من وحي انتفاضات تونس والجزائر وغيرها

الشعب التونسي البطل يحطم حاجز الخوف

ويمضي في مسيرته حتى النهاية

محمد أحمد الكردي*

[email protected]

الأنباء الواردة من تونس تؤكد أن الشعب التونسي قد قرر دفع ثمن الحرية، مهما كان مرتفعاً، وتكنيس تونس الخضراء من قبضة الحثالة الحاكمة، ورفض عروض الرئيس الطاغية شين العابدين بن علي وإجراءاته التي جاءت متأخرة جداً، من إقالة الحكومة، والوعد بإجراء انتخابات خلال ستة أشهر، وعدم الترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجري عام 2014م، وكان قد أقال وزير الداخلية بعدما اتخذه كبش فداء، وحمّله المسؤولية عن سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى منذ بدء الانتفاضة المباركة العارمة قبل أسابيع مضت.

 ها هو الرئيس شين العابدين يقدّم التنازلات تلو التنازلات، دون جدوى، بعدما كان يظن أن تونس الخضراء ـ تونس عقبة بن نافع وجامعة الزيتونة وجيل التحرير ـ قد تحولت إلى مزرعة خالصة له ولأزلامه والعصابة الفاسدة المحيطين به، إلى قيام الساعة، فصار يحصي على التونسيين أنفاسهم، ويغيّر دين الناس، ويعيث في الأرض التونسية الفساد، وينتهك أبسط حقوق الإنسان، ويسلّط على رقاب العباد كلابه المسعورة، ويلجأ إلى أحط الأساليب وأقذرها مع الرهائن المعتقلين والسجينات من ذوي المعارضين لحكمه الظالم المستبدّ، المفتقر إلى الحد الأدنى من الإنسانية والعدالة، وينهب خيرات البلاد دون حسيب أو رقيب، في سادية عجيبة، ومازوخية أعجب!!

 لقد أدرك الشعب التونسي أخيراً أن الثمن الذي سيدفعه في سبيل التخلص من دكتاتورية شين العابدين وفساده على كل الصعد أقل بكثير مما كان يقدّمه، من دمه وكرامته وحريته وسعادة أبنائه خلال سنوات الخضوع لحكم هذا الطاغية الفاجر، فقرر أن يدفع هذا الثمن مهما غلا، فألف تحية تقدير وإكبار لهذا الشعب الكريم، الذي برهن أنه شعب حي معطاء لا يقف في وجهه شيء إذا قرر أن يعيش حراً كريماً عزيزاً.

 النصر المؤزر للشعب التونسي البطل، والرحمة والرضوان للشهداء الأبرار الذين سقطوا على درب الحرية والخلاص من الطغيان، والشفاء العاجل لجرحى الانتفاضة الباسلة المباركة في أرض تونس الخضراء، والخزي والعار والبوار للطواغيت المجرمين أعداء الحرية والكرامة والعزة في تونس.

 وقد حملت إلينا آخر أخبار قناة الجزيرة(الجمعة 14/1/2011، الساعة 8,00مساء) أن الوزير الأول التونسي قد تولى مهام رئيس تونس إلى حين إجراء انتخابات حرة نزيهة، الأمر الذي يعني أن جهاد الشعب التونسي قد آتى ثماره، فهنيئاً له ذلك، والعقبى عندنا في سورية، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

                

2

هل بدأت الشعوب العربية تعي دورها وتستعدّ لدفع مهر الكرامة والحرية؟

 لم يعهد في أي عصر من العصور أن شهدت المجتمعات والشعوب العربية ما تشهده في هذا العصر العقيم المجدب الضبابي، حيث التقهقر والاضطهاد والدكتاتورية والانتهاكات المتزايدة يوماً بعد آخر للحقوق والحريات، ونهب خيرات البلاد وتحويلها إلى البنوك الأجنبية بأسماء فئة قليلة من الحكام مصاصي الدماء، والتزييف الوقح لإرادة الجماهير، التي باتت تركض منذ انبلاج الفجر إلى وقت متأخر من الليل وراء لقمة العيش، وسدّ الحاجات الأساسية لأفراد الأسرة، ولا تكاد تجدها أو تحظى بها، هذه الجماهير التي ينتشر بينها الفقر والجهل والمرض والتشرد والبطالة وانعدام فرص العمل ناهيك عن العيش الكريم، بمعدّلات متسارعة ومتزايدة، دون أن ترى في الأفق بصيص نور أو أمل. على حين تزيد طبقة الطفيليين، أو الحيتان التي لم تعد تسمح بمنافسين، أو يردعها رادع من خلق أو ضمير، أو يشبع نهمها شيء!!!

 إن هذه الجماهير، وقد باتت حبيسة واقعها المؤلم المرّ القاتم، وتساورها الوساوس القهرية، بل الكوابيس المصحوبة بالأحزان والآلام التي لا تطاق على مستقبلها ومستقبل أجيالها، رأت أخيراً أن لا شيء تخسره عندما تخرج للشارع وتعبّر عن غضبها وواقعها المزري والاحتقانات والضغوطات المكبوتة، التي صارت تغلي في صدرها كالمرجل، في وقفات احتجاجية ومسيرات غضب واستنكار، وصيحات تتعالى في وجه حكام غير شرعيين، لا يحكم تصرفاتهم دستور أو قانون، وليس ثمة هيئات تحاسبهم أو توقفهم عند حدّ معين!!!

 وإذا كانت منظمات المجتمع المدني، من نقابات وجمعيات أو لجان حقوق الإنسان وأحزاب... أداة تحريك الجماهير المسحوقة ودفعها إلى المطالبة بحقوقها وحريتها ولقمة عيشها، والمعبّرة عن آلامها وطموحاتها وآمالها في معظم دول العالم، كأوكرانيا وتشيلي وجورجيا وقيرغيزيا...، التي عانت من فساد الطبقة الحاكمة وطغيانها، فإنها في الحالة التونسية والجزائرية والموريتانية... كذلك لم تغفل عن دورها ووظيفتها، وأثبتت أنها نبض هذه الجماهير، ولذا فهي تستحق منا كل احترام وتأييد وثناء وتحية.

 غير أن أنظمة القمع والاضطهاد، لا سيما في تونس الخضراء، ما زالت تتجاهل مطالب الناس الذين خرجوا للشوارع منذ أسابيع، يدفعهم الجوع والبطالة وسياسة الحكم المبنية على القمع وتكميم الأفواه والبطش والتنكيل، ولا تحسن سوى أسلوب القمع العنيف وفتح النار والقتل، وإيقاع المزيد من الضحايا بين شهيد وجريح، في محاولة خائبة يائسة للالتفاف على مطالبهم الحقة، واتهام الجماهير الحاشدة المحتجة بتهم رخيصة قذرة، كتهمة الاتصال بالخارج وتلقي الأوامر والتوجيهات من جهات معادية للوطن، هذه الاتهامات البعيدة عن الموضوعية والصدق، وتدل على عدم جدية النظام التونسي في البحث عن مخرج من الأزمة، وتفتقرلأبسط معاني الحكمة وبُعد النظر والشعور بالمسؤولية، وتنطوي على تجاهل حقيقي لمطالب الجماهير المحقة!!!

 إن العلاقة بين النظام الحاكم والشعب في تونس قد وصلت إلى طريق مسدود، لا سيما بعد سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا، وتجاهل مطاليب الناس، بل إن هذه العلاقة قد وصلت إلى مرحلة كسر العظم بين الطرفين، فإما النظام وإما الشعب، والغبي أو الجاهل هو من يظن أن البقاء للنظام لا للشعب.

 وإن تطورات الأحداث وامتدادها إلى أكثر من قطر عربي وبأساليب مشابهة للحالة التونسية تبشّر أن الجماهير المسحوقة والمنظمات الجماهيرية المعبّرة عن طموحاتها قد بدأت تدرك دورها وأهميتها، وأنها هدف التغيير ووسيلته، فهبّت تزمجر وتهزّ العروش تحت أقدام الطواغيت حثالة البشر، بل المفتقرين إلى صفات الآدمية.

                

3

مرحباً بفايروس التغيير والكرامة العابر للحدود العربية

الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الأقطار العربية جميعها متشابهة، بل إنها في قطر مثل سورية أشد قتامة ومأساوية مما كانت في تونس، ولذلك فإن فايروس انتفاضة التغيير والكرامة ـ التي قام بها الشعب التونسي ـ قابل للانتشار وعبور الحدود العربية، من قطر لآخر، وإن مناعة المجتمعات العربية شبه معدومة تجاه هذا النوع الحميد من الفايروسات وأن يُحدِث ـ هذا الفايروس ـ ما أحدثه في تونس، من تكنيس للحثالة الحاكمة الفاسدة، وتطهير للبلد من حكام مجرمين اتخذوا من بلدانهم بقرة حلوباً، دون رقيب أو رادع، تساندهم فئات أو بطانة تُحسِن أسلوب التملّق والنفاق وهزّ الذيل، تُلقى إليها بفتات موائد هؤلاء الطواغيت.

 ولقد أثبتت أحداث تونس المتسارعة ونتائجها الباهرة أن العين بإمكانها أن تقاوم المخرز، وأن وعي الجماهير متقدم على وعي الأحزاب في المجتمعات العربية، وأن الجوع والبطالة أمضى سلاح تضعه الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة في يد الجماهير.

 إن ما جرى في تونس درس لكل الشعوب والحكام في الوطن العربي، وإن الوعي السياسي لدى العرب في جميع مناطقهم لا يقلّ عن مستوى الوعي الذي تكوّن لدى التونسيين، ولذلك فإن العلاج الذي تجرّعه شين العابدين بن علي على يد أبناء شعبه هو الجدير بأن يتجرّعه أقرانه في المنطقة العربية، لا سيّما في سورية، حيث الطغيان والفساد الإداري والرشوة والمعاداة الوقحة للمظاهر الدينية، وتسلط فئة لا تمثل عشر السكان في سورية، وتستحوذ على ثروات البلاد بأساليب أقلّ ما توصف بأنها غير شرعية، والسياسة الطائفية المقيتة والأساليب البوليسية التي أكل الدهر وشرب.

 وما أشبه الخطاب الذي ألقاه شين العابدين بن علي بعدما أزاح سلفه بورقيبة، عندما أكد على معاني الديمقراطية ورفض تولي الحكم إلى ما لا نهاية، لكنه بعد ممارسته الحكم وتسلطه على مقادير الأمور فاق سلفه في الطغيان وتحدي إرادة الشعب، وصار الناس يترحمون على النباش الأول!!...ما أشبه ذلك الخطاب بخطاب القسَم الذي ألقاه بشار بن حافظ أسد، الذي ورث حكم سورية الجمهوري من أبيه، كما تورث العقارات والأمتعة، سواء أكانت غالية أم رخيصة، بعد تعديل الدستور السوري خلال دقائق ليناسب مقاس الولد الغِرّ، لأن السوريين بملايينهم الثمانية عشر لا يوجد بينهم من يصلح لحكم سورية سوى بشار!!!

 وإذا كان الوضع في سورية يوحي للناظر بأنه مستقر ومستتب وأن بشاراً يتحكم بالبلد، فإن وضع تونس قبل حادث محمد بو عزيزي ـ رحمه الله ـ كان يوحي بأنه أشد استقراراً وتحكماً في المقدرات من جانب الحاكم المخلوع غير المأسوف عليه، ففي سورية مئات الآلاف من المواطنين الكرد السوريين مجرّدون من الجنسية السورية، وهناك القانون 49 لعام 1980م الذي يحكم بالإعدام لمجرد الانتماء السياسي، وهناك المرسوم 49 لعام 2008م الذي يشل الحياة الاقتصادية شللا تاماً في المناطق الكردية، وهناك سياسة التمييز القومي والعنصري ضد ما يقرب من ثلاثة ملايين كردي سوري، وهناك التمييز الطائفي ضد الأكثرية السنية، وهناك مئات الألوف الذين يعيشون في الخيام وبيوت الصفيح على أطراف المدن، وهناك عشرات الألوف من الأسر السورية، التي تعمل في مجال النبش في حاويات القمامة بحثاً عن مواد فيها تصلح للبيع والاستفادة من ثمنها في شراء الخبز ووقود التدفئة، وهناك 17 ألف مفقود في السجون السورية منذ عام 1980م حتى الآن، وهناك حالة الطوارىء وانعدام الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهناك وهناك وهناك...وكل أمر من هذه الأمور يكفي لأن يحوّل الشعب السوري الأرض ناراً تحت أقدام حكامه، الذين يتبجّحون بشعارات ويرفعون لافتات طنانة رنانة، وواقع الأمر يقول غير ذلك، الأمر الذي يعني أن البلد على فوهة بركان، أو برميل بارود، ينتظر من يعطي الشرارة الأولى فقط، أو يعلّق الجرس، لينطلق هدير الجماهير بعد ذلك كالسيل الجارف لا يلوي على شيء، ولا يوقف حركته شيء حتى يكنس الأرجاس ويطهّر البلد من اللصوص مصاصي الدماء وخيرات الشعوب!!

ويقولون متى هو؟؟؟؟ قل عسى أن يكون قريباً.... ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

                

* نائب المشرف على موقع syriakurds.com