقوصة، وأكثرها لا يكاد يشم رائحة الحرية، ولا ينعم بالديمقراطية كما تنعم شعوب كثيرة غير عربية.
لو استطردنا قليلا أيها الرئيس، فإننا نذكّر بأن كلَّ العز الذي كان يرفل به "بن علي" كرئيس، لا يعدل ساعةً واحدة من ساعات عاشها عندما كانت طائرته تُمنع من الهبوط في مطارات أوروبية لطالما استقبله فيها رؤساء تلك الدول بالعناق والتقبيل. كما أن الاطمئنان الذي عاشه محروسا بحرسه الخاص لا يعدل ساعة خوف وهو يتسلل من قصره مذعورا ليستقل الطائرة هاربا. وكان قبل ذلك تصطف له الجنود لتحييه عندما كان يغادر أو عندما كان يعود.
لا يقولنّ أحد–أيه الرئيس- أنكم لم ينشغل بالكم أثناء أحداث تونس. فتجاهلُ إعلامكم لأحداث تونس يؤكد أن نظامكم كله كان يرقب الأمور عن كثب بقلق وإشفاق. يؤكد ذلك استرضاؤكم للشعب السوري -كما فعلت دول عربية أخرى- بمضاعفة معونة المازوت لمليوني مواطن كانت تصطك ركبهم وترتجف أجسادهم من البرد، ما يؤكد أن رسالة تونس وصلت.
لم أسطر –يا سيادة الرئيس- هذه الرسالة، كي أقف فيها منكم موقفَ الواعظ، بل لكي أهمس كلمات قليلة تتردد في نفسي، وربما يود كل مواطن سوري لو يقولها لكم، لكن يمنعه الخوف القاتل من الأجهزة الأمنية متعددة الأسماء والمهام، التي زرعت الرعب في قلوب السوريين.
أنا –أيها الرئيس- مواطن سوري عاش نصف عمره في سورية وعاش النصف الآخر منفيا في بلاد الغربة، ولا أدري أين يمكن أقضي ما تبقى من عمري. أنا معارض إسلامي لحكمك أيها الرئيس. وكنت من قبل تبوؤك الرئاسةَ معارضا لحكم والدك الراحل حافظ أسد. غادرت بلدي سورية "في ليلة ما فيها ضوء قمر"، -كما يقول المثل السوري- هاربا من القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء للإخوان المسلمين.
هذه الديباجة ليست مقدمة لأطلب لنفسي شيئا دون باقي السوريين المنفيين، ولا حتى لأطلب شيئا للمنفيين من دون المحصورين داخل سورية، بل لأمور أخرى سوف أعرضها في هذه الرسالة. وحتى أكون صريحا، فلو دعيت للانتخاب أو الاستفتاء على منصب الرئاسة، فما كنت لأنتخبك، سواء أكنت مرشحا وحيدا، أو كان معك مرشحون آخرون.
لكنك بعد أن أقسمت –أيها الرئيس- اليمين في ولايتك الثانية فإني أعتبرك رئيسا بحكم الأمر الواقع تمثل سورية في المحافل الدولية. هذا يرتب علي وعلى غيري أن نقر بذلك سواء كان الانتخاب شرعيا، أو أنه تم تحت "كرباج" الأجهزة الأمنية.
وإذا كانت معظم الشعوب العربية تتوق أن يحصل في بلادها كما حصل في تونس، فيهرب الرئيس عندهم أو يعتقل أو يقتل، فأنا أتمنى أن تحصل سورية على الحرية والديمقراطية، لكن ليس بالأسلوب الذي جرى في تونس، بل بالتغيير الذاتي الداخلي للنظام.
إني أتمنى أن تبادر يا سيادة الرئيس، فتعلن الانفتاح على الشعب السوري، فتلغي القوانين سيئة السمعة وفي مقدمتها قانون الطوارئ والقانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل منتمٍ لجماعة الإخوان المسلمين. وأن تلغي المحاكم الاستثنائية ومحاكم أمن الدولة. وتأمر بتعليق العمل بالدستور الحالي الذي يقسّم المواطنين إلى "أبناء ست وأبناء جارية"،كما جاء بالمادة 8 من الدستور: "إن حزب البعث هو الحزب القائد في المجتمع والدولة". ويعاد العمل بدستور سورية لعام 1949 الذي ألغاه العسكر عقب انقلاب آذار عام 1963.
لن أستطيع أن أحصر في هذا الخطاب كل ما يود المواطن تحقيقه، وما أتمنى أن يحصل في سورية، بعدما عشعش الفساد في مفاصل الحكم، وصارت وزارات الدولة "كنتونات" يحكمها متنفذون وفاسدون. لكن لا بأس أن أحدد هنا بعض الخطوات الأساسية:
لعل أول ما يعيد الأمل إلى نفس المواطن السوري المُحْبَط أن تعلن –يا سيادة الرئيس- من على شاشة التلفزيون السوري: أنك قررت أن تكتفي بما تبقى من مدة ولايتك الرئاسية الثانية ، وأن تقوم بحل مجلس الشعب الحالي، وإقالة الحكومة الحالية، واستدعاء رؤساء الأحزاب المسموح بها والمحظورة لتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على انتخابات نيابية شفافة وأن تشكل لجنة حقوقية مختصة لتنقية الدستور والقوانين، وهذه خطوة أولى لا بد منها.
ولعل الخطوة الثانية هي إحالة عناصر الأجهزة الأمنية والحزبية على التقاعد. وأن يكتفى بالشرطة المدنية لمنع المجرمين القضائيين من العبث بأمن المواطن وممتلكاته. وفتح الفضاء السوري على الإعلام المنفتح، وإلغاء القانون الذي أصدره والدك وجعل فيه مجالس النقابات المهنية تتم بالتعيين عقب مجزرة النقابات في عام 1980.
وأن يطلق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وفتح منافذ سورية لعودة المنفيين إلى وطنهم، والتعويض على كل الذين أعدموا أو اعتقلوا أو شردوا بسبب انتمائهم السياسي. وأن يعلم أهالي الذين اختفوا في المعتقل بما آل إليه أمر أقربائهم، وإغلاق هذا الجرح النازف.
وأن يتم الإعلان عن مصالحة وطنية شاملة بين اتجاهات المجتمع السوري، حتى يغلق ملف الخصومات والأحقاد والعداوات، ويقوم رؤساء الأحزاب بالتوقيع على ميثاق "شرف وطني" يتنازل فيها الجميع عن ضغائنهم، والاكتفاء بالتعويضات التي تعطى لكل من تضرر خلال المدة من تاريخ 8 آذار 1963 وحتى تاريخ هذا الإعلان.
لن أتكلم عن إصلاح الجيش السوري لأنه تحصيل حاصل، لأنه سيكون من مهمة الحكومة التي ينتخبها المجلس النيابي. ولعل هذه الخطوة تعيد الأمل إلى المواطنين بأن يصبح الجيش السوري مفرغا للمهمة التي من أجلها تنشأ الجيوش في العالم، وهي حماية الوطن وتسطير البطولات في جبهة القتال، ضد العدو الصهيوني - لا في الانقلابات العسكرية- كما كانت مهمته خلال حرب فلسطين وفي الأعوام التي سبقت انقلاب آذار عام 1963.
أنا على كامل الثقة أيها الرئيس أنك إذا ما عملت ما هو مأمول من أي رئيس يضع نصب عينيه مصلحة الوطن والمواطن، فإنه لن تنتهي مدة ولايتك الثانية، إلا وقد أحبك المواطنون السوريون. وإلا تفعلْ، فعزائي أني أديت واجب النصيحة. ولا يغرنكم نصيحةُ الفاسدين، بأن هناك جيشا وأجهزة أمن كفيلة بردع أي مجموعة تفكر أن تفعل في سورية ما فعله إخوانهم في تونس، فهؤلاء فاسدون منتفعون وليسوا ناصحين، وسينفضون عند أول "هيعة".
والسلام على من اتبع الهدى.
* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.