تعالوا إلى كلمة سواء
جميل السلحوت
يعتبر العالم العربي من أكثر بلدان العالم العربي ثراء بموارده الطبيعية، فعدا عن الأراضي الزراعية الشاسعة والتي لا يستغل منها سوى نسبة لا تصل الى 10% منها، هناك ثروات باطن الأرض التي لا تقتصر على البترول وحده، بل هناك مناطق تتوفر فيها معادن أخرى أغلى من الذهب وهي في غالبيتها غير مستغلة، ونسبة كبيرة من المواطنين تعيش تحت خط الفقر، بل هناك شعوب تشهد مجاعات في بعض السنين مثل الصومال والسودان، وهناك دولة عربية هي اليمن تعتبر واحدة من الدول العشرة الأكثر فقرا في العالم، مع أن شعوب العالم الغربي تعتبر أن كل مواطن عربي ربما يملك بئر بترول، ولا يعلمون أن الآلاف من أبناء الدول المنتجة للبترول يعيشون تحت خط الفقر، فأين يكمن الخلل؟ وما الذي يجبر مواطنين عرب على حرق أنفسهم، لأنهم يرتأون في الموت رحمة على حياة لا يتوفر لهام فيها رغيف الخبز المر؟ مثلما فعل المواطن التونسي محمد بو عزيزي، وقلده آخرون في أكثر من دولة عربية؟
واذا كان مربط الفرس الأول يتمحور حول تجزأة العالم العربي الى دويلات تفصلها حدود وهمية، عززها المستعمرون ببذر خلافات وصلت الى درجات الاقتتال أكثر من مرة، وفي أكثر من منطقة، فان الشعوب العربية لم تواكب تطور الحياة على مستوى العالم، فالأمّيّة الأبجدية لا تزال سائدة في كثير من الدول العربية، حيث يصل عدد الأميين الى 70 مليون-أي ربع عدد العرب- في وقت وصلت فيه بعض الدول الى القضاء على أمّيّة استعمال الحاسوب-الكمبيوتر- والتعليم في العالم العربي لم يواكب التطور العلمي والصناعي الموجود في العالم، ويعاني من مشاكل كثيرة في مختلف مراحله، وغالبية الأنظمة العربية لم تعمل شيئا للنهوض بشعوبها، واستغلال ثرواتها، وبناء الانسان فيها، حتى أن بعض الشعوب لا تزال تعيش حياة بدائية، وتتعرض لمجاعات لأسباب كثيرة، منها أن غالبية هذه الشعوب تعتبر الزراعة عيبا من خلال ثقافتها القبلية البدائية، وحتى وقتنا الحاضر فان شعوبنا في غالبيتها لم يترسخ في عقولها وثقافتها وتربيتها مفهوم الدولة الحديثة، تماما مثلما فشلت الأنظمة في بناء دولة القانون، وترسيخ الحياة الديموقراطية، والغريب أن من يدعون أنهم طلائعيون وثوريون وينشدون التغيير، ويشكلون أحزابا معارضة، فانهم يتذيلون لجهات أجنبية، واذا ما وصلوا للحكم فانهم يتخلون عن دعواتهم السابقة بالديموقراطية، ويتمسكون بكرسي الحكم ويبطشون كيفما يشاؤون، حتى أن بعض الجهات والجماعات الاسلامية تحمل فكرا تكفيريا، وتلجأ للارهاب في سبيل تحقيق أهدافها، فهل مفهوم المواطنة مغيب أو غائب عن ثقافة وتربية المواطن العربي؟ ومن المسؤول عن ذلك، والا كيف يمكن تفسير عدم استيعاب التعددية الدينية على الأقل؟ وكيف يمكن تفسير استهداف المواطنين المسيحيين بأعمال اجرامية ارهابية في بعض الدول العربية؟ ولا يمكن اعفاء الأنظمة من ذلك، فالأنظمة التي تبطش بشعوبها وتنهب ثروات أوطانها، من يحميها؟ ومن يسوقه ضلالاتها على الشعوب ويزينها لهم؟ أليسوا هم من أبناء الشعب؟
واذا كنت بعض الدول تبني جيوشا لحماية النظام وليس لحماية ثغور الوطن، فلا غرابة أن لا تزال دولتان عربيتان تعيشان تحت الاحتلال، ومن حق المواطن العربي أن يتساءل عن أسباب تقسيم السودان، وما سيتبعه من تقسيمات أخرى في السودان وغيره من الدول العربية، وما دور الأنظمة الحاكمة في ذلك، وهذا يعني أننا في مرحلة التفتيت وإعادة التقسيم كبديل للوحدة التي تحلم بها الشعوب.
لقد باتت الدول العربية سوقا رائجا لمنتوجات الدول الأخرى، بما في ذلك المنتوجات الغذائية، وكأننا لم نسمع بالحكمة القائلة"ويل لأمة تأكل مما لا تزرع" أما التصنيع ذو الأهمية فهو ليس في حساب أحد، رضوخا لضغوطات دول تعتبر الوطن العربي سوقا لها، حتى أن بعضهم يعتبر لجوء الدول العربية للتصنيع تهديد لمصالحها الحيوية، أي انه سبب كافٍ لشن حرب، وهذا أحد الأسباب التي أدت الى غزو العراق واحتلاله وتدميره، وهذا هو أحد الأسباب التي أدت ايضا الى تصفية المصانع التي أنشئت في مصر في عهد عبد الناصر.
لكن السؤال يبقى لبعض الحكام خصوصا من وصلوا الى الحكم على ظهور الدبابات، والذين ينهبون خيرات أوطانهم، أليس من حق المواطن ان توفروا له عملا وحياة كريمة؟ وهذا هو أضعف الايمان...اليس من حق المواطن أن توفروا له تعليما لائقا ورعاية صحية، أم أنكم تحكمون بالجهل وتخافون من العلم؟ ولماذا أصبحت الدول العربية على هامش التاريخ؟ وأصبحت مطمعا لكل البغاة والمستعمرين والمحتلين؟